المنبرالحر

المرأة والربيع العربي/ د. رسمية محمد

تعتبر موجة الثورات والانتفاضات التي تجتاح الوطن العربي منذ أواخر عام 2010 من أبرز أحداث القرن الحادي والعشرين ، حيث انها تمثل نقطة تحول فارقة في الحياة السياسية العربية . وقد اضافت هذه الثورات والانتفاضات العربية الكثير الى خبرات الثورات العالمية خاصة مايتعلق بطابعها السلمي ، وتأثير ثورة المعلومات والاتصالات فيها ، ودور الشباب في تحريكها واشعال شرارتها ، وعدم وجود قيادات معروفة لها . ولذلك فأنها سوف تشكل مجالا خصبا للدراسة المقارنة لسنوات قادمة . كما شكلت موجة الثورات والانتفاضات المحرك الرئيس للتغير السياسي في الوطن العربي، لاسيما انها كشفت عن بعض الحقائق ، واوجدت معطيات وحقائق جديدة على الارض سوف يكون لها تاثيراتها المباشرة الانية والمستقبلية على التطور السياسي في البلدان العربية ، وكذلك على مستقبل العلاقات العربية - العربية و العربية - الدولية .
وفي هذا السياق يمكن القول ان أهم المقولات التي سقطت مع الثورة هي مقولة الاستثناء العربي . فقد ساد في أوساط كثير من الدارسين لشئون المنطقة لفترة طويلة اعتقاد بأن قوانين التطور السياسي والاجتماعي والثقافي في هذه المنطقة تحكمها قوانين وقواعد أخرى تختلف عن القواعد الحاكمة للسياسة ونظم الحكم في بلاد أخرى. لقد سقطت مقولة الاستثناء العربي في اللحظة التي نجحت فيها ثورات الجماهير في تونس ومصر في اسقاط انظمة حكم سلطوية ، وعندما اصبحت المطالبة بالديمقراطية والحرية المطلب الرئيسي للقوى السياسية المختلفة وللجماهير المنتفضة . فقد برهنت الشعوب العربية بأنها مثل باقي شعوب العالم تتطلع للحرية كطريقة حياة وللديمقراطية كأسلوب حكم ، فعاد العالم العربي ليصبح جزءا من تيار التاريخ العالمي . وكان للمراة العربية حضور لافت ومساهمة فعالة في ساحات ثورية اختلفت باماكنها وازمنتها فشاركت وبنسب متفاوتة من دولة الى اخرى وحسب الظروف والبيئة المجتمعية السائدة التي مكنتها من الحراك واحيانا اخرى كبلتها ، والاخيرة تطلبت كفاحا نسويا حقيقيا اكثر من سواها من البيئات الاخرى ، لنيل الحقوق التي هيمنت عليها موروثات قبائلية وعادات أمست لا تتلائم مع التطور والتحديث الحاصل .
حاز نضال المراة العربية في هذه المرحلة بالذات على تأييد منظمات دولية دعما للنتائج المبهرة التي حققتها المرأة العربية مثل فوز بعض الناشطات العربيات بجوائز تقديرية دولية . أما على الصعيد العربي فقد خذلت الثورات العربية المرأة بعد ان ساهمت في دور يعتد به في اطاحة رؤوس الانظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن من خلال انخراطها في مختلف الفعاليات الثورية من تظاهرات واعتصامات واضرابات --الخ. ثم اذا بها تخرج بعد كل ذلك بخفي حنين . ومرد ذلك أن التغير في وضعية المرأة يحتاج أكثر من مجرد ثورة على الحكام الى ثورة على الثقافة السياسية التي تكرس الوضعية المتدنية للمراة وتتخذ من صوتها مؤشرا وحيدا على حقوقها السياسية بينما تضن عليها بالولاية وفق مماحكات يسهل تفنيدها .
ولقد كان انعقاد المؤتمر الدولي حول محاربة العنف ضد المرأة والذي استضافته مدينة نيويورك في اطار فعاليات الدورة 75 للجنة الامم المتحدة المعنية بوضع النساء في العالم مطلع أذار - مارس 2013، مؤتمرا كاشفا لعمق اشكالية وضع المرأة في المجتمعات العربية . ففي اثناء المؤتمر تشكل محور مضاد لوثيقة مكافحة العنف ضد المرأة والطفولة جمع بين بلدان (ثورية) كمصر وليبيا واليمن وأخرى غير ثورية كالسودان وبلدان الخليج العربي ، وتعرضت دولة كموريتانيا للنقد لقبولها الاعلان الذي وصف بأنه هادم للاخلاقيات الاسلامية ، بينما طالبت قوى سلفية فضلا عن جماعة الاخوان في بلدان عربية مختلفة اصدار اعلان بديل او مضاد لذلك الصادر عن الامم المتحدة وذلك على رغم الصيغة التوافقية التي خرج بها الاعلان متجنبة اثارة القضايا الاشكالية في موضوع المرأة.
والانكى من ذلك في الوقت الذي تقدم فيه السعودية على اتخاذ قرار بتعيين 30 امراة من اصل 150 عضو في مجلس الشورى وذلك لاول مرة في تاريخها ، بينما تمثل النساء بما يقل عن 2 بالمئة في اول برلمان للثورة في مصر . ورغم شكلية هذا الاجراء من جانب المملكة الا ان دلالته تكشف عن ان دول الثورات العربية تعجز حتى عن الحفاظ على الشكل فيما يخص قضية المرأة (1).
الا ان مايبعث على الارتياح هو تكلل جهود ونضال المرأة التونسية باقرار التناصف بين المرأة والرجل في الفصل 45 من الدستور التونسي الجديد ، الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان ) ، والذي يقر المساواة بين التونسيات والتونسيين في الحقوق والواجبات أمام القانون . مما يعطي النساء التونسيات وضعا حقوقيا مميزا في العالم العربي . ان مساواة المرأة التونسية بالرجل قانونيا يشكل خطوة هامة في طريق تحررها الانساني . ولكن تجارب الحياة تثبت ان هناك فرقا بين اقرار المساواة على الصعيد القانوني وبين تحققها على صعيد الواقع الاجتماعي . ان ضمان تحقيق المساواة الفعلية يتطلب قضاءا مستقلا . (ويقصد باستقلال القضاء عدم وجود أي تاثير أو تدخل مباشر أو غير مباشر بأي وسيلة في عمل السلطة القضائية بالشكل الذي يمكن ان يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة. كما يعني أيضا منح القضاء سلطة حقيقية تسمح له بأن يحظى بنفس القوة المتاحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وتجعله مختصا على مستوى طبيعة الهيئة القضائية والصلاحيات المخولة ، مع توفير الشروط اللازمة لممارستها في جوء من الحياد والمسؤولية ، بالاضافة الى وجود ضمانات خاصة بحماية القضاء من اي تدخل يمكن ان تباشره السلطتان التشريعية والتنفيذية في مواجهة اعمالهم او ترقيتهم او عزلهم ).
فالمؤسسة القضائية تضطلع بالدور المحوري بل يمكن القول بالدور الوحيد الذي يكفل تحقيق سيادة القانون في أي مجتمع ، فالقضاء المستقل هو الذي يضمن ان يتم احترام القوانين على ارض الواقع ، فلا تكون مجرد نصوص شكلية ، ولا يتم تعطيلها ، أو عدم تطبيقها الا بكيفية انتقائية ، وانما ينبغي ان تسري على جميع الحالات المشابهة ، اذ لا غنى عن وجود سلطة قضائية مستقلة ونزيهة ، وجديرة بالثقة ، وان تكون قراراتها واحكامها ملزمة لجميع الفرقاء ولاتقبل التعطيل او المماطلة في تنفيذها من طرف المحكوم ضدهم ، ولو كانوا يمثلون الدولة او احدى مؤسساتها ، والا تستعمل الية العفو لتعطيل الاحكام القضائية في مواجهة ذوي الجاه والنفوذ .
وترتيبا على ماسبق تتبدى أهمية مايراه البعض من انه بدون استقلال القضاء لامجال للحديث عن الديمقراطية ولا عن مساواة المرأة ، اذ لا قيمة للدستور ولا لمبدأ فصل السلطات ولا لمبدأ سيادة القانون ولا لحماية الحقوق والحريات الفردية ولا لمساواة المرأة الا بوجود رقابة قضائية تضمن احترام احكام الدستور وبقية القواعد القانونية وتضمن ممارسة كل سلطة لوظائفها في حدود مبدأ فصل السلطات وتضمن حماية الحقوق والحريات الفردية ولاقيمة لهذه الرقابة القضائية الا اذا كان القضاء المستقل يمارسها . ومن هذا المنطلق بذلت جهود متتابعة من قبل المجتمع الدولي لضمان استقلال القضاء وهذه الجهود أثمرت الاعلان العالمي حول استقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال عام 1983، ثم أعقبه اعلان المبادئ الاساسية لاستقلال القضاء الصادر عن مؤتمر الامم المتحدة السابع بشأن منع الجريمة ومعاملة المذنبين بميلانو سنة 1985،كما تمت بلورة مشروع اعلان استقلال وحياد القضاة والمحلفين والمستشارين واستقلال المحامين المقدم الى الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1988.

(1)حال الامة العربية 2012-2013،مركز دراسات الوحدة العربية