المنبرالحر

الفاسدون لا يحبون الشفافية/ محمد شريف أبو ميسم

العالم بأجمعه يعتمد على مبدأ الشفافية في وضع حد للفساد في كل المؤسسات والشركات والكيانات الادارية. فما من شيء مخفي داخل جزئيات الصغائر في كل التعاملات والتداولات، وما من إرادة وراء أي قرار الا وتكشف أمام نوافذ وأبواب الرأي العام في عالم يسعى لتكريس حق الحصول على المعلومة لكل انسان في ظل ثورة الاتصالات، الا العراق الذي ما زالت مؤسساته تعمل باسلوب التعتيم والتعمية اعتمادا على كوادر تربت على ثقافة "كتابنا وكتابكم" واساليب كتابة التقارير التي تعتمد على وجهات النظر في العمل الرقابي، والتي غالبا ما تفتقر للمعلوم? الصحيحة (جراء حرفية الفاسدين والقائمين على المؤسسات في الالتفاف على الفرق الرقابية بشأن حقيقة ما يجري في المؤسسة أو الوزارة) وبالتالي كثيرا ما تكون هذه التقارير بعيدة كل البعد عن الواقع .
واذا ما تضمنت هذه التقارير دلائل على نشاطات فاسدة فان هذه الدلالات غالبا ما تفند بسهولة ، وقد تجير في خانة البلاغات الكيدية ما كانت تشير الى هذا المتنفذ أو ذاك المسنود، وفي أفضل الأحوال فان جاء الرقيب أو البلاغ بأثبات على المفسد، فان هذا الاثبات سيدخل خانة الكتمان بحسب أهمية الشخوص والجهات الساندة لهم. ويا ويل من أفصح عن المعلومة، فقد يوضع في خانة أعداء السلطان ولن يكفيه قطع الأرزاق وحرمانه من الحقوق التي يتمتع بها أقرانه، لا بل قد يتعرض الى ما لا تحمد عقباه!
وعلى هذا فمن الطبيعي أن يعترض القائمون على الشأن الرقابي في البلاد على تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي أبقى العراق بين البلدان العشرة الأكثر فسادا في العام 2013 .. ومن الطبيعي أن يقلل المسؤولون السياسيون من أهمية هذا التصنيف (الذي يعتمد في العادة على تقارير صادرة من الداخل العراقي وهي تقارير منظمات المجتمع المدني وتقارير الجهات الرقابية)، لأن بعض القائمين على الشأن المؤسسي قد لا يصدقون مستوى الفساد ، لأنهم ما زالوا يعملون بذات الطريقة البيروقراطية التي تتضمن زيارات روتينية ، (يسمونها مفاجئة) ويستمعون (ول? يقرأون) لتقارير لا تكشف عن 10 بالمئة من واقع الحال وغالبا ما ينظرون من أبراج عاجية أو قد يدخلون المؤسسات ليروا كل شيء على ما يرام والمصلحة العامة فوق الجميع فيما تتشكل العوائل داخل هذه المؤسسات لتديرها بحرفية عالية لمصالحها وتسيطر على الرقابة الداخلية وتعتم الأضواء التي تسلط على مفاصل الفساد.
وسيستمر الحال على ما هو عليه في الجهاز التنفيذي للدولة العراقية ما لم يعتمد منهج الشفافية والافصاح عن كل نشاطات المؤسسة أو الوزارة على موقعها الألكتروني لتكون الحقيقة في متناول الرأي العام الذي سيبقى هو الرقيب الوحيد الأمين على هذا البلد في بيئة التخندقات الطائفية والحزبية والعائلية بجانب العصابات التي تتشكل أينما اقتضت مصالحها لتكون مع هذا الطرف أو ذاك تمسح الأكتاف بحسب موازين القوى.
واذا كان رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم الذي وصف الفساد بـ"العدو الأول للشعب" في العشرين من كانون أول الجاري قد طالب بـ"تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات والأدوات لزيادة فعالية حكوماتهم وخضوعها للمساءلة"، فلم لا نطالب بهذا الأمر الذي سيضع حدا مؤكدا للفساد المستشري عبر تفعيل دور المواقع الألكترونية التي ألزمت مؤسسات الدولة العراقية بانشائها على شبكة الانترنت لعرض كل النشاطات المالية والادارية وواقع القوى العاملة ، والتي لم تلتزم تلك المؤسسات الا بشكل روتيني في كشف نشاطاتها .
ان عرض كل الفعاليات والأرقام على المواقع الإلكترونية دون نقص أو اضافة هو السبيل الوحيد للخلاص من تفشي آفة الفساد، لأن هذا النهج في الافصاح والشفافية سيقطع الطريق على المزايدين والمدعين بالنزاهة وينصف الأبرياء المدعى عليهم ويدفع باتجاه تشكيل منظمات مجتمع مدني حقيقية لمساءلة الحكومة ومحاربة المفسدين.