المنبرالحر

وقفة تأمل مؤلمة :ألا تستحق مراقد شهدائنا وموتانا الاهتمام والعناية؟

النجف - زاير:21-11-2013
استقبالا للعام الهجري قررتُ مع العائلة التوجه الى "مقبرة وادي السلام" في مدينة النجف، لزيارة مرقد من رحلوا عنا: الوالد والوالدة الكريمين، اشقائي الشهداء الثلاثة، والشهيد زوج شقيقتي الصغرى، وزوج شقيقتي الثانية المفقود والذي نُصّب له قبر رمزي.
لحظات مؤلمة حقا عندما تقع عيناك على اسمائهم وقد نُقشت على مرمر القبور، وعندها تبدأ الذاكرة تجول بك بعيدا وتتساءل: ماذا فعلت الدكتاتورية والارهاب بنا وبشعبنا؟ حرمتني حتى من ان اكون مع والدي ووالدتي عندما فارقونا للأبد، كذلك اشقائي واقاربي الذين اختطفتهم أيادي الدكتاتورية والارهاب، أما مبكرا وفي عز شبابهم، أو تركوا فلذات قلوبهم، وهم في عمر الزهور، دون ان يستكملوا واجبهم في تنشئتهم وتربيتهم التربية السليمة لصالح المجتمع ومستقبله. انها لحظة ثمينة تستذكر فيها حنان وحب الأم، التي قضت سني حياتها تكافح وفي اقسى ال?روف من اجل ان يكون ابناؤها مساهمين صادقين فاعلين في بناء حياة افضل للمجتمع ولهم. وتستذكر الأب الكريم الذي كافح ليل نهار لتوفير لقمة العيش ومستلزمات استكمال تعلمنا ودراستنا، وليقضي الاوقات الطويلة معنا ليغرس وينمي ويرعى روح الوطنية الحقة في نفوسنا والدفاع عن مصالح الفقراء والمحرومين وحبهم.
فجأة تصطدم هذه الرحلة المؤلمة والطويلة في اعماق الماضي والغنية بمعانيها ودروسها، بمنظر لم اكن اتوقعه ابدأ، نظرا الى ما تعودت ان أراه في مقابر ومراقد البلدان الاخرى. فالمؤلم جدا ان تتحول مراقد احبتنا الراحلين الى مكب للنفايات. وفجأة بدأت أسال نفسي: هل حقا يتحول هذا المكان الذي يعتبر مقدسا لملايين العراقيين الى مكب للنفايات؟ لم أصدق ذلك إلا بعد ان جمعنا ثلاتة أكياس من النفايات بين قبور عائلتنا التي لا تتجاوز مساحتها عدة أمتار مربعة.
تجرعت المرّ وتحملت الأسى وملأت عيني الدموع، ونسيت انني اتيت الى هنا لأستذكر شهداءنا وموتانا، ولأفكر بما انجزوه في حياتهم وأستخلص الدروس والمعاني من استشهادهم، ولأرد جزءأ يسيرا من افضالهم علينا وعلى المجتمع. تساءلت مع نفسي: هل هذا هو استحقاق الراقدين هنا في "مقبرة وادي السلام" في النجف الاشرف، الذين كافحوا في حياتهم من اجل ان تستمر الحياة للآخرين، ومنهم من سُلبت حياته غدرا وهو في عز شبابه وحيويته، ومن عاش حياة الشقاء والحرمان والكفاح من اجل لقمة العيش لأولاده، ومن قضى سنين في السجون والمعتقلات دفاعا عن افك?ره ومعتقداته؟. تساءلت وتساءلت مرات ومرات: هل يستحقون ان تتحول مراقدهم الى مكبات للنفايات؟
يرقد في "مقبرة وادي السلام" الملايين من العراقيين النجباء والشهداء، وهي مكان مقدس بالنسبة لعشرات الملايين الاحياء. انظروا في الصور الحية: أي وادي سلام هذا واية قدسية يمتلك؟
ألا تستيقظ ضمائر آلاف المسؤولين الذين يزورون هذه المقبرة، وخاصة المسؤولون في النجف القائمون اليوم على السلطة فيها باعتبارهم ممثلي "المكون الاكبر" من الشعب العراقي؟ ألم تر المرجعية الدينية أيضا او تسمع بما حل بـ "مقبرة وادي السلام" وهي على بعد مئات الأمتار من مرقد الامام علي (ع) وأماكن سكناهم وعملهم؟
أتحدى أي مسؤول من هؤلاء، ان يجد حاوية نفايات واحدة في أكبر مقبرة في العالم اجمع!