مجتمع مدني

إنتفاضة 1954 الفلاحية .. تاريخ مضيء لارياف الشامية / عادل الزيادي

مع تنامي الوعي الوطني لدى الجماهير الشعبية ونشاط القوى السياسية الوطنية، لا سيما الحزب الشيوعي العراقي، في معظم بقاع الريف العراقي، ارتفع مستوى التحدي والمواجهة مع السلطة ايام الحكم الملكي الرجعي. ولم تكن ارياف الشامية بمنأى عن هذا التنامي الملحوظ في العمل الوطني والكفاح الطبقي، ولا عن نشاط الجمعيات الفلاحية السرية التي تشكلت للدفاع عن فقراء الفلاحين خلال عقد الخمسينات، وانخرط الكثير من الفلاحين في صفوفها، لانها انغمرت في الدفاع عنهم وعن حقوقهم ولرفع الظلم عنهم .
وفي تلك الاعوام ذاتها كان ريف الشامية ملاذا لكثيرين من كوادر الحزب الشيوعي واعضائه، من ضحايا الحملات الوحشية التي كانت تشنها سلطات الحكم الملكي المتعاقبة. نعم، فالكثير منهم لجأوا الى ارياف الشامية متخفين عن اعين الاجهزة الامنية، رغم ان هذه الارياف تعرضت اسوة بغيرها في ارجاء البلاد الاخرى الى جور الاقطاعيين واستغلالهم لهم ولعوائلهم في زراعة الارض وتوزيع الحاصل بشكل غير منصف .
ونظرا لاهمية الانتفاضة التي قام بها فلاحو الشامية سنة فقد التقينا مع بعض الكوادر التي اسهمت بشكل فاعل في الانتفاضة، لغرض الوقوف على ما يمكن من المعلومات في شأنها والظروف التي سبقت اندلاعها واسباب التفاف الجماهير حولها .
الرفيق حمزة جنيه
الرفيق حمزة جنيه ( ابو سلام)عضو اللجنة المحلية للحزب في الديوانية قال لنا : ان الغليان الشعبي كان ملحوظا لدى عامة الجماهير ولا سيما بعد انتفاضة 1948 ضد معاهدة بورتسموث التي اراد بها النظام الملكي تكبيل العراق سياسيا واقتصاديا بقيود الاستعمار البريطاني. وبعدها كانت الصفحة السوداء التي اقترفها النظام الملكي باعدام قادة الحزب الشيوعي (فهد وحازم وصارم ) عام 1949 فتولدت حالة من الاحتقان الجماهيري واخذ السخط يتسع ويتصاعد يوما بعد يوم، تحفزه ظروف الجور التي يعاني منها الفلاحون وحالة القمع المسلط على ابناء الشعب عموما، ويدعمه نشاط الحزب الشيوعي المتنامي .. جميع هذه العوامل مهدت لانطلاق الانتفاضة في الشامية عام 1954 التي هددت قلاع الاقطاع المدعوم من النظام الملكي. فتوحدت جهود الفلاحين بالتنسيق مع قيادة الحزب الشيوعي الذي دعا كوادره واعضاءه في المناطق المعنية قبل يومين من اعلان الانتفاضة بالتهيؤ لها، لا سيما وان التنظيم كان متجذرا لدى جموع كبيرة من الفلاحين. فالتحمت هذه الجموع في مركز الشامية مهددة مركز الشرطة الذي لم يقوَ على صدها والحؤول دون تقدم جموع الفلاحين المنتفضين المطالبين بقسمة الحاصلات مناصفة بين الملاكين والفلاحين .
وكان من ابرز قادة الانتفاضة:عبد ال جودة ، رحيم ال حميدي ، اسود فرحان ،جياد كاظم ، عبد الزهرة جاسم. وقد التحمت معهم جموع طلبة ثانوية الشامية .
الرفيق جودة كاظم
وتحدث لنا ايضا احد الكوادر المشاركة في الانتفاضة وهو جودة كاظم قائلا : ان الوعي الوطني في صفوف الفلاحين بريف الشامية تميز عن المناطق الاخرى، كذلك انخراطهم بالعمل السياسي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وهذان الجانبان مهدا لاندلاع انتفاضة عام 1954 ومعهما الواقع المزري الذي كان يعيشه الفلاحون في حياتهم اليومية، من انتشار الامراض وتردي الواقع الصحي وغياب الخدمات وندرة المدارس. كل هذا ادى الى تبلور التوجه نحو الانتفاض بوجه السلطة وانتزاع الحقوق. وكان حينها الوجه الوطني البارز هديب الحاج حمود ينشط ايضا ويشكل محورا في العمل الانتفاضي، ولا سيما انه بادر متطوعا الى تطبيق مبدأ قسمة الحاصل مناصفة مع الفلاحين، مما جعل بقية الملاكين يقفون بالضد منه ويؤلبون الفلاحين للتمرد عليه، ولكنه كان مصرا على منح الفلاحين حقوقهم دون الاذعان الى تهديدات الاقطاع وكبار الملاكين .
الاستاذ مبدر حولي
و كان هناك دور مشهود في انتفاضة فلاحي الشامية عام 1954 للاستاذ مبدر حولي الذي كان يتحدث عن الظروف التي سبقت الانتفاضة، ومنها مظاهر التحدي والمعارضة التي كان ينتهجها الطلبة الشيوعيون، والتي شارك فيها الكثير من كوادر الحزب ومنهم كاظم فرهود وداخل حمود، وكنت انا اتنقل بين الديوانية والشامية لنقل البريد، فتعرضت للكثير من الترصد والمتابعة للحد من نشاطي .
واتذكر جيدا ابان الانتفاضة الرفيق حمد الله مرتضى المسؤول الاول في تنظيم الشامية للحزب الشيوعي، وحينها كان الرفيق حسن عوينه يقود التظاهرة عن بعد ولا سيما ان شقيقه طاهر عوينه كان يعمل خياطا في الشامية . وكنا نهتف في المظاهرة: (لو بالنص ..لو زرعه يفوته ) و( دوشك فوك الدوشك ...وانه غطاي البوه ) و(الحاكم ياكل عنبر وانه اتوسد حبل البوه ). وكان للهوسات اثر كبير في توحيد المتظاهرين من الفلاحين والطلبة واصحاب المحال البسطاء والمتعاطفين من الفلاحين لرفع الحيف عنهم.
وقد جاءت الوفود الفلاحية المنتفضة من العباسية وغماس والطحينية، وباعداد كبيرة اذهلت الاجهزة الامنية انذاك، والتي لم تستطع قواتها الوقوف بوجه المنتفضين. واتذكر جيدا كيف تم اجبار مفوض الشرطة ( عنيد ) على الالتحاق بالمتظاهرين وترديد هتافاتهم ضد السلطة.
وكان فتيل الانتفاضة هو القسمة غير المنصفة للحاصلات الزراعية بين الفلاحين والملاكين. وقد هوس احدهم: تلاثة الكم يغاتي / اووحدة للبزرات / وحدة للدين افكه واوفي الكرضات / وظل قايم دعوته صاحب الخامات / ......)
الرفيق حاتم لفتة
كذلك تحدث لنا الرفيق حاتم لفتة عطية ( ابو سامي ) من شمال الشامية قائلا: كان للجمعيات الفلاحية السرية التي انتشرت في ريف العباسية وغماس والصلاحية دور كبير في بث الوعي الوطني بين صفوف الفلاحين .. وكانت بداية الانتفاضة بتبليغ من الحزب عن طريق عدد من الرفاق الكوادر، ومنهم حسين عبيد ابو خبط وعبد زيد جاسم الميالي وذلك قبل يومين من اندلاعها بغية التهيؤ والاستعداد لهذه المعركة دفاعا عن حقوق الفلاحين الفقراء.
وانطلقت الانتفاضة في العاشرة من صباح يوم 15/11/1954 وباعداد كبيرة غير متوقعة، وحظيت بتعاطف ملحوظ من اهالي الشامية شمالها وجنوبها تضامنا ودعما من جميع الشرائح . وكان بين المشاركين والقياديين فيها كل من هادي جبار بكلي وعبد الحسن كاظم طه وبحر كردي ومحسن حميزه سواد وحاتم لفته وغيرهم.
وعند تعرض المظاهرة للمطاردة من جانب الشرطة لجأنا الى احد البيوت حيث فتحت امرأة بابه لنا، ولكننا فوجئنا بصورة زوجها معلقة فاذا به رئيس عرفاء شرطة. فاعتقدنا اننا وقعنا في فخ، ولكن المراة كانت شهمة وصلبة ومتعاطفة معنا، فهيأت لنا الاكل والامان وكانت تراقب الشارع جيدا حتى اخرجتنا بسلام.
وكان مطلب الانتفاضة الرئيسي هو ( قسمة النص ) علما ان هديب الحاج حمود كان اول من بادر الى قسمة النص ، كذلك فليح ال حسن ال سكر. وكانوا متطوعين وبحس وطني وبالضد من قرارات الدولة مما اغاض سلطاتها والملاكين في المنطقة .
الرفيق احمد شهاب احمد
وشارك في الحديث الرفيق احمد شهاب احمد (ابو وفاء) سكرتير محلية الديوانية في سبعينات القرن الماضي والذي كان ضيفا على رفاقه في الشامية، فقال ان الحكومة رضخت بعد اسابيع لمطاليب الفلاحين واصدرت قرارا بالقسمة مناصفة. لكن القرار لم ينفذ، مما مهد لانتفاضة اخرى عام 1957، تكللت بالنجاح في ثورة 14 تموز 1958 .
الرفيق فريد حمود
من جانبه اشار الرفيق فريد حمود الى المشاركين في الانتفاضة بشكل متميز وهم حسبما قال عبد الكاظم عبد الرضا وظاهر محسن راضي وفاضل ياسر وعبد الامير كاظم (ابو صارم ) وكاظم مدلول ونعمة كاظم وراهي فرحان عطية ، ضمن منطقة ايشان هديب .
الرفيق نعمة كاظم
وفي زيارة للرفيق نعمة كاظم الحصموتي (ابو كامل ) في داره لانه لم يستطع الحضور الى الجلسة الحوارية بسبب وضعه الصحي، افادنا ببعض المعلومات عن الانتفاضة حيث انه كان مشاركا فاعلا فيها. فاكد ان مظاهر الوعي كانت منتشرة في صفوف الفلاحين، واضاف: لقد نفذنا احتفالا بثورة العشرين قبل الانتفاضة في دار السيد يحيى السيد ناصر، ولكن المخبرين نقلوا الى الاجهزة الامنية ان الشيوعيين متجمعون يحتفلون بثورة العشرين. فما كان من الاجهزة الا ان استنفرت قواتها لتداهم المكان وتعتقل المشاركين.
اما المناضلون الذين قادوا الانتفاضة فكان منهم عبد الامير الشيخ عباس ومهدي فرحان وفاضل ياسر وعبيد ال حسن ومجور حسان وعبد الامير كاظم الحصموتي وكاظم حسين جياد وعلي عبادي. وكانت العشائر برمتها متعاطفة مع المنتفضين، ونظرا لزخم الانتفاضة استدعت الشرطة قوة اضافية من مركز الديوانية لقمعها، ولكن توجيهات الحزب للمنتفضين بالتفرق بدد خطط الاجهزة الامنية القادمة من الديوانية، والتي شنت في وقتها حملة كبيرة من الاعتقالات لقياديي الانتفاضة. ومن الهوسات التي انتشرت وقتذاك : هنا يجبر الحار لا تجسم طروح / الحشر سبع ارواح واسود فرد روح.
اسماء اخرى
وهنا وردت على لسان المتحدثين اسماء مشاركين فاعلين في الانتفاضة وهم صالح شربه ، عيسى علي ، يحيى السماوي ، مظهر يحيى خشم ، صاحب عبد علي ، ذياب عبد شلتاغ ، هادي محمد التركي ، يحيى محمد علي سكرانه ، كريم مجيلد ، كاظم خضير ، كاظم حسين القصاب ، اسود الرماحي ، عبد الواحد حساني ، برهان محمد ال عبيد ، حميد ياسر العبطان ، كامل جاسم محمد ، جابر عبد نور ، حسين خليف ، عبد شندل الخزعلي ، رزاق الحاج مهدي ، حميد الحاج مهدي ، نور جاسم الشريفي ، سعيد صاحب الشريفي ، صادق عبد الكاظم العطية ، رشيد الحاج سوادي ، محمود الساعاتي ، جعفر الاعمى ، مجيد قاسم ، فؤاد محمد جعفر ، ايوب سبتي ، مصطفى سعيد ، عبد الرضا الحاج سرحان ، موسى مجدي المحنه ، ظاهر لفته النصري ابو كاشر ، جابر عبود الكردي.
ومن المهوالين برهان محمد ال عبيد وعبد الواحد حساني .
وتظل انتفاضة الشامية نجما ساطعا في سماء الحركة الفلاحية الوطنية وجزءا اصيلا من التاريخ الثر لكل الوطنيين العراقيين .