المنبرالحر

الإرهاب..ذلك الشتاء العراقي / ئاشتي

للتاريخ العربي ذاكرة شفاهية قد تنسجم مع الحدث اليومي بكل تفاصيله، ولكنها تنأى عنه بعد سويعات من حدوثه، وهذا المشكل يشكل ظاهرة مزمنة في التاريخ العربي المعاصر والقديم، حيث لا تسجيل لوقائع وأحداث مثلما لا تدوين لأسباب ونتائج تلك الإحداث لهذا نرى مجريات الاحداث تأخذ فعلها من لحظة الحدوث وينتهي الفعل بمجرد مرور الزمن المفترض على الحدث، وهذا ما يجعل الحدث حالة طارئة في ذاكرة التاريخ، وما يحدث الآن من تطورات سياسية على مستوى وطننا، يجعلنا نتوقف عند تلك الاحداث بما ينسجم مع تاريخ اللحظة، ويبدو أن حكامنا يتجاهلون حتى هذه اللحظة في التاريخ، فقد مرت في الامس القريب جدا، الذي هو في حقيقته أقرب إلى عيون حكامنا من نظرتهم إلى مساند الكراسي التي يجلسون عليها احداث تدمي الضمائر وليس القلوب فقط، ولكنهم مشغولون بما هو أهم من ذلك، والأهم بالنسبة لهم هو كيف يجعلون مساند كراسيهم براقة أكثر في دورات رئاسية قادمة، فما حدث بالنسبة لهم هو أمر ثانوي، وإلا ماذا يعني قتل اربعة جنود أبرياء؟ أو ماذا يعني انفجار سيارة مفخخة وقتل وجرح عدد من العراقيين؟ أو ماذا يعني لهم القتل بكاتم الصوت؟ فكل ما يجري هو امور ثانوية على ما يبدو، تحدث في اغلى بلدان المنطقة، لأن الأهم من كل ذلك هو كيف نزرع حاكما على كرسي الحكم ويلتصق به مثل اي مسمار من مسامير ذلك الكرسي، أما مسألة الإرهاب فهذا أمر ثانوي ستتم معالجته في وقت تتسنى فيه إمكانية المعالجة.
يشكل الإرهاب في تاريخنا العراقي الحاضر( وأستخدم مفردة الحاضر لأنه الفاعل الأكثر في يوميات الفرد العراقي) ظاهرة لا تقبل المعالجة المجتزئة أي انها لا تنتهي بأنصاف الحلول، والحل العسكري هو في حقيقته من أنصاف الحلول، مادام الحل السياسي يقف عند عتبات دول الجوار، ومشكلة حكامنا أنهم يرتهنون بقرارات دول الجوار مثلما يرتهنون بقرارات المحتل! وقد علمنا التاريخ أن السياسة هي فن الممكن، فهل يتمكن حكامنا من هذا الممكن كي نتجاوز عقبة هي غاية في الخطورة على مستقبل وطننا وشعبنا؟ سؤال لا يجيب عنه سوى الحكام عندما تتوفر لديهي القناعة بأن الإرهاب يشكل بالفعل شتاء قاسياً لعراقنا،
أتامل بكل حزن ما يجري في وطننا مثل اي عراقي، ولكن ليس لي غير أن استنجد بالشاعر سعدي يوسف وأتمنى مثله
"ثَمَّ يأتيني النداءُ ...
تجيءُ أغنيةٌ
وأُصغي
عسَنّكْ
عسنَّكْ
يا شطّ عسَنّكْ
الماءُ تحت الساقِ ...
يا شطّ عَسَنّك !
لو كنتُ أقوى اجتزتُ منكَ مَخاضةً ، وعبرتُ نحو الضفةِ الأخرى ...
لكنّ ماءكَ ليسَ تحتَ الساقِ"