المنبرالحر

نواب على المحك../ د. صادق إطيمش

من الطبيعي ان تتوفر بعض الشروط للمرَشَح او المرَشَحة للإنتخابات البرلمانية . فالعمر ومستوى معين من الثقافة والموقع الإجتماعي الجيد والتصرفات اللائقة وامور كثيرة اخرى ترافق عملية الترشيح للجلوس على مقاعد اهم مؤسسة في الدولة تمارس العمليتيين التشريعية والرقابية وتضم ممثلين عن الشعب يعكسون إهتمامات الناس وطلبات المواطنين ليس الذين إنتخبوهم فقط ، بل وكل المواطنين الذين يصبح النائب في البرلمان يمثلهم جميعاً .
ومع توفر هذه الشروط في المرشحين ، واستناداً إلى التجارب البائسة التي مرت بها البرلمانات العراقية السابقة نرى من الضروري توفر بعض الشروط الإضافية الأخرى في المرشح الفائز في الإنتخابات والتي تؤهله لممارسة العمل في البرلمان العراقي حيث ستساهم مثل هذه الشروط في تقليل إمكانيات الفشل التي رافقت أعمال البرلمانات العراقية في دوراتها المنتهية او التي ستنتهي بعد أشهر قليلة .
وعلى هذا الأساس وضماناً لوصول الشخص المناسب للمكان المناسب في الدورة البرلمانية القادمة نقترح إضافة شرط للمرشح الفائز . ويتضمن هذا الشرط إفصاح مَن يشغل المقعد البرلماني ، ذكراً كان ام انثى ، عما يمتلكه من اموال او عقارات او اية ممتلكات اخرى تشير إلى وضعه او وضعها المادي قبل دخول البرلمان بحيث يجري تثبيت هذه الممتلكات خطياً من قبل الفائز نفسه. ومن المفيد جداً تفعيل هذا المقترح إذا إرتبط بتكرار الكشف عن الوضع المالي سنوياً . وما على الجهات الرقابية التي تمارس هذه المهمة إلا الكشف عن مقدار إزدياد الموارد المالية للنائب او النائبة والتقصي عن اسبابها ومدى شرعيتها لغرض تقديم من لا يملكون هذه الشرعية إلى القضاء الذي لابد له وان يتبنى قانون : من اين لك هذا ؟ الذي طالما يجري الإلحاح من قبل المواطن العراقي على تفعيله امام هذه السرقات الكبيرة التي يمارسها المسؤولون في الدولة العراقية والتي انتجت الأثرياء الجدد على حساب قوت المواطن وخدماته ومجمل مفاصل حياته اليومية . لقد لاحظ الجميع ما جرى في المجالس النيابية السابقة من تجاهل للنداءات التي توجهت للكثير من النواب والنائبات للإفصاح عن مواردهم المالية . إذ إمتنع كثير منهم عن تقديم مثل هذا الكشف المالي . فهل سمع احد من الشعب العراقي بإن هناك إجراءات قضائية أُتخذت ضد هؤلاء الذين إمتنعوا عن تقديم كشوفاتهم المالية ؟ أنا لم اسمع بذلك على كل حال . ولغرض التأكد من مصداقية النائب او النائبة فلا بأس من شمول أقارب الدرجة الأولى له او لها على الأقل بهذا الكشف السنوي عن الحالة المادية والذي يمكن ان يشمل الزوج او الزوجة والأولاد والأخوة والأخوات .
إن تطبيق هذا المقترح لا يعني بأي حال من الأحوال إضفاء عمل روتيني لا مبرر له لتبوء مقعد في مجلس النواب العراقي . إذ ان العكس هو الصحيح تماماً إستناداً إلى المبررات التي ساقها لنا النواب والنائبات في الدورات الإنتخابية السابقة والتي تدعو إلى التشديد في تطبيق هذا الإجراء . فالإثراء الفاحش الذي رافق الغالبية العظمى من النواب والنائبات والتغيير المفاجئ في اسلوب الحياة الذي إنتقل بهم إلى عوالم لم يكن ليحلموا بها قبل تبوئهم المقاعد الإنتخابية جعل المواطن العراقي يستفسر ، وهو على حق، عن سبب هذا التغيير المفاجئ في حياة هولاء .
من الطبيعي ان يعلل هؤلاء النواب والنائبات وضعهم المالي الجديد بكثير من الحجج الواهية التي لا يقرها اي منطق ولا يصدق بها حتى الطفل الصغير . إلا ان اكاذيب هؤلاء الذي يسمعها الناس منذاكثر من عشر سنوات وتبريراتهم شيئ والواقع المزري الذي يشهده مجلس النواب بسبب وجود هؤلاء فيه شيئ آخر . لذلك لابد من تغيير هذا الواقع في مؤسسة تعتبر من اهم المؤسسات في الدول التي تتبنى الديمقراطية الحقة لا ديمقراطية الإسلام السياسي ومن لف لفه من الأحزاب المتنفذة في العملية السياسية العراقية والتي تبنت السياسات الطائفية والمحاصصات المقيتة والتشبث بهويات عشائرية ومناطقية ومذهبية كبديل عن الهوية العراقية للمواطن العراقي بغض النظر عن دينه او قوميته او عشيرته او منطقة تواجده .
وربما يرتبط بالمصداقية ايضاً واختبار صدق هذا النائب او تلك النائبة بالعمل من اجل الشعب الوطن حقاً وليس إدعاءً ، لو تم ربط هذه المهمة للسنين الأربع التي يتم فيها هذا التكليف الشعبي بإقتتصارها على راتب معقول لا يتعدى الحدود القانوية ، ولا مانع من القياس حتى على اكثر الدول ارتفاعاً في المستوى المعاشي . وهذا يعني إلغاء كافة المخصصات الأخرى التي لا لزوم لها اساساً لو جرى التعامل مع اعضاء مجلس النواب على اساس قيامهم بهذا العمل ، لا بل إندفاعهم الذاتي للقيام به ، لايخرج عن نطاق الرغبة في تمثيل مجموعة معينة من الناس بغية الدفاع عن حقوقهم وتبني مصالحهم . اي ان القضية قضية قناعة وطنية بحتة لا تُقاس على اساس ما يُدفع مقابلها من مال او ما يدره هذا العمل من ارباح .
ويدخل ضمن هذا الإطار مسألة الحمايات التي يقبض النواب والنائبات المبالغ الطائلة على اساسها والتي اثبت الواقع ستغلالها إستغلالاً مقيتا لا يعكس سوى سرقة المال العام بطرق ملتوية قننها هذا المجلس النيابي لنفسه فجعلها تأخذ طابعاً يبدو وكأنه لا يشكل تجاوزاً على المال العام .لماذا هذه الحمايات وما الدافع لها بالنسبة لشخص يقوم بعمل لا يختلف عن عمل اي مسؤول في الدولة العراقية ، لابل وحتى لا يختلف عن عمل اي ناشط سياسي قد يتعرض إلى الإرهاب الذي يستفحل عادة حينما يرى مثل هؤلاء النواب والنائبات وهم يصرفون جل وقتهم في مجلسهم هذا على العراك فيما بينهم حول ما يمكن ان يحصل عليه كل منهم او ما يتجنيه احزابهم ، لا حول ما يمكن إنجازه او تقديمه للشعب الذي إنتخبهم . إضافة إلى ان إستعمال هذه الحمايات قد برهن في كثير من الأحيان على توظيفها في نزاعاات خاصة لا شأن لها بعملية الحماية هذه .
إن تقليص المنافع المادية للنواب سيفضي إلى التاكد من مدى صحة الإدعاءات التي يطلقها بعض المرشحين من انهم لا يبغون من وراء ذلك سوى خدمة الشعب والوطن. الجميع يعلم ان خدمة الشعب والوطن كثيراً ما ترتبط بالتضحية ونكران الذات وتجشم المخاطر والأهوال والتفاني بالدفاع عن حقوق المواطن والعمل على تحقيق ما يؤدي إلى تبرير الثقة التي منحها هذا المواطن لمن يمثله في مجلس النواب ويكون مثلاً له في طبيعة حياته . ولكن مِن مَن تطلب ذلك ؟ المثل العراقي يقول " لا تطلب الحاجات إلا إمن أهلها ". وأهل ذلك حقاً هم الرجال والنساء الذين إنتظموا في صفوف تحالف القوى المدنية الديمقراطية والذين يقدمون البديل الحقيقي للشعب العراقي ليتخلص من ازمات السنين العشر ونيف التي رافقت حياته في جميع مفاصلها . إن وصول هذه النخبة العراقية في التحالف المدني الديمقراطي إلى مواقع القرار في وطننا يحتم على كل المخلصين لوطنهم واهلهم ان يساهموا في الإنتخابات القادمة بشكل مكثف وواسع وان يسعى كل مواطن لحث اكبر ما يمكن من معارفه واصدقائه واهله على هذه المساهمة وانتخاب هذا البديل المدني الديمقراطي الذي لا يمكن للعملية السياسية العراقية ان تأخذ مدارها الوطني الصحيح بدونه .