المنبرالحر

ناقوس الجوع..... ناقوس إفلاس الحكام / ئاشتي

ينهمر الحزن على روحي، ويُشعل كل جنونه في زواياي، كلما حاولت أن أوقد شمعة لفرح حتى لو كان كاذبا، فرح من ثآليل أيام عشر سنوات خلت، كنت أظن أنها تزف لوجه الوطن بيارق من بنفسج، وتمسح على وجه ماء دجلة غناء أسطورة أسمها عراق جديد، ولكن أي عراق جديد صار؟ فقد هجر النهار فيه متعة السكون وغرق في ضجيج السيارات المفخخة، وتنازل الليل فيه عن متعة السهر والندمان ليغرق في بحر من الصمت المطبق حتى على ضحكات الفتيات، عراق جديد ينتفض مثل طير ذبحه أعمى بسكين صدئة، عراق جديد يلوذ بذاكرته التي نخرتها مأساته اليومية، ويسألونك لماذا كل هذا التشاؤم وأنت مسحوب من أرنبة أنفك، تصارع أمواجه لعلك تصل إلى شاطئ التفاؤل، كي ترمي هناك بقية سنوات عمرك التي انهكتها أحلامك، أحلامك بوطن تضع رأسك على ترابه، وتغفو مثل طفل ارتوى من صدر أمه، وظل يبتسم لفراشات نومه الملونة الأجنحة.
ينهمر الحزن على روحي، ويُشعل كل جنونه في زواياي، كلما حاولت أن أوقد شمعة لفرح حتى لو كان كاذبا، ولكن من أين يجئ حتى هذا الفرح الكاذب؟ فقد تبخرت حروفه الثلاثة من عيون الوطن وذاكرته، وحلت مكانها كلمات من ثلاثة حروف أيضا، حزن، موت، جوع، والأخيرة دقت ناقوسها لتعلن أمام أنظار العالم أجمع، أن بلدا يغرق في بحر من البترول، يتعرض فيه 6 ملايين من أبنائه لآفتها وأن ربع عدد أطفاله يعانون من توقف النمو البدني والفكري بسبب نقص التغذية المزمن، وحكامنا مشغولون بتقبيل لحى بعضهم بعضا، كما أن 92% من المساحة الكلية للبلاد مهددة بالتصحر، مما يؤدي إلى تحويل الأراضي إلى أراض مجدبة وقاحلة، وحكامنا مشغولون بمحاولة التوصل إلى حلول لمشاكل هم افتعلوها، وأن 60 إلى 70 بالمائة من الخضر المستهلكة من قبل العراقيين لا تزال تستورد من البلدان المجاورة وحكامنا يستحدثون أذكى الاساليب في التغطية على سرقات أعضاء أحزابهم، وأن العراق يستورد 4 ملايين طن من القمح سنويا، إضافة إلى المواد الغذائية الرئيسية الأخرى، وحكامنا أجتمعوا الآن!! لعلهم يتوصلون الى حل يساعد الوطن على الخروج من محنته. وأية محنة أكبر من الجوع حين يدق ناقوسه؟ هل يدرك حكامنا من أن ناقوس الجوع هو ناقوس إفلاسهم؟
ينهمر الحزن على روحي، ويُشعل كل جنونه في زواياي، وأنا استعيد لعنة الجوع على العراق في رائعة السياب (أنشودة المطر)
(ومنذ أن كنا صغارا، كانت السماء،
تغيم في الشتاء،
ويهطل المطر،
وكل عام – حين يعشب الثرى – نجوع،
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع) ..