المنبرالحر

أي حزن يبعث المطر! / جاسم الحلفي

مطر ..مطر ..مطر.. رائعة رائد الشعر الحر بدر شاكر السياب، كانت ضمن مادة المطالعة للثاني المتوسط، حيث حفظناها عن ظهر قلب، وذلك بعد ان حببها لنا، وعلمنا كيف نقرأ وماذا علينا ان نقرأ، طيب الذكر مدرسنا في اللغة العربية الشاعر والناقد الاستاذ عبد الرحمن طهمازي. فقد بيّن لنا رمزية هذه القصيدة التي كتبها الشاعر السياب قبل ثورة 14 تموز عام 1958 وكأنه يتنبأ بالتغيير. وما زال شرح الاستاذ طهمازي للقصيدة عالقا في ذهني، وحديثه عن التجديد في الشعر، مبسطا لنا ذلك، جاعلا عقولنا اليافعة آنذاك، تنحاز للتجديد في الحياة، وللق?م الانسانية والعدالة والحرية.
وصرت اردد مقاطع من القصيدة في احيان كثيرة، كلما نزل المطر. لكن المطر هذه المرة هطل غزيراً وفضح المستور، كما فعلها قبيل نهاية السنة الماضية، وكشف لنا حجم الادعاءات ببناء بنية تحيته للمجاري قادرة على حفظ بغداد من الغرق. وتبين ان لا بنية تحتية موجودة حقا كما هي تصريحات المسؤولين التي كانت ترد على مطالباتنا بتوضيح مصير المبالغ المرصودة في الميزانية لإعمار بغداد.
هكذا كشف المطر زيف الادعاء المضلل، بان العمل تحت الارض يأخذ جهدا اكبر وهو غير مرئي.! وتبين ان لا جهد صرف حتى على تأهيل وإدامة البنية التحتية القديمة. فقد ظهر بالملموس أن المجاري لم تنظف، وهذا ما جعل ابناء حي اور يتظاهرون هذه المرة، إثر بقاء المياه الآسنة في مناطقهم لاكثر من اسبوع بعد المطر.
وها نحن نكرر السؤال: اين ذهبت كل التخصيصات التي قيل انها انفقت على بناء منظومة مجاري عملاقة؟ بالتأكيد لا يحتاج الامر الى الكثير من التفكير كي نكتشف ان غول الفساد، بل قل مؤسسة الفساد، قد اتت على ذلك. هذه المؤسسة التي وجدت حاضنات لها، هي اكبر واخطر من حاضنات الارهاب. فربما تستطيع الدولة ذات يوم ان تحصر حاضنات الارهاب وتحاصرها، لكن كيف لها ان تحصر حاضنات الفساد التي تمترست في مفاصل الدولة واجهزتها؟
هكذا دخل المطر مادة في الجدل السياسي، ولا نريد ان نتحدث عن الخيرات التي يحملها لنا، ومنها رفع مناسيب الانهر التي جففتها سدود الجيران وتطاولهم على حصص العراق المائية، ولا تخلف الحكومات المتعاقبة عن بناء سدود لحفظ المياه واستثمارها، والاقتصاد فيها. كما لا نريد ان نتحدث عن الخسائر الكبيرة التي يتسبب فيها عدم الاستفادة من كل هذه المياه. بل نتساءل: اين هي الجهود التي بذلت من اجل ايقاف اضرارها في المدن؟