المنبرالحر

قرارات تسحب العراق نحو الهاوية/ فرات المحسن

احتلت الجامعات البريطانية والأمريكية الأرقام العشرة الأول في تسلسل أفضل الجامعات في العالم حسب تصنيف شبكة ( Top Universities QS ) وهذه الشبكة هي شركة لها العديد من المندوبين يتوزعون على العديد من بلدان العالم من مثل لندن ، باريس، سنغافورة، شنغهاي، بوسطن، وواشنطن. وتعمل هذه الشركة أو الشبكة بشكل يومي على جمع المعلومات عن الجامعات في العالم من خلال تدقيق القرارات المهنية والعلمية والإدارية الصادرة داخليا، وكذالك عن كيفية استخدام الجامعات لأدوات العمل في تطبيق المناهج والبحث في طرق وأدوات التدريس والمعلومات الاليكترونية، وتوفر الحلول التقنية والنشرات والمطبوعات المعززة للدراسة الجامعية . وعمل الشبكة الرئيسي هو توفير الخدمات للطلبة الراغبين في الدراسة الجامعية في مجالات متقدمة للتعليم العالي وبالذات في اختصاص إدارة الأعمال التنفيذية والبرمجيات المهنية والتطوير المجتمعي من خلال وضع أفضل العروض والخيارات وأنسبها أمامهم . وفي هذا المجال وضمن مهامها تقوم الشبكة نهاية كل عام بتقديم دراسة سنوية تتضمن معلومات مندوبيها عن أغلب الجامعات في العالم واضعة تقييمها وتصنيفها المبرمج حسب المعلومة المتوفرة لديها.
أصدرت الشبكة تقييمها للجامعات في العالم لهذه السنة 2013 تحت عنوان ( QS WORLD UNIVERSITY RANKINGS 2013 ) فجاء تصنيف جامعة بغداد بالتسلسل رقم 701 من مجموع تصنيف جامعات بلغ عددها 800 في جميع العالم، وهذا الرقم يشير إلى أن جامعة بغداد قد تراجعت 100 درجة عن تقييم الشبكة للعام الماضي 2012 الذي كان قد استقر تسلسلها فيها عند الرقم 601.
وفي ذات الوقت أشارت النائب عن لجنة التربية البرلمانية انتصار الغرباوي إلى كون الطالب الجامعي العراقي لا ينال سوى 650 ساعة دراسية في السنة مقارنة بطلبة الجامعات في الدول الأجنبية الذين يحصلون على 1650 ساعة دراسية، وجاء هذا القصور المروع بسبب كثرة العطل المعطاة للطلبة في العام الدراسي.
يبدو أن مثل هذه الأرقام المخيفة والدالة على مدى التدهور حاصل في واحدة من أهم مناحي الحياة لدى الشعب العراقي، إلا وهو مجال التعليم العالي، لا تثير حفيظة من يشرف على تلك المرافق الحيوية في العراق، لا بل سوف يبادر هذا المسؤول بالرد بصلف وصفاقة على ما جاء في تلك الإحصائيات، وأن ما تعلنه هذه الشبكات والمعاهد والمؤسسات البحثية الدولية غير دقيق وضربا من ضروب العداء للدولة العراقية ويتطابق مع توجهات دول تبذل قصارى الجهود للتشويش على التجربة الديمقراطية (كذا ) في عراق اليوم .
في اليوم الذي صدر فيه تقييم شبكة ( Top Universities QS ) الخاص بوضع الجامعات ومنها جامعة بغداد عن الشبكة أعلاه، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي قرارا غريبا لا يمت لمهنة التعليم الجامعي وأعراف العملية التربوية بصلة، وإنما يعد اعتداءا سافرا على مجمل العملية التربوية. القرار جاء برقم 7684 وخص حصرا التقويم الجامعي بالتغيير، واعتبار بداية عطلة نصف السنة الدراسية تبدأ من يوم الجمعة 20 / 12 / 2013 ويتم تأجيل الامتحانات إلى ما بعد العطلة. ربما أن هذا الأمر يفرح البعض أو يراه طبيعيا ومناسبا كونه يراعي مرحلة وظرفا من المناسب للجامعة أن تغلق أبوابها عند حلوله، حالها حال باقي دوائر الدولة التي عطل الدوام وتوقفت مصالح الناس والدولة العراقية فيها لمدة سبعة أيام بالتمام والكمال بمناسبة ذكرى أربعينية الأمام الشهيد الحسين ع ولن يستطيع أحد المزايدة أو رفض مثل هذا الأمر سوى من كان بعثيا أو ناصبيا. وفي هذا الأمر أضحى الوزراء والمحافظون والمدراء وكل من له صلة بإدارة قطاع أو قسم في دوائر الدولة ومنشآتها يتبارى في سباق مستميت لإثبات حبه وولائه للأمام الشهيد الحسين ع وآل بيت النبوة، وتعويض تأخره في العهود السابقة عن أحياء هذه الشعيرة، وهم في ذلك وبقصدية وإصرار عجيب يندفعون لتجهيل الشارع وتغييب وعيه وقيادته نحو عالم اللامبالاة والبطالة والكسل والتهرب من الواجب وعدم الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والمهنية وأخيرا دفع العراق نحو الهاوية.
قرار وزير التعليم العالي يذهب لذات الغرض، حيث ضرب عرض الحائط بمجمل العملية التربوية وخطط الوزارة والتقويم الجامعي واستعدادات الأساتذة ومثلهم الطلبة للفصل الدراسي، والذي من المفترض أنهم قد اعدوا خططهم وهيئوا أنفسهم للمناهج والدروس ضمن تقويم يومي وشهري وفصلي تراتيبي للسير لإنهاء الفصل الدراسي دون عوائق. ولكن الوزير بلفته أيمانية مبيته لا تمت بصلة للرقي والرصانة العلمية وتتعارض ومنطق التأريخ ومنهج الأمام علي ع والحسين الشهيد أصدر قراره دون التفكير والاهتمام بالخراب والتخريب الذي يحدث للعملية التربوية جراء قراره هذا. وبقدر ما يسببه القرار من أضرار كبيرة بالعملية التربوية وابتعاده عن العلمية والواقعية وعدم أخذه بنظر الاعتبار مستقبل ومصلحة البلد ، فأن القرار يبدو قرارا لا يخلو من مقاصد ولا يمكن تفسيره بغير الرياء والتزلف سعيا لمسايرة الشارع ومحاولة للتقرب من البسطاء لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة، وهذا ما درج عليه أغلب من يعمل في إدارة السلطة اليوم بعيدا جدا عن ضرورات أنجاح العملية التنموية ومراعاة المصالح العليا للوطن. وهذا القرار لم يكن سابقة وإنما يتماثل مع العديد من التصرفات والأوامر والقرارات المماثلة التي صدرت وتصدر يوميا عن قياديي السلطة في العراق، فقد أصبحت المدارس والجامعات حالها حال باقي دوائر الدولة ومؤسساتها وخاصة في وسط وجنوب العراق ساحة للتجارب والتسابق والتنافس بالشعارات وإحياء المناسبات الدينية التي تستقطع ما يقارب ثلثي السنة الدراسية والوظيفية الفعلية، وتحولت دوائر الدولة ومثلها المدارس والجامعات بموجب تلك العطل القسرية إلى معاقل للأحزاب الدينية تفرض على الطلبة فيها المشاركة بأحياء الطقوس الدينية داخل الصفوف أو ترك الدراسة والتوجه للتجمع وأحياء تلك الشعائر خارج قاعات الدرس. ومثل هذه الممارسات تذكرنا بما كان يقوم به حزب البعث على عهد المقبور صدام من أجبار الطلبة للمشاركة في الاحتفالات والفعاليات الحزبية. والشيء الذي يحدث اليوم مثل سابقته، ألحق وسوف يلحق الضرر الكبير بعموم العملية التربوية وما يعقبها من متواليات على مستوى الحياة العامة والخاصة بين أوساط المجتمع ودوائر ومؤسسات الدولة وهذا الفعل يعد فعلا مدمرا يورث الكثير من العلل والأخطار على مستقبل الأجيال القادمة ومستواها الفكري العلمي والثقافي ويعد عائق حقيقي لعملية النهوض والتطور والتنمية.