للشعب العراقي في تاريخه الحديث أيام مشهودة في النضال أصبحت بمرور الزمن علامات بارزة تؤطر تاريخه بما سطرت من ملاحم وما أظهرت من بطولات فوثبة كانون المجيدة وانتفاضة تشرين الباسلة واستنكار العدوان الثلاثي ما زالت طرية على الألسن نستذكرها كل عام لاهجين بأمجادها ذاكرين لمنعطفاتها وما استطاعت تحقيقه، هذه المحطات الكبيرة خلقت لدى العراقيين روحا وثابة تنزع لخوض معامع النضال، لا تعرف الاستكانة وتأنف الخنوع فكان لها امتدادها فيما سطر الشعب من ملاحم وبطولات.

والحراك الشعبي الذي يشهده العراق هذه الأيام لم يكن بمعزل عن هذا التاريخ السامق، فهو امتداد لتلك الأيام الخالدة التي كانت مدرسة نضالية تعلم فيها الشعب كيف يثور وكيف ينتصر.

وطريق الشعب كانت لها جولة مع رجال الثقافة والإعلام وأرباب الفنون تستطلع آراءهم في الحراك الشعبي ومدياته وآفاق تطوره وما حقق من أهداف وما يسعى إليه من مطالب.

د. باقر جاسم محمد الاستاذ في كلية التربية الاساسية جامعة بابل:

يأتي الحراك المدني الأخير ليفتح أفقاً جديداً في حياة البلاد السياسية والاجتماعية بعد أن هيمن اليأس من إصلاح حال المؤسسة السياسية والفئة الحاكمة. وهناك دلالة معنوية إضافية مهمة لهذا الحراك هو أن الديمقراطية تستطيع أن تعالج الأخطاء بوسائل سياسية. ولكن جل ما أخشاه أن تتحول هذه التظاهرات إلى هبة وقتية تنتهي بعد حين. الفساد يملك أذرعاً ومخالب. ولن يستسلم بسهولة. ومن هنا يجب أن تديم الفعاليات الشبابية والمجتمعية كافة زخم التظاهرات إلى حين الذهاب إلى انتخابات مبكرة أو حتى إلى حين موعد الانتخابات القادمة، حتى تكو? وسيلة التغيير هي نفسها الوسيلة التي يتبجح بها عتاة الأحزاب الحاكمة بأنها تمنحهم حقوقاً مطلقة. وهذا درس عظيم إذا تحقق على أرض الواقع.

***

شكل الحراك المدني العراقي خلال الشهرين الماضيين علامة فارقة في المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي بوصفه قوة جماعية تعاونت أسباب كثيرة لبلورة اتجاهاته واشتراطات مساراته التي شملت العراق من أقصاه الى أقصاه وإذا كان هذا الحراك ما زال يفتقد إلى مركزية في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تؤهل الحراك لتحقيق المطالب الجماهيرية الملحة وأهمها محاربة الفساد والمفسدين الذي انتشروا أفقيا وعموديا في جسد الدولة العراقية مما أدى الى إفشال كيانها بوصفها دولة قادرة على حماية المواطن وتحقيق شروط حياته التي تديم زخم مساره،وشهد العراق انطلاقة جماهيرية قل تكرارها في مشهدية العراق السياسية التاريخية بما جعل هذه الحركة تأخذ مسار اللسان الناطق للجماهير العراقية التي تعيش الظلم والتهميش والإفقار في ممارسات قل نظيرها عالميا قياسا الى ثراء العراق ولم تزل هذه الحركة تحتاج إلى تنظيم أكثر وسعي أدق بما يؤهلها لتكون بؤرة وطنية ايجابية قادرة على تحقيق ما تصبو إليه جماهير الشعب، إن الإصرار الصادق لجماهير الشعب على مواصلة الحراك لهو اكبر دليل على حيوية العراقيين الذي ذاقوا الأمرين قديما وحديثا والمستقبل رهين إرادة الجماهير التي ستنتصر إرادتها بشجا?تها وإصرارها ووعيها الوطني الفذ

***

أن الحراك المدني السلمي في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ وطننا يمثل خطوه ايجابيه لتعديل المسار الديمقراطي والإصلاح الجوهري في نبذ المحاصصه وإعادة بناء دولة المؤسسات القائمة على الكفاءة والمساواة. .من اجل القضاء على الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة والذي تعتبر المحاصصه الركيزة الأساسية له.. ما سبب كل هذا الضياع الهائل لموارد البلد وطاقاته الفاعلة وعدم تحقيق أي خطوه تنموية ناهضه في بناء اقتصاد متوازن يحقق الرفاهية والمستقبل الآمن لشعبنا..وهذا يقتضي الإصلاح في كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والرقابية والقضائية

***

استبشر الشعب العراقي وتأمل خيرا بسقوط الصنم ورحيل الديكتاتورية بعد عقود عجاف وحروب مدمرة وحصار وإعلام موجه وأفواه مكممة. إلا أن كل تلك الآمال والتطلعات ذهبت أدراج الرياح بعد أن استأثرت الأحزاب الإسلامية التي ادعت برفعها المظلومية عن العراقيين استأثرت بالسلطة وكتبت دستورا مهلهلا وكرست الطائفية المقيتة وعملت بمبدأ المحاصصة سيئ الصيت وأوصلت الفاسدين الى أعلى المناصب لينهبوا أموال الشعب فأصبحت المناصب حكرا لهم ولأقربائهم من الجهلة والمزورين الذي أعادوا البلد عشرات السنين الى الوراء....

صبر العراقيون كثيرا على هذه الحال السيئة وعمل التيار المدني على قيادة الحراك الشعبي لوضع حد لكل هذا الوضع السياسي المعوق خصوصا بعد أن احتل الإرهابيون ثلث مساحة العراق ولم تستطع القوات المسلحة أن تحرر المناطق المحتلة لان الفساد والمحسوبية نخر المؤسسة العسكرية والتي كانت مناصب قادة غير مهنيين تباع بالعلن......

ان الحراك المدني قد بدأت صولته ولن تتوقف إلا بعد أن يزلزل أركان الفساد وينال المفسدون عقابهم الصارم ويعيدوا الأموال التي سرقوها وتركوا قسما كبيرا من أبناء شعبنا يعيش تحت خط الفقر على الرغم من إن العراق يعد واحدا من أغنى بلدان العالم.....

إن على المثقفين والأكاديميين ونخب المجتمع العراقي دور كبير في توعية المجتمع والأخذ بأيديهم وإفهامهم بحقوقهم من اجل خلق حياة حرة كريمة لكل عراقي يعيش على ارض هذا الوطن.....

***

التظاهرات والحراك المدني وخروج عشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب المسلوب الحقوق والمنتهك من قبل قوى الشر والإرهاب ومؤامرات التمزيق ومافيات الفساد والتخريب، احتجاج الملايين ضد السياسة الخاطئة التي انتهجتها القوى المتنفذة منذ2003 حتى الآن والتي أورثت العراق الخراب والدمار، وجعلته يعيش تحت خط الفقر ويعاني نقص الخدمات الصحية والإنسانية وانتهاك حرية الرأي والإعلام، سياسة أنتجت طبقة من السياسيين الذين يملكون الآن أرصدة ضخمة وأملاك وعقارات عملاقة في الخارج في الوقت الذي يهاجر فيه شبابنا في رحلة يواكبها الموت والمستقبل المجهول خارج الوطن وشباب آخر يعيش العوز واليأس والبطالة على أرضه فتحول هذا اليأس والقنوط الى انتفاضة مدنية جماهيرية في بغداد والمحافظات للمطالبة بحياة تليق بالإنسان وتحفظ كرامته

تحية لكل من يطالب بحقه في حياة حرة متظاهرا أو معتصما في ساحات الحرية، وذلا لمن سرق ونهب وسلط السيف على الرقاب واني لاستذكر بيت الجواهري العظيم إذ قال :

وأذل خلق الله في بلد طغت فيه الرزايا من يكون. .محايدا

***

الحراك المدني في كل دول العالم يمثل علامة صحية في النهوض بآمال واحتياجات الشعوب نحو التحقيق..ومن هذا المنطلق كان الحراك الجماهيري في محافظاتنا..النبض الثوري للجماهير بعد أن وصل السيل الزبى نتيجة الفساد الإداري والمالي في كافة مرافق الدولة. واستمرار المحاصصة الحزبية والطائفية التي قتلت كل شيء ايجابي في حياة شعبنا..لذلك إن عملية دعم هذا الحراك هو موقف وطني..وان عدم تأييده يعني السكوت على استمرار الفساد واستمرار الحيتان المأجورة في تخريب البلاد..حيث سيكون هؤلاء شركاء في جريمة التأمر على عراقنا..وعليه الحراك الشعبي هو أوكسجين الحياة العراقية نحو مستقبلها الزاهر الذي تسوده العدالة والتقدم والازدهار..

***

التظاهرات حق كفله الدستور..وما يحصل الآن.في الحراك المدني هو حق شرعي وأنا اعتبره شخصيا ثوره شعبيه سلميه من أجل تصحيح العملية السياسية التي أوصلت البلد إلى هذا المنحدر. .ثوره كشفت زيف ما تم طرحه من مشروع سياسي واقتصادي. . الخ. ثوره من أجل إصلاح ما أفسده السياسيون..الحل الوحيد هو قيام نظام مدني واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن انتمائه أو طائفته أو جنسه.

***

بعد أن طفح الكيل واستشرى الفساد في عموم مفاصل الدولة العراقية من خلال بيع وشراء المناصب الإدارية وتبديد الأموال والعقود الوهمية التي نخرت بنية الاقتصاد الوطني انتفض الشعب العراقي بكل مكوناته وطوائفه وخرج مدوياً لا للفساد وطالب بالإصلاح الفوري لما يعتري الدولة من تلكؤ في محاسبة المفسدين.ومن المؤكد أن هذه الاحتجاجات ستجبر الحكومة على إصلاح الحال وتغيير مسار العملية السياسية وإلغاء المحاصصة التي أوصلتنا الى ما نحن عليه.....

***

المشاركة في التظاهر حق مشروع كفله الدستور، وهو محاولة سلمية يقوم بها الشعب لتنبيه الجهاز الحكومي الى الخلل أو الانحراف لبعض الساسة عن أداء واجباتهم في تلبية الحاجات الأساسية لعموم المجتمع، من تأمين الخدمات، ومكافحة البطالة الى تشريع القوانين التي تؤمن الحريات الشخصية والعامة، لبناء المجتمع بناءا سليما، بعيدا عن تفرد السياسي بمقدرات الناس ومستقبل حياتهم. . .

***

أن الحراك المدني ذو أهمية اجتماعية وسياسية على مدى تاريخ المجتمعات الإنسانية وهو سلاح ذو حدين في حالة كونه يتشكل من كل فئات الشعب فإذا كان موجها بفكر متنور ومؤثر فأنه يصبح ذا تأثير سياسي وثقافي يسهم بتغيير الظروف الاقتصادية والمجرى السياسي للمنطقة الواحدة أما إذا كان طوباويا وهو دائما يبدأ بهذه الصفة ولم تتغير الطبيعة المتجمهرة فيه فأنه يكون خطرا ويسحب الشارع المتحرك الى الخسارة بكافة الاتجاهات وهنا يكون تأثير الفكر البناء في السيطرة على تنظيم هذا الحراك لصالح الشعب

***

بين ليلة وضحاها. زغردت في الأفق رياح. هدهدت على أكتاف الشباب بصرخة زمجرت بها السماء ورفرفت لها الأرواح وكانت. صيحة أم ثكلى وطفل يتيم ومناضل مهجور وشباب مقبور وبيوت آيله للسقوط ؟سمحت للشمس أن تتغلغل بين الطرقات لتصل أسماع السبات من الرجال غير الأباة ممن حكموا وتاهوا بين ويلات بلد أضاع تاريخه بسببهم. وما الحراك المدني إلا طريق لإيصال أصواتهم الى أعالي السماء بإسقاط حق فرض واجب. إلا وهو تغيير الفاسدين. فشاركت جميع الطبقات من مثقفين ومهنيين وتدريسيين وكسبة ونساء وفتيات وأطفال وشيوخ؟ جميعهم يطالب بالانتصار للوطن. والخلاص من المؤامرات. ونبذ الطائفية. فكنا أدوات. وسنستمر حتى الحرية أو الممات.

***

نتيجة استشراء الفساد وتنامي المحاصصة تولدت ظروف موضوعية للحراك المدني في العراق للسير بالاتجاه الصحيح من خلال أخذ المفاهيم المدنية من الدول المتقدمة أنموذجا للتعبير عن آرائنا عبر التظاهر ورفع اللافتات ليكون الرأي العام هو الحكم في ما تعبر عنه من مطالب جماهيرية مضطهدة، وأن تكون البوسترات واللافتات في التظاهرات معبرة عن عمق الوعي ومعرفة الهدف،والتظاهرات السلمية للشعب الذي يعد مصدر السلطات يجب أن تكون سلمية تطالب بالإصلاح وتطبيقه في الواقع وأن لا تبقى على الأوراق فقط، وتأخذ طريقها للتنفيذ بما يخدم المواطن والصمت عن الباطل مشاركة في الفساد والخنوع له يجعل الإنسان بلا كرامة.

ونتمنى على القوى الأمنية مؤازرة الشعب في حراكه السلمي الهادف لمصلحة الوطن وأن يكون الجميع حمامة سلام فالشعب المصري نجح في حراكه عندما تلاحم الشعب مع الجيش في حراكهم وأزاحوا أعتى دكتاتورية عاثت فسادا في الأرض، أن هذا التلاحم سيسقط الفاسدين وسيفشل مراهناتهم بإنهاء التظاهرات فالجيش هو السور المنيع للوطن.