مجتمع مدني

رابطة المرأة العراقية: قانون الاحوال الشخصية الجعفري يناقض الدستور ويهدد بنسف الحياة الاجتماعية للعراقيين

في مرحلة غاية في التعقيد وخروقات امنية يذهب ضحيتها المئات من الأبرياء، وفي ظروف تتطلب تظافر للجهود وايجاد الحلول الناجعة لخروج العراق من دائرة العنف التي سببها التفرد في السلطة والتناحر الطائفي واللامبالاة لما ألت اليه الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية واستمرار لنهج إلغاء الأخر ضمن سياسة التوافقات السياسية المقيتة، يفاجئنا مجلس الوزراء بتمرير قانون الأحوال الشخصية الجعفري المثير للجدل والمصادقة عليه في جلسته الاعتيادية يوم الثلاثاء الموافق 25/2/2014 بعد ان كان قد قرر في الثالث من كانون الثاني الماضي ترحيل مشروع قانون القضاء الشرعي الجعفري ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الى ما بعد الانتخابات التشريعية القادمة وبعد موافقة المرجعية العليا عليه.
ونحن نتطلع لتشريع قانون موحد للأحوال الشخصية يضمن وحدة العراقيين تأتي مصادقة مجلس الوزراء تراجعا كبيرا وعودة للاستبداد الذي ناضلنا للخلاص منه وقدمنا آلاف الشهداء لإنهاء حكم الدكتاتورية، والحركة النسوية كانت سباقة في تضحياتها وقدمت قافلة من الشهيدات من اجل الغد الأفضل.
فيما يترقب العراقيون جميعا انضاج القوانين التي تمس حياتهم واصدار قوانين تعزز النسيج الاجتماعي، كنا ننتظر قوانين تنظم العملية السياسية في البلد كقانون الأحزاب وقانون مناهضة العنف الأسري الذي ترتفع معدلاته بشكل واسع، والعمل بجد على تفعيل استراتيجية النهوض بواقع المرأة وتحسين ظروف العيش للأسر العراقية التي تعيش تحت مستوى خط الفقر والتي فشل في معالجتها قانون الحماية الاجتماعية الذي اقره البرلمان مؤخرا بتحديد مبلغ 105 الف دينار حصة للفرد الواحد ما يعني ان العائلة المتكونة من أربعة أشخاص فقط 420 الف دينار ! ما يحز في النفس انكم تفعلون المستحيل وتتحايلون على بعضكم البعض من اجل الحفاظ على الأرقام الخيالية لرواتبكم وامتيازاتكم ، ولم تفكروا للحظة واحدة قبل ان تشرعوا القوانين المجحفة بحق العراقيين من اجل تنظيم واستقرار حياتهم ولم تتشاوروا معهم من خلال الوزارات المعنية بحقوق المرأة وحقوق الانسان والجهات المهتمة كمنظمات المجتمع المدني، لا بل تماديتم هذه المرة بموافقة (21) وزير فقط وبغياب وزيرة المرأة.
يذكر ان الحكومة العراقية ناقشت الأسبوع الماضي في جنيف تقرير العراق المقدم الى اللجنة المعنية باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة [سيداو]، وقدم الوفد المشارك تعهدا للمجتمع الدولي بضمان تشريعات عادلة ومنصفة للمرأة العراقية بمختلف الطوائف والأديان، وهو من التوصيات المهمة التي أكدت عليها اللجنة وشددت على ضرورة التزام العراق بالاتفاقيات الدولية والذي بات مؤشرا مهما من مؤشرات نجاح العملية الديمقراطية بعد 2003، وهو مسؤولية جميع الاطراف المعنية كالسلطات الثلاث والمجتمع المدني والمنظمات الدولية كافة.
لا يخفى ان رابطة المرأة العراقية كانت المنظمة المبادرة لدراسة مسودة قانون الأحوال الشخصية بعد الاستعانة بالمختصين في القانون ورجال الدين الذي قدمته الدكتورة الراحلة نزيهة الدليمي رئيسة رابطة المرأة العراقية الى حكومة ثورة 14 تموز وصدر القانون رقم 188 في كانون الأول ،1959 وكانت الغاية من اصداره تحقيق الاستقرار في الحياة العائلية وانهاء الارتباك والتناقض في أحكام القضاء الشرعي، وقد استند الى احكام الشريعة الاسلامية مستمزجا فقه المذاهب الاسلامية دون تحيز، وهو أحد أكثر القوانين تحضرا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية في حينه ، لما تضمنه من ميزات إيجابية حققت جانبا مهما من جوانب تنظيم شؤون الأسرة وحقوق المرأة مقارنة بالقوانين المشابهة في المنطقة، حيث ضمن الحد الأوفر من الحقوق الإنسانية مما جاء في اجتهادات وأحكام كل مذهب من المذاهب الإسلامية . وحقق التوافق الفقهي في إطار قانون مدني موحد لمعظم العراقيين ، إلا إن هذا لايعني خلوه من بعض الثغرات التي افتعلها النظام البائد والتي يفترض إزالتها بالتعديل أو الإلغاء أو الإضافة انسجاما مع المعايير الدولية وتماشياَ مع مثيلاتها من قوانين الدول المدنية المتحضرة في المنطقة العربية. قانون الجعفري محاولة لتبديد التضحيات التي قدمتها الحركة النسوية العراقية عبر تاريخها النضالي الطويل والعسير في ظل أنظمة استبدادية وسنوات دامية إلى جانب نضالات الشعب العراقي بكل أطيافه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ وحدة الشعب . وهو استنزاف للمكاسب التي حققتها ، ويعد مخالفا لاحكام الدستور التي تنص بعدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية المادة (2) الفقرة (ب)، والمادة (2) الفقرة (ج) التي نصت ( لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور) والمادة (14) العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
ان مصادرتكم لحقوق العراقيين نساء ورجالا، دعانا الى اصدار بيان ندعو فيه السلطات الثلاث والمراجع الدينية والباحثين القانونيين والمختصين والمهتمين للاتفاق على قانون مدني موحد ، كما ندعو مجلس القضاء الأعلى بكل تشكيلاته، واللجان المعنية بالاتفاقيات الدولية ومفوضية حقوق الانسان ، ومنظمات المجتمع المدني، والمدافعين عن حقوق الانسان، الى اتخاذ خطوات عملية تدعم وجود قانون مدني موحد ضامن لكل العراقيين وخصوصا حقوق المرأة وحمايتها من تضارب القوانين وتعددها، التي تهدد استقرارنا في ظل الظروف الاجتماعية التي يشهدها المجتمع العراقي بعد 2003 والتي أفرزت الكثير من المشاكل الأسرية كزواج الطفلات المبكر وارتفاع معدلات الطلاق ، وهجر النساء، والزواج خارج المحكمة.
ورابطة المرأة العراقية إذ تستغرب تمرير القانون الذي يعد انتهاكا واضحا للدستور وللمواثيق الدولية تطالب أعضاء مجلس النواب بعدم أقرار القانون ورفضه وتدعو المنظمات النسائية العراقية في الداخل والخارج والمنظمات الدولية والإقليمية لمساندة نساء العراق في الدفاع عن حقوقهن بضرورة تشريع قانون مدني موحد.

رابطة المرأة العراقية