المنبرالحر

حديث المافيات.. بالمناسبة / عبد المنعم الأعسم

المافيات في التعريف المدرسي «جماعة سرية لاعقد اشكال الجريمة المنظمة من اصحاب النفوذ والقوة» ومع هذا لم يعد احدٌ (في العراق) يتحرج من تخصيص الكلام عن وجود مافيات في حشوة المشهد السياسي، وفي اسواق المال، وعقود المشاريع، والوزارات، ومجالس المحافظات، وخدمات الإعلام، والقضاء، والامن، والعلاقات مع الدول، وليس ثمة مبالغة في القول الشائع والمعلن في تقارير صحافية حول وجود مافيات تقرر سياسات ومواقف تتسم بالخطورة، وتقوم باعمال تهريب ونهب وسطو منظم، كما تقوم بترشيح اشخاص لأعلى المناصب، بل ان الامر وصل حد الحديث، بالص?ت والصورة، عن مافيات متخصصة بالانتخابات (وهي مناسبة الحديث هنا) تتحالف وتتخاشن وتتداخل وتتقاتل في ما بينها، ويمكن ان نضيف لهذه اللوحة مافيات الارهاب والجريمة المنظمة والمليشيات.
نقول، لم يعد محرجا الكلام عن مافيات تتحكم سرا في قوت الشعب وفي شبكة واسعة من المصالح، فقد سبق أن اشار مسؤول كبير في وزارة المالية الى «مافيات عالمية تقوم بادخال العملة المزورة الى العراق» ونقل عن عضو في هيئة النزاهة قوله «توجد مافيات لترويج الذهب المغشوش في الاسواق» وقال احد اعضاء اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب «ان هناك مافيات منظمة مهمتها عرقلة القوانين والتشريعات الاقتصادية التي تهم البلد ولديها تاثير مباشر على جميع القوانين والقرارات الاقتصادية التي شرعها مجلس النواب» وكشف تقرير اعلامي نشر على نطاق ?اسع في الصحافة العراقية عن تحول «طريق الحرير» القادم من شرق آسيا والمار عبر العراق إلى طريق للمتاجرة بالمخدرات والسلاح والآثار العراقية وتهريب النفط المسروق من قبل مافيات تخصصت في هذه الجرائم ولها ارتباطات واسعة مع العالم، بما في ذلك حكومات بعض الدول.
فلو ان نصف(وحتى رُبع) هذا الكلام صحيح فان المنطق يضع سؤالا بليغا عن نوع الحماية التي تتمتع بها هذه المافيات لتكون فوق القانون ولتملك رافعات محلية قد لا تختلف عن الرافعات التي تحظى بها المافيات الايطالية التي «تقوم بتخويف الساسة والقضاة المناهضين لها، وابتزازهم، وحمل البعض منهم على التعاون أو التستر عليها او الصمت حيال انشطتها» كما كشف المدعي العام المسؤول عن مكافحة المافيا الايطالية «بييرو جراسو» في وقت سابق.
لم تكن المافيات معروفة في العراق خلال الخمسين سنة الاولى من عمر الدولة، وقد تكونت التشكيلات الاولى لها، منتصف السبعينات، من بطانة النخبة الحاكمة، وبحمايتها، وكانت العشرات من اعمال التصفية الغامضة للاشخاص (اخفتها السلطة او امتنعت عن التحقيق فيها) تشير الى مافيات واسماء ذات سطوات مخيفة، والى اموال هائلة تتحرك من قنوات النظام الحاكم او من شبكة نفوذه، ويحتفظ المواطنون والمتابعون وبعض القريبين من الحلقة الصغيرة التي كانت تمسك بالحكم بوقائع (نشر القليل منها) عن نشاط هذه الجماعات، وذكرت بعض التقارير ومحاضر التحق?ق لدى دول المنطقة في انشطة تهريب وغسيل اموال ان بعض المافيات ترتبط مباشرة بصدام حسين، او بابنه عدي.
ومع سقوط النظام تفككت وتشظت الكثير من المافيات، وكانت ستنكشف على نطاق واسع، لو ان الجماعة السياسية المتنفذة واحزابها والجهات الامريكية فتحت هذا الملف وحققت فيه ولاحقت ابطاله، غير انه لاسباب غير معروفة جرى تعليق النظر في الموضوع ودسه في سلسلة من الاعتبارات والتبريرات وربما الصفقات إذا شئنا الدقة، لكن الامر الاكثر خطورة تمثل في تكوّن مافيات جديدة اكثر شراهة ودموية في ثنايا السباق المحموم على الثروة والسطوة، وذلك بالافادة (اولا) من فساد بعض الموظفين الكبار وبعض رموز الحالة السياسية النافذة و(ثانيا) من خبرة م?فيات العهد السابق وخدمة بعضهم و(ثالثا) في سقوط الغيرة على المصلحة الوطنية لدى الذين ائتمنوا على هذه المصلحة.. فكانوا حاميها حراميها.
********
«اليدري يدري».
مثل عراقي

عبد المنعم الأعسم