المنبرالحر

هنيئاً لنساء ورجال تونس.. فعلى طريق المساواة والحرية نسير ونؤسس للعيش معاً/ فتحية السعيدي *

وأنا أستقبل وجه الصباح وأعد نفسي للخروج والعمل ومواصلة رسم ابتسامة ما على شفاه الأحبة وجدتني أشعر بنوع من الارتياح ومن الرضا، فقد ناضلنا (الحركة النسوية المستقلة) على امتداد أكثر من عقدين من الزمن من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز وعلى العنف المسلط على النساء. فعندما تمّ بعث مركز التوجيه والاستماع للنساء ضحايا العنف صلب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سنة 1993 وانطلاق الحملة الوطنية ضد العنف كان الحديث في هذا الموضوع محظورا. فالعنف خاصة الزوجي والأسري يدخل ضمن حانة المألوف والمعتاد. وتدريجيا، اتسع الاهتمام بالموضوع وسنة 2000 بعثت الجمعية التونسية للنساء التونسيات للبحث حول التنمية بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل خلايا استماع وتوجيه أيضا، وركزت شغلها على العنف المسلط في أوساط العمل (عنف اقتصادي: طرد تعسفي من العمل، وتحرش جنسي...الخ). وفي الأثناء، اتجه الاتحاد الوطني للمرأة الى الاهتمام بالموضوع وبعث خلايا استماع وتوجيه ثم قام بإنشاء مبيت لهذه الفئة من النساء.
كان صوت النسويات عاليا خلال تلك الفترة وكانت الدولة تسمع لهن ولكنها تحاول تهميشهن وفي الأثناء تسعى إلى سحب البساط من تحتهم في اتجاه مزيد من مأسسة قضايا النساء... وأذنت رئاسة الجمهورية سنة 2002 لوزارة المرأة بالقيام بدراسة حول العنف المسلط على النساء، وكانت الدراسة الرسمية الأولى. ونشير إلى أنه قبل الأذن بالقيام بهذه الدراسة، بسنة تقريبا خصص مركز الكريديف عددا من مجلته حول الموضوع وأنجز العدد ولكنه سحب خلال النشر ومنع من التوزيع لأنه على هذا المركز ان ينتظر الإعلان الرسمي عن انطلاق الدراسة ليقوم بتسويق الموضوع فليس من حقه أن يبادر ويتناول دراسة الموضوع وعرضه (وهو سلوك نرجو أن لا يستمر في هذه الفترة الجديدة من تاريخ بلادنا وأن يتمتع مركز الكريديف باستقلالية يحتاجها لإنجاز بحوثه العلمية)... تلك، هي اشتراطات السياسة في تلك الفترة، أو املاءات الدولة التي تمّ اختزالها في شخص الرئيس الذي وجب أن تكون له أسبقية الإعلان عن هكذا مواضيع. كيف لا، وهي التي احتكرت الحديث عن تحرير المرأة وهو ذات السبب الذي كان وراء نشأة نادي دراسة قضايا المرأة في النادي الثقافي الطاهر الحداد في أواخر السبعينات، والذي أنتج في فترة لاحقة وتحديدا سنة 1989 جمعيتين : الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية.
ناهضت النسويات مسألة احتكار الدولة لقضايا النساء ومأسسة هذه القضية وإن كن جميعهن يعترفن بالدور الريادي للزعيم بورقيبة ولكن كان ولا زال لديهن نظرة ورؤية أخرى لقضايا النساء تتجذر في الثقافة الحقوقية والإنسانية وتناضل من أجل تغيير العقليات وتطوير عمليات التنشئة الاجتماعية بما يحقق المساواة الفعلية بين الجنسين ويعيد موقعة النساء في الفضاء العام. ولقد كان الهدف في علاقة بمناهضة العنف، هو: "تجريم العنف المسلط على النساء في الفضاء الخاص وإخراجه إلى الحيز العام". وكان الشعار آنذاك: "كسر جدار الصمت حول العنف"، ذلك، أن المرأة التي تواجه العنف الزوجي أو الأسري أو أي نوع من أنواع العنف تصمت ولا تستطيع أن تتكلّم عن ألم يمس من حرمتها الجسدية والمعنوية ومن كرامتها الإنسانية. ونتيجة لتلك النضالات، اُعتبر العنف داخل الأسرة ظرف تشديد للعقوبة، وتمّ تعديل المجلة الجنائية بموجبه سنة 1993 ضمن سلسلة من الاصلاحات المهمة لمجلة الأحوال الشخصية ولكل القوانين ذات العلاقة بالنساء. وكانت إصلاحات مهمة من الدولة آنذاك ولكنها ظلت منقوصة ولم تواكب بعدد من الاجراءات المهمة في مجال التحسيس وتبسيط القوانين وكانت الجمعيات المستقلة محاصرة فلا يسمح لها بالنشاط خارج جدران مقراتها ولكن هذا لم يمنع مواصلة هذه الجمعيات لنشاطها...
وكنتاج طبيعي لهذه النضالات النسائية كلّها تمّت العديد من التعديلات والاصلاحات، ولعل من أبرزها صدور قانون يجرم التحرش الجنسي سنة 2004 وبالرغم من العديد من الانتقادات لهذا القانون يظل اعتراف الدولة بهذه الجريمة وإصدار قانون يمكن أن يتم تطويره تدريجيا أمرا مهما... عديدة هي مكتسبات المرأة التونسية منذ فجر الاستقلال إلى اليوم، وبالرغم من وجود إرادة سياسية ساعدت على بروز هذه المكتسبات ضمن رؤية تحديثية للمجتمع فإنها، وأسطّر هنا على الجملة، لم تكن "هدية" بل رافقتها نضالات وحركة مطلبية كبيرة ارتكزت على النضال الميداني واستعانت بتعهدات الدولة الدولية خلال مصادقتها على عدد مهم من الاتفاقيات الدولية (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بالسيداو، الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وغيرها من الاتفاقيات الأخرى في مجال حقوق النساء....).
اليوم إذ يتم التنصيص في الفصل 45 من الدستور الجديد بحماية مكتسبات النساء وتطويرها وإقرار تكافؤ الفرص ومبدأ التناصف وباتخاذ الدولة لجميع الاجراءات للقضاء على العنف المسلط على النساء، مسألة على غاية من الأهمية وهذا إنجاز كبير لفائدة النساء بصفتهن عنوان للحداثة وركيزة أساسية في الأسرة والمجتمع... فهنيئاً لنساء ورجال تونس بهذا الانجاز الذي نريد أن يكون مثله في مجالات أخرى خاصة في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية وإعمال الحريات العامة والفردية. وشكرا موصولا لكل النواب الذين آمنوا بهذا الموضوع بما في ذلك نواب الكتلة الديمقراطية، وخاصة منهم نواب المسار الديمقراطي الاجتماعي الذين كانوا في مقدمة المدافعين عن المبادئ الحداثية وعن حقوق النساء.
(هذا الذي كتبت، فإنه لأجل حفظ الذاكرة الجماعية.)
* عضو المكتب التنفيذي لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي – تونس