المنبرالحر

جذور الفساد / محمد شريف أبو ميسم

ما من تنمية اقتصادية حقيقية يمكن أن تكون في بلاد ما والفساد فيها قائم ، وإذا ما تجذر هذا الفساد كما هو في بلدنا هذه الأيام ، فانه سيستحيل الى مانع مستدام لكل عناصر التقدم الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي ، وبالتالي فان على أهل البلاد أن يقتلعوه من الجذور اذا ما أرادو الخلاص، وإلا فإنهم ماضون في أتون سلسلة من المنزلقات التي لا تنتهي.
ولأن جذور الفساد في بلادنا نبتت مع الاستبداد واللا عدالة الاجتماعية في زمن النظام المقبور، وضربت في العمق بجوار جذور التخندقات السياسية (طائفية فئوية - عرقية ) بعد العام 2003 .. فانها لم ولن يمكن الخلاص منها، ما لم يتم التخلص من جذور تلك التخندقات التي جلبت الويل والثبور لهذا الشعب المبتلى، وما لم يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والحقوق والواجبات.. لأن الفاسدين الذين يتحصنون بخنادقهم الحزبية والفئوية يعزفون في العادة على أوتار شعاراتية كلما تعرضوا للمساءلة.. وبالتالي فان استهداف الجهات الرقابية لهم يعني استهداف لتلك «الفئة» أو الطائفة وسهولة تعبئة الشارع لخراب البلاد .. ناهيك عن أن الجهات الرقابية لن تكون قادرة على حماية نفسها وحماية الأفراد الذين يعملون فيها من شرور المتخندقين ما يدفع البعض من شخوصها للانتقال لخندق الطرف الآخر مقابل التستر على المفسدين في ذلك الخندق، أو الانسحاب من مواجهة المفسدين واداء الوظيفة الرقابية بشكل روتيني مقابل التمتع بامتيازات المفسدين عبر الانخراط في أجوائهم المكللة بالهدايا والمكارم والايفادات والملاح، وتجنب شرورهم من خلال تسوية القضايا والبلاغات والشكاوى ومضامين التقارير الرقابية (والقبول بتقديم الموظفين الصغار قرابين لفساد الكبار اذا ما فاحت رائحة القضايا التي يكشف عنها غرماؤهم أو من يتصدى لهم)، وهذا هو ما حصل ويحصل بشكل يومي في المؤسسات الرقابية.. وسيبقى الحال على ما هو عليه ما لم تجتث جذور المتخندقين وتردم الخنادق الطائفية والفئوية والعرقية بجانب اكتمال تشريع المنظومة القانونية ودعم السلطة القضائية والتنفيذية .. وبخلافه، فلا تنمية ولا تطور اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي ، وسيبقى النمو المالي ونمو الموجودات الناجم عن تطور الصناعة النفطية في البلاد معرضاً للهدر وسوء الادارة والضياع على الرغم من انه يسجل معدلات رقمية من النمو في الاقتصاد الكلي.
ان الفساد الذي يضرب في كبد التشكيلة المؤسسية والاجتماعية في البلاد تقوده الآن الأحزاب السياسية المتصارعة على السلطة حد تقطيع أوصال الناس بهدف اثبات فشل هذا أو ذاك ، وبالتالي فاننا ازاء أنماط من الفساد تعدت في الكيفية ما متعارف عليه ، فلا غرابة في قصدية التدمير والهدر هنا أو هناك ، ولا غرابة في تعطيل هذا القانون من الدخول الى حيز التطبيق خشية أن يضر بشخوص الحكومة الحالية في الانتخابات المقبلة ( كما في تجميد قانون التعرفة الكمركية ).. ولا غرابة (في رد قانون البنى التحتية ) لأن نجاحاته قد تحسب لشخص رئيس الحكومة كما يقول البعض، ما قد يضر بالأطراف التي تعمل على الضد منه.. ولا غرابة أن يبرر الفشل في تقديم الخدمات بمحاربة الأطراف الأخرى التي تضع العصي بالعجلة والصخور في المجاري! ولا غرابة في محاربة المشاريع التي قد تخدم الناس ( واثارة الأقاويل حولها ) لأنها قد تحسب لهذا أو ذاك .. ولا غرابة أيضا أن تجيّر وسائل الاعلام للحديث عن الفساد من قبل المفسدين أنفسهم بهدف تلميع صورهم وتضليل الناس .. وليس مستغرباً ان تتكرر الادعاءات دون كشف لملفات الفساد وتقديمها الى القضاء بهدف محاربتها بشكل حقيقي، انها أنواع وأجناس مختلفة من السياسات الجارية في بلدنا الذي أضحى رهينة للطائفية وفسادها ، فيما تسحق مصلحة المواطن في كل يوم .