المنبرالحر

صراع الإرادات وأثره على الاقتصاد / رياض عبيد سعودي

يتفق الاقتصاديون على اعتبار الإدارة احدى العوامل الإنتاجية بل لها دور كبير في بلوغ المشروع الجدوى الاقتصادية المرسومة له. فالإدارة الناجحة هي التي تستطيع توظيف كل عوامل الاتباع توظيفا صحيحا لتأمين النجاح في الوصول الى الاهداف. وهذا ينطبق على المشروع الواحد، وعلى عموم الاقتصاد، وهو بذلك القدر من الاهمية يحتاج الى قادة تملك من الخبرة والاختصاص ما يؤهلها الى تحقيق النجاح المطلوب والمؤمل تحقيقه.
وفي ظروف الاقتصاد ما بعد عام 2003 في العراق فأن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي ان الاقتصاد يعيش حالة من التخبط والعشوائية بسبب ضعف الكوادر التي تقود العمل الاقتصادي لعدم اعتماد الترشيحات للمناصب الاقتصادية على معايير كفاءة الأداء بسبب تسييس هذه العملية واخضاعها الى ارادات الكتل والاحزاب المتنفذة وسيطرة المحاصصة والمحسوبية على التعيينات بشكل، وإلا فبماذا نفسر ان وزيرا لقطاع اقتصاد مهم له تحصيل علمي في الطب البيطري، أو وزيرا في قطاع آخر مهم له صلاحيات صرف اكثر من ملياري دينار دون الرجوع الى مجلس الوزراء وله تحصيل ديني، وغير ذلك مما يؤشر انه لم يتم الالتفات الى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب سيما في ادارة الاقتصاد لأهميته وتأثيراته المتعددة النتائج وهي اخيرا واذا بلغت النجاح فأنها ستنعكس على وضع المواطن ايجابيا، والا سيدفع المواطن ثمن فشلها كما هي الحال في فشل الحكومة في ملفات اقتصادية عديدة منها الخدمات والفقر والاستثمار وغير ذلك مما يطول حصر.
وبقراءة تحليلية سريعة لنتائج أعمال هيئة النزاهة لعام 2011 وبحسب ما ورد في تقريرها لتلك السنة يمكن الوقوف على مؤشر خطير وهو ان هناك 18 وزيرا صدرت بحقهم أحكام في جرائم فساد. كذلك 20 مديراً عاماً صدرت بحقهم ايضا احكام عن جرائم الفساد. فكيف لمثل هذا النمط من القادة ان يتعاملوا بجدية وحرص مع متغيرات الاقتصاد؟ وهذا يؤشر تراجع اداء الاقتصاد العراقي خلال فترة السنوات العشرة الماضية. فقد سرقت اموال كثيرة تمثل جزءاً هاما من رأس المال، وتوفرت في العديد من المنشآت الاقتصادية العلاقة مع العاملين وهذا ما يمكن لهؤلاء المفسدين ان ينجحوا فيه.
واعضاء مجلس النواب لا يختلفون كثيرا عن غيرهم في تغليب الاهتمام بالسياسة على الاهتمام بالاقتصاد بسبب المساحة الضيقة للثقافة الاقتصادية عند العدد الأكبر منهم ولذلك تطلب الكثير من مشاريع القوانين الاقتصادية كمشروع قانون النفط والغاز وحماية المستهلك وتوزيع حصص من الموارد المالية الفائضة على المواطنين والتقاعد الموحد وغيرها، وهذه جميعها لها علاقة مباشرة اساسية بالمواطن او بتطوير اداء الاقتصاد عموما. ويبدو ان فهم هذه القوانين يظل في حدود مصلحة الكتلة او الحزب السياسي وما يمكن ان يحصل عليه من مزايا بتشريع نوابه لهذا القانون او ذاك.
وبذلك وضعت السياسة والتجاذبات في اطارها جدارا امام الاقتصاد ولا يمكن له ان يعيش خلفه طويلا لأن استمرار هذه الحالة من خنق الاقتصاد بالسياسة لا يمكنه تطوير مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الاجمالي وتعزيز احادية مردود النفط فيه وهذا ما سوف يعرض الاقتصاد في وقت ما الى الكارثة وسيكون المواطن الفقير ضحيتها لوحده.
ألا يمكن للمواطن ان يتساءل كيف يمكن لهذه الكفاءات المتهمة بالفساد أو من ذوي الشهادات المزورة او التي لا تحمل تخصصا علميا إدارة الاقتصاد؟ وكيف يمكن أن نتصور إدارته وهو بهذا الشكل من التواضع في إمكاناتها المهنية أن تحقق اقتصادا مزدهرا يوظف كل إمكانات الدولة المادية والبشرية والعلمية لتحقيق تنمية وطنية هدفها تعظيم قدرات الاقتصاد في خدمة المواطن أولا وأخيرا؟