المنبرالحر

الى متى تبقى مفوضية الانتخابات صامتة / مهند البياتي

تعتبر الانتخابات البرلمانية وكذلك انتخابات مجالس المحافظات بشكلها الحالي، جديدة لمعظم العراقيين، وهي مهمة جدا لانها تحدد القوى السياسية التي تحكم و تسيير شؤون العراق و تقرر مستقبله و بشكل ديمقراطي، اضافه لتحديدها الافراد و التكتلات التي تدير شؤون المحافظات، و على اساس الاختيار الحر للمواطنين لممثليةم في البرلمان و مجالس المحافظات. و للقيام بالانتخابات بشكل صحيح و فعال و حيادي، تم تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ومن المفترض بالمفوضية اضافة لقيامها بالاعداد و الاشراف والفرز و الاعلان النهائي لنتائج الانتخابات، تقديم المشورة و النصح للبرلمان و للقوى السياسية و للمواطنين عن احسن الطرق و الوسائل لاداء هذه المهمة، وان تستعين بخبرات الدول الاخرى و الهيئات الدولية التي سبقتنا في هذا المجال اضافة الى خبراتها التراكمية واسترشادها بالقوانين و اللوائح التي تحدد مهامها. لكن و مع شديد الاسف وجدنا المفوضية صامتة لا تقوى على شئ عند اعداد و مناقشه مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الجديد، و عند وصول النقاش الى طريق مسدود، كانت عاجزة عن ابداء الرأي لولا تدخل الامم المتحدة و اقتراحها لبعض الحلول التي حركت الامور في اخر لحظة، و كان على المفوضية التحرك و ابداء المشوره في قسم من المواضيع التي تمت مناقشتها، بدلا من ترك الساحة لبعض الساسة و البرلمانيين ليدلوا بدلوهم و كانت معظم هذه الاراء خاطئة في كثير من الاحيان او كانت تفاقم الامور.
و كان من المفترض على مجلس مفوضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، و هم جميعا من حملة الشهادات الجامعية بل ان خمسة من اصل تسعة هم من خريجي كليات قانو ن، و قسم منهم عمل سابقا في مواقع مختلفة في المفوضية، ان يثبتوا انهم اهل لهذه المسؤولية و انهم يعملون من اجل الشعب العراقي و ليسوا العوبة في ايدي الكتل التي رشحتهم تحركهم كما تشاء. صحيح انه تم انتخابهم من قبل مجلس النواب الحالي بعد مفاوضات شاقة وعلى اساس التوافق السئ الصيت، و المحاصصة الطائفية و الاثنية المقيتة، و لكن للوطن عليهم واجب لاثبات انهم فعلا مستقلون و يدافعون عن مصالح الناخب العراقي و عن الحق و العدالة. و كلنا امل ان نسمع منهم الرأي المستقل حول القانون الجديد للانتخابات البرلمانية قريبا، لا ان نراهم منفذين فقط لقرارات المحكمة الاتحادية و تعليماتها و كذلك لقوانين الانتخابات المشرعة من قبل مجلس النواب، حتى نشعر بان لا يزال هنالك صوت ينحاز للوطن وبان طاقة الامل في المستقبل القريب لا تزال مفتوحة.
ان من حق المواطن معرفة كيف صوت ابناء الشعب العراقي لاختيار نوابه و اعضاء مجلس محافظته، على المفوضية توفير كافه السبل اللازمه لبيان اختيارات العراقيين و تمكينهم من الاطلاع على جميع النتائج الانتخابية بكل شفافية، و سهلت التكنلوجيا الحديثه الادوات اللازمه لذلك، و خاصه المواقع الالكترونية، لكن لا تزال المفوضية بعيدة عن ذلك، و تحتاج لتحديث موقعها الالكتروني في الشبكة العنكبوتية ، حتى يستطيع المواطن مثلا معرفة جميع الاعضاء الحاليين لمجلس النواب، و من تم ادخالهم في المجلس بدلا من الذين استقالوا او تبوؤا مناصب تنفيذية في الحكومة، فمثلا لا نعرف من الذي حل محل محافظ بغداد الجديد او من الذي حل بديلا عن البرلمانيين المستوزرين، وهل يعود الوزير المستقيل الى قبة البرلمان اذا كان نائبا قبل استيزاره، و هل النواب الجدد حصلوا على الاصوات الصحيحة التى تؤهلهم لملأ المقعد الشاغر.فمثلا ان هنالك الكثير من المواطنين لا يعلمون ان المقاعد التعويضية في انتخابات عام 2010 قد ادخلت في البرلمان نوابا حصلوا على 68 صوتا فقط، لان المقاعد السبعة التعويضية التي وزعتها الكتل ادخلت البرلمان النواب التالية اسماؤهم مع الاصوات التي حصلوا عليها: ھمام باقر عبد المجید حمودي من الاتئلاف الوطني العراقي حصل على 68 صوتا فقط، في حين حصل محمد توفیق حسین من ائتلاف العراقیة على 514 صوتا فقط، و حصل حاجم مھدي صالح الحسني من ائتلاف دولة القانون على 771 صوتا فقط، و حصل جاسم محمد جعفر من ائتلاف دولة القانون على 7,087 صوتا، كما حصل حسن عبد الھادي جاسم الجبوري من الاتئلاف الوطني العراقي على 8,391 صوتا، و جابر خلف عواد شلاش من ائتلاف العراقیة على 11,077 قد يكون محمد فؤاد معصوم خضر من التحالف الكردستاني الاتثناء الوحيد بينهم حيث حصل على 25,639 صوتا و لم يحالفه الحظ بسبب المنافسة الشديدة في محافظه اربيل، و مع ذلك حاولت بعض الكتل رفع عددالمقاعد التعويضية لاكثر من خمسين مقعدا حتى يهيمن رؤساء الكتل على اختيار النواب و ادخال من يريدون و مهما تكن الاصوات التي حصلوا عليها.
ومن المهم جدا للمواطنين معرفة التشكيلات الاخيرة لمجالس المحافظات بعد قرار المحكمه الاتحادية بتغيير طريقه اختيار الكتلة الواجب ان تترشح المرأة منها لمجلس المحافظة، كي تبقي نسبه الخمسة و العشرين بالمائه من استحقاق النساء، و دار لغط كبير حول الموضوع و المفوضية ساكته عن الامر. اما ما جرى اخيرا من اقرار لمشروع الانتخابات البرلمانية المقبل، فلم نسمع بان المفوضية او اي عضو من اعضائها قام بعقد ندوه او مؤتمر ليشرح للمواطنين او حتى لاعضاء البرلمان تجارب الدول الاخرى و كذلك ميزات او عيوب النظم الانتخابية من وجهه نظر خبراء في العملية الانتخابية، بل ترك الامر للساسة و بعض اعضاء مجلس النواب ليدلوا بدلوهم في الامر و كان الكثير منهم مخطئين في تحليلاتهم، و تركوا المواطنين في حيرة من الامر.
ان اهم تغيير حصل في قانون الانتخابات كان في طريقة توزيع المقاعد على الكتل، وعند الاطلاع على تجارب الدول الاخرى في هذا الامر، نجد مثلا ان البرلمان الالماني استخدم طريقه دي هونت لتوزيع المقاعد منذ تشكيله بعد الحرب العالمية الثانية و لغاية عام 1983، و عند احتجاج الاحزاب الصغيرة على حرمانها من اصواتها، تم اعتماد طريقه هير/ناميير. اقترح هير و هو قانوني بريطاني هذه الطريقة في منتصف القرن التاسع عشر، و قام ناميير وهو عالم رياضيات الماني بتطوير هذه الطريقة، و اعتمدت هذه الطريقة في انتخابات اللجان و الهيئات الخاصة بالبرلمان الالماني منذ عام 1969، ثم استخدمت في انتخابات البرلمان الالماني من عام 1987 و لغاية عام 2005، و قد لوحظ ان في هذه الطريقة قد يحصل تناقض في بعض النتائج و خاصه ما يدعى " تناقض الباما" عند توزيع المقاعد، لذلك استبدلت بطريقة سانت ليغو/شيبرز. لقد اقترح عالم الرياضيات الفرنسي اندرية سانت ليغو هذه الطريقه عام 1912، ثم قام العالم الالماني هانس شيبرز رئيس فريق معالجة البيانات في البرلمان الالماني بتطوير كيفية تطبيق هذه الطريقة لتكون اكثر قبولا وتحل اشكالية تناقضات طريقة هير/ناميير، و استخدمت الطريقة في انتخابات اللجان و الهيئات الخاصة بالبرلمان الالماني منذ عام 1980، ثم استعملت في انتخابات البرلمان الالماني عامي 2009 و 2013. اي ان طرق التحليل الرياضي و استخدام الحاسبات في تحليل و تطبيق النتائج قد استخدمت من قبل متخصصيين في هذا المجال ثم اعطيت هذه الدراسة للبرلمانيين لتشريعها و من ثم استخدامها، و ليس العكس كما حصل عندنا حيث قرر البرلمانيون العراقييون تعديل طريقة سانت ليغو من دون دراسة مسبقة او تحليل للنتائج، و سكتت المفوضية عن هذا الامر و كان الامر لا يعنيها.
تعتمد طريقة سانت ليغو/شيبرز، على تقسيم مجموع الاصوات الصحيحة على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، لنحصل على القاسم الانتخابي، ثم نقسم اصوات كل كتلة على هذا القاسم، و نقرب ناتج القسمة الى اقرب عدد صحيح، بحيث عندما تكون قيمة الكسر في الرقم الناتج0.5 نصف او اكثر، نزيد العدد الصحيح بواحد، و عندما يقل الكسر عن 0.5 نهمل الكسر و يبقى العدد الصحيح فقط. و تمثل هذه الاعداد الصحيحة عدد المقاعد الاولية لكل كتلة، ثم نقوم بجمع هذه الاعداد، فان ساوى المجموع عدد المقاعد الكلية المخصصة للدائرة الانتخابية ، عندئذ تكون هذه الاعداد هي الحصة النهائية لكل كتلة.
اما اذا زاد المجموع عن عدد المقاعد الكلي المخصص للدائرة الانتخابية، عندئذ نزيد قيمة القاسم الانتخابي الى حد بحيث انه عند قسمة اصوات كل كتلة على هذا القاسم الانتخابي الجديد وتقريب الناتج لاقرب عدد صحيح كالسابق و بعد جمع هذه الاعداد الصحيحة، نحصل على مجموع يساوي عدد المقاعد المخصصة للقوائم، تكون هذه الاعداد هي عدد مقاعد كل قائمة، ونسمي هذا القاسم الجديد بالقاسم الانتخابي المشروط. اما اذا قل المجموع عن عدد المقاعد الكلي المخصص للمنطقة الانتخابية، عندئذ نقلل قيمة القاسم الانتخابي و نقوم بنفس الاجراء السابق للحصول على قاسم انتخابي مشروط يحقق تساوي مجموع مقاعد الكتل مع المقاعد المخصصة للكتل. و المثال التالي يوضح هذا الامر، لنفترض ان خمسة احزاب تنافسوا في الانتخابات على عشرة مقاعد و كانت اصواتهم كالتالي: الحزب أ 25,500 صوت، الحزب ب 14,000 صوت، الحزب ج 9,000 صوت، الحزب د 5,000 صوت، الحزب ص 3,500 صوت. ان مجموع الاصوات هو 57,000 و بعد القسمة على عدد المقاعد و هو عشرة سنحصل على القاسم الانتخابي و الذي يساوي 5,700، و عند قسمة صوت كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ (4.47، 4)، حزب ب (2.46، 2)، حزب ج (1.58، 2)، حزب د (0.88، 1)، حزب ص (0.61، 1)، و نجد ان مجموع حصة الاحزاب يساوي عشرة (4+2+2+1+1) و هو مساوي للمقاعد المخصصة، لذلك تعتمد هذه الارقام و هي حصة الاحزاب من المقاعد.
واذا افترضنا ان التنافس كان على احد عشر مقعدا نجد ان القاسم الانتخابي سيكون 5,182 بتقسيم 57,000 على عدد القاعد 11 و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمه نجد التالي: حزب أ (4.92، 5)، حزب ب (2.70، 3)، حزب ج (1.74، 2)، حزب د (0.96، 1)، حزب ص (0.68، 1)، و يكون مجموع حصص الاحزاب هو اثنا عشر و هو اكثر من المقاعد المخصصة، لذلك سنقوم بزياده قيمه القاسم الانتخابي من 5,182 الى 5,650 مثلا ، و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم الانتخابي المشروط و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ (4.51، 5)، حزب ب (2.48، 2)، حزب ج (1.59، 2)، حزب د (0.88، 1)، حزب ص (0.62، 1)، و هنا نجد ان مجموع اصوات الاحزاب يساوي عدد المقاعد المخصصة للانتخابات و يحصل كل حزب على حصته.
و اذا افترضنا ان التنافس كان على اربعة عشر مقعدا نجد ان القاسم الانتخابي سيكون 4,071 و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ (6.26، 6)، حزب ب (3.44، 3)، حزب ج (2.21، 2)، حزب د (1.23، 1)، حزب ص (0.86، 1)، و يكون مجموع حصص الاحزاب هو ثلاثة عشر و هو اقل من المقاعد المخصصة، لذلك سنقوم بتقليل قيمة القاسم الانتخابي من 4,071 الى 4,000 مثلا ، و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم الانتخابي المشروط و تقريب ناتج هذه القسمه نجد التالي: حزب أ (6.38، 6)، حزب ب (3.5، 4)، حزب ج (2.25، 2)، حزب د (1.25، 1)، حزب ص (0.86، 1)، و هنا نجد ان مجموع اصوات الاحزاب يساوي اربعة عشر مقعدا و هو مساوي لعدد المقاعد المخصصة للانتخابات. و يمكن اختيار اي قيمة جديده للقاسم الانتخابي المشروط ما دام مجموع مقاعد الاحزاب يتساوى مع المقاعد المخصصه للدائرة الانتخابية.
و كان على المفوضية ان تشرح هذه الطريقة للبرلمان العراقي بدلا من ان تجعله يغير طريقة الحساب، لان المشكلة الاساسية تكمن في كيفية تحويل كسور المقاعد الى مقاعد كاملة مع جعل مجموع حصص الاحزاب مساويا للمقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية . وشرح هذه الطريقة و اولياتها موجوده على رابط الحكومه الالمانية.
http://www.bundeswahlleiter.de/en/glossar/texte/Saint_Lague_Schepers.html

و عند تطبيق هذه الطريقة على نتائج انتخابات المحافظات لهذا العام 2013 سنجد ان توزيع المقاعد سوف لن يتغير عما اقرته المفوضية.
واضافه لذلك نرى من الواجب على المفوضية القيام بمهمة تغيير الفقرة الخاصة بتحديد نائب لكل مائه الف عراقي، و الواردة في الدستور، اذ ان الزياده السكانية السنوية في العراق هي بحدود 5 بالمائه سنويا اي ستكون على الاقل عشرين بالمائة كل اربع سنوات، و هي زيادة غير منطقية في كل دورة انتخابية ولا نجد لها مثيلا في العالم، و كذلك يجب على المفوضية ان تسعى الى جعل عدد مرشحي اي كتلة لاي دائره انتخابية لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائره و ليس الضعف كما هو معمول به حاليا و ادرج ضمن مشروع القانون المقترح، لان هذه الحالة لا توجد الا في الانتخابات العراقية و هي محاولة لزيادة اصوات الكتل الكبيرة عن طريق مرشحين لا امل بالفوز لهم بتاتا.