المنبرالحر

أنستجدي وطنا آخر؟ / ئاشتي

تستجيب روحك لموجة الحزن وكأنها على موعد معه في كل شروق شمس، مثلما تستجيب خلايا دماغك لنعاس الغربة الدافئ، حيث تتلاشى فوارق الزمن بين متاهات البعد الاضطراري عن وطن تنفست فيه كل طفولتك وصباك، وتعلمت فيه التأرجح على أسطورة الفرح الغائب المرتجى، عسى ولعل أن تثمر في يوم ما شجرة الأمل التي اتخذت لها مكانا في زاوية مهملة في روحك، رغم كل محاولاتك في استفزاز براعمها على النمو وازدهار اغصانها بقداح كنت انتظرته طويلا. إلا أنك كلما اقتربت من نهر التفاؤل ووطنت روحك على انتعاش أمواج نهره، كلما اصطدمت بصخرة الواقع بكل احزانه وتفاهاته، فتقفل راجعا إلى حيث استجابة خلايا دماغك لنعاس الغربة الدافئ، ويبدو تلك هي دورة الحياة بالنسبة لنا نحن العراقيين الذين منح لنا الزمن مشاهدة حكومات غثة تأكل الأخضر واليابس في كل تفاصيل يومياتها، وكأن الوطن بئر نفط تم اكتشافه على اراضيها فقط وعليها أن تستغله بكل ثرواته كاملة، وليذهب الجميع حيث يسكن الشيطان في صحراء قاحلة. تلك الحقيقة تجعلنا نصرخ بوجه حكامنا، أنستجدي وطنا آخر أم نغادر ونترك العراق لكم وحدكم؟
تستجيب روحك لموجة الحزن وكأنها على موعد مع فيضانه كل مساء من على الشاشة الصغيرة، عبر مشاهدة امرأة نجفية ترتدي عباءة سوداء أحالت الشمس لونها ترابيا، وهي تستنجد بحكامنا لعلهم يسمعون ( سوولنه وطن ..مو متنه) ووطنها بيت صغير تستقر به هي وعائلتها الممنوعة من أكل وجبة دسمة منذ عقود بحكم قانون العوز الجاثم على أعينهم، تريد وطنا صغيرا يحميها من غضب السماء وكراهية الحكام لهم، تريد وطنا صغيرا تغمض فيه عينيها اغماضتهما الأبدية كي لا تصبح جثتها طعاما للحيوانات السائبة وما أكثرها في زمن القمامات المنتشرة عى مساحة هذا الوطن. مثلما تنتشر الخيام مدارس للتلاميذ في جنوب العراق ونموذجها الأوفى ( سدرة المنتهى) ولا أدري هل الذي أطلق هذا الاسم على مدرسة في مدينة الغراف التابعة إلى محافظة ذي قار قد قرأ الآية القرآنية ( ولقد رأه نزلة أخرى،عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى،ما زاغ البصر وما طغى) أم أنه تصورها خياما ومرافق صحية من قصب، مدرسة في العراء صفوفها من خيام لا تقي العصافير الصغار البرد ولا المطر في وطن ستكون ميزانيته للعام القادم 150 مليار دولار، سؤال بسيط يا حكامنا، أ يحق لنا أن نستجدي وطنا آخر؟
أبحث في ذاكرة الحزن
وفي ذاكرة الأوطان
عن بشر يستجدون لهم وطنا
كي لا تشربهم ذكرى النسيان.