مجتمع مدني

الأسس التربوية في بناء الإنسان (1) / جاسم عاصي

ليس غريبا ً القول إن واقعنا التربوي في تدهور، ليس الآن، وإنما منذ حقب زمنية بعيدة. بمعنى خضع التعليم إلى نوع من التراكم في الإهمال وضعف الاهتمام، والارتجال في بناء الأسس المادية والتقنية للنهوض بمستواه، شأننا شأن الشعوب التي سبقتنا في هذا المضمار متجاوزة العقبات والإرث السلبي خاصة جرّاء الحروب. لذا فنحن خضعنا إلى الروتين في معظم ما من شأنه مساعدتنا في ذلك، واكتفينا بالتقليدية في الوسائل، وهذا ينحصر في جملة جوانب نستطيع أن نجملها في الآتي:
1 ــ الاعتماد على عشوائية إعداد الكادر التعليمي، وفق مخطط تشترك فيه معظم الوزارات ومنها التخطيط والمالية، لضمان تهيئة مجالات عمل للخريجين. إن قبول الدورات السنوية لمعاهد المعلمين، يتوجب أن يأخذ بنظر الاعتبار الإمكانية المالية، وفق خطة خمسية مثلا ً لسد الحاجة للكادر على ضوء التطور العام للبلد. كما يتوجب أن نخضع ذلك إلى معيار الكفاءة واللياقة واختيار التخصص. غير أن ذلك لم يؤخذ به، ما خلق حالة بطالة لمعظم الخريجين الذين لا يتوافق عددهم مع طبيعة التعليم.
2 ــ إعداد البنايات في معظم حالاتها لا يتناسب مع الانفجار النوعي والكمي من الملتحقين في المدارس، وبنتيجة هذا حصل إرباك في الدوام، فبعد أن كانت المدرسة الواحدة تشغل البناية الواحدة، غدت البناية تستوعب الدوام المزدوج ثم ثلاث مدارس، كذلك وصل إلى أربع مدارس في البناية الواحدة. وهذا معوِّق للعملية التربوية. وإزاء هذا يتطلب وضع خطة تستوعب التوسع السكاني، وما يكون ضمن دائرة التعليم، لكي يكون بوسع البنايات استيعاب طاقة المجتمع في الإنتاج البشري ونمو الأجيال وتكاثر أفراده.
3 ــ الإعداد الجيد للمعلم، سواء كان ذلك في المجال النظري أم العملي. ولعل التطبيق أهم وسيلة للوصول إلى إنتاج معلم كفء، صاحب رسالة إنسانية، ينظر إلى مصلحة المجتمع من خلال تلاميذه نظرة إيجابية، معتبرا ً المدرسة أولى العتبات في بناء المجتمع. وهذا يلزمه بطواعية أن يؤدي عمله دون مبدأ إسقاط الفرض، باندفاع يُحسب كمقياس لوطنيته. إن ما يجري فيه نسبة كبيرة تنطوي على الأداء الوظيفي فقط، بينما العمل التربوي يعتمد بالدرجة الأولى على الإبداع والخلق الجديد، متجاوزا ً الكثير من عقبات المنهج، أو القانون المدرسي الذي يقف حائلاً دون تطبيق طموحاته ونظراته للمهمة التربوية.
4 ــ المنهج وهو من العوامل الرئيسة أما المعلم، خاصة ذلك المربي التربوي الجاد. صحيح كما ذكرنا آنفا ً أن المعلم المُعّد بشكل جيد، وذا رسالة تربوية، يتجاوز بعض فقرات المنهج، سواء في التوسع أو التكثيف. لكن المنهج المبني على أسس خاطئة يربك الأداء التربوي، ويعطل إرادة المعلم في الخلق والإبداع. المنهج يتوجب ارتكازه على الأسس التي من شأنها تلبية الحاجة المعرفية أولا ً، وتستطيع تحريك ملَكته البحثية ثانيا ً، وتحفز على طرح الأسئلة ثالثا ً. فإذا اجتمعت كل هذه العوامل والخصائص وغيرها، سوف يكون المنهج ذا قابلية على الأداء الجيّد لأنه ملهم للمعلم ومحفز للتلميذ.
5 ــ الإدارة المدرسية فوق كل هذا يجب أن تكون نموذجا لقيادة جماعة المعلمين، من خلال الموازنة في القيادة، وأن تكون قوية في مديرها وحنكته اللينة، وقدرة مساعديه. وهذا يبدأ من بدء العام الدراسي ولا ينتهي في نهاية السنة، وإنما يتواصل. فالإدارة الجيدة من يقوم مديرها بمساعدة ملاك المدرسة بإعداد برنامج عمل (ورقة عمل سنوية) يدرس من خلالها كل المستلزمات المتوفرة في المدرسة، وتلك غير المتوفرة فيها. متضمنة تلك الخطة، برنامج عمل واسع يناقشه المعلمون لإبداء آرائهم فيها من حذف وإضافة واستيعاب ما جاء فيها عبر توضيح مدير المدرسة لها، لأنهم الأداة لتنفيذها عمليا ً. إن خارطة الطريق تحدد الخطوات اللازمة لتنفيذ العمل طيلة السنة.
6 ــ ثمة أشياء ومستلزمات كثيرة، تساعد المعلم وإدارة المدرسة على إنجاح العمل، ومنها متابعة إدارة المدرسة لكل ما من شأنه مساعدة المعلم في أداء عمله، ابتداء من الطباشير، مروراً بصلاحية اللوحة داخل الصف، نظافة الصف الدائمة وتوفر وسائل التهوية والتدفئة، ثم صلاحية ساحة المدرسة لتجوال التلاميذ في فترات الاستراحة، وتهيئة ساحات الرياضة والتأكد من صلاحياتها، كذلك شعبة الورشة مثل (البوليتكنيك) وغرفة المرسم وصلاحية المرافق الصحية والتواصل في تنظيفها وإدامتها.
7 ــ العلاقة بين المعلمين من جهة وبين المعلمين وإدارة المدرسة، يتوجب أن تكون ديمقراطية. أي أن تكون مبنية على أسلوب التفاهم والإصغاء والحوار، وليس على أسلوب التعسف وسيادة الرأي الواحد. إن عدم انسجام ملاك المدرسة مع بعضه، يُسقط سلبياته على علاقات التلاميذ، ويؤثر على الأداء التربوي بطبيعة الحال.
8 ــ تحويل مجلس الآباء والأمهات والمعلمين إلى ورشة عمل، من خلال توفير مستلزمات إنجاح هذه التجربة، لأنها تقوم أساسا ً على تمتين العلاقة بين البيت والمدرسة. ويتم ذلك عبر خلق علاقات جيدة ضمن برنامج عمل ناجح ومستوعب لحاجات كل الأطراف في العملية التربوية، بما فيهم التلاميذ.
9 ــ تقوية العلاقة بين المدارس والشعب الأخرى في المديرية، كشعبة النشاط المدرسي والوسائل ووحدة التدريب وشعبة النشاط الرياضي، لا على الطريقة والأسلوب التقليدي الذي ينشط عند الحاجة والمناسبات، بل هي علاقة دائمة، لأنها ما وجدت إلا لكشف طاقات ومواهب التلاميذ في كل مناحي الحياة.