مجتمع مدني

دور المدرسة في عملية التربية والتنشئة الاجتماعية / صباح جاسم جبر

ان عملية تنشئة الافراد وتطوير امكانياتهم وقابلياتهم المتعددة والمتنوعة تسهم فيها مؤسسات اجتماعية رسمية وغير رسمية تعمل على صياغة الفرد وتهيئته لاشغال الادوار الاجتماعية المختلفة في الحياة العامة والمشاركة بفاعلية.
وتعد الاسرة الحاضنة الاولية والاساسية غارسةً فيه الود وحب الخير وروح التعاون وما شابه، الا ان الاسرة لم تعد المؤسسة الوحيدة التي تقوم بعملية الاعداد والتنشئة، وذلك نتيجة المتغيرات الاجتماعية والتطورات الكبيرة في مجال العلوم والتكنولوجيا ما ادى الى الاهتمام بالتعليم عن طريق المدارس والتي اصبحت تشكل البنية الاساسية والمركزية لتنشئة الافراد وصياغة افكارهم وتحديد مركزهم الاجتماعي بوصفها المؤسسة الاجتماعية الاكثر اهمية في عملية التنشئة الاجتماعية والاعداد، حيث لا توجد مؤسسة اخرى تمتلك من الامكانيات المادية والمعنوية ما تمتلكه المدرسة.
كما ان للجهاز المدرسي تشكيلاً منتظماً من الابنية ومن الافراد المسهمين في عملية التربية والتعليم – المعلمين والتلاميذ والاداريين وغيرهم – ومن خلال المدرسة يتم اكتساب العلوم والمعارف ومجموعة القيم التي تحدد ادوارهم المستقبلية في الحياة الاجتماعية والمشاركة في المجتمع.
لقد اتفق علماء الاجتماع وعلماء النفس على تعريف مفهوم التنشئة الاجتماعية باعتباره مفهوماً اجتماعياً وسايكولوجياً، وعملية التنشئة الاجتماعية مهمة لكل من الفرد والمجتمع، إذ ان الفرد من دون اهداف عليا ومن دون وسائل سلوكية ومن دون الفرص الضرورية التي تساعده على اكتساب الخبرات والتجارب والمعلومات التي تتطلبها حياته الخاصة والعامة لا يمكن ان يطور ذاته وينمي قدراته وقابلياته التي يحتاجها المجتمع ويقوم بها الافراد المحيطون به بتنميته فيكتسب الادوار الاجتماعية والتي بالتالي تكون مكملة لادوارهم المجتمعية.
الدور الوظيفي للمدرسة
ان جدل العلاقة القائمة بين المعلم والمتعلم ومناهج العمل الدراسي وطرائقه تعمل بمجموعها على تحقيق شروط التفاعل التربوي الايجابي والتي ينظر فيها الى ان للمدرسة وظيفة اجتماعية غاية في الاهمية بوصفها تشكل مرحلة حياتية واجتماعية ذات اهمية فائقة في حياة الافراد، وكون ان وظيفة المدرسة لا تكمن في تلقين المعلومات المجردة وانما لها وظيفة اجتماعية اكثر اهمية تتمثل في ديمومة ثقافة المجتمع وتنميتها وتوفير البيئة الاجتماعية المناسبة لسير المجتمع واتجاهاته ومعايير السلوك فيه من قبل الناشئين والافراد وتكييفهم لانماط السلوك في المواقف والمناسبات الاجتماعية المختلفة، ما يؤدي الى حصول التطبع الاجتماعي.
وفي ضوء ما تقدم، تمارس المدرسة الانشطة والتفاعلات والمعاملات والوسائل المؤدية الى تسريع عملية التطبع لدى الافراد في الانشطة والوسائل التي تقوم بها المدرسة بكل مكوناتها في مجالي التنشئة والاعداد اللازمين في استخدام الطرائق الفرضية وغير الفرضية لتدعيم القيم السائدة في المجتمع عن طريق تنظيمها في المناهج الدراسية المقررة، ومنها بعض الفعاليات غير المنهجية التي تقوم بتعزيز ذلك كالفعاليات الرياضية والفنية والادبية وما شاكل، والتي تساعد على تنمية قدرات الافراد وفق المتطلبات المجتمعية.
ان ما تقدمه المدرسة كمؤسسة ذات اهمية كبرى في عملية البناء الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والسياسية، تؤكد على ضرورة وجود المعلم العضوي الذي يعمل على تجسيد النظم الموضوعة في المدرسة والاساليب المستخدمة في التطبع الاجتماعي، حيث ان المعلم الذي يرى في المدرسة عبارة عن جهاز للتعلم فحسب، لا يستطيع ان يحقق شروط التفاعل الايجابي، والمعلم الذي لا يتيح للمتعلمين ابداء آرائهم وتصوراتهم، لا يمكنه ان يحقق فعلا تربويا ايجابيا وحقيقياً. وان من الضروري ان تؤسس الفلسفة التربوية والتعليمية على مبادئ انسانية سامية وينظر الى المدرسة بوصفها مرحلة مهمة واساسية في حياة الافراد، وان مهمة المدرسة لا تكمن في تلقين المعلومات فحسب، وانما تمثلها وضرورة ارتباطها بالاحتياجات المجتمعية والاقتصادية والتقنية للمجتمع.
ان غاية المدرسة وهدفها الرئيس هو العمل على بناء الشخصية الاجتماعية القائمة على اساس التكامل النفسي والاجتماعي في سياق تربوي للتلاميذ، بمعنى ان الفلسفة التربوية – التعليمية التي تتوفر فيها المبادئ الانسانية العليا والشروط العملية والامكانيات الاجتماعية والاقتصادية تكون قادرة على بناء الانسان المبدع الخلاق، وان المدرسة التي فوضت من قبل المجتمع، عليها مهمة المحافظة على الحياة الاجتماعية وتطويرها من خلال اعداد الاجيال الجديدة روحيا ومعنويا وسلوكيا وبدنيا، وتتيح الفرصة للافراد لاكتساب عضوية الجماعة والإسهام بقوة في جميع الفعاليات الاجتماعية والعمل على صياغة ثقافة التعاون الجماعي والحب والود بدلا من ثقافة العداء والتنافس غير المشروع والذي تنتقل آثاره السلبية الى خارج حدود المدرسة، وان المدرسة قادرة على تحصين الافراد بالكثير من الاتجاهات الصحيحة والخلقية وان تدربه على العلاقات السامية بطريقة منظمة، اضافة الى هدفها الاساس الذي يكمن في ضرورة ارضاء حاجات التلاميذ لا سيما في فترة المراهقة، وضرورة الاعتراف بشخصيتهم واحترام تصوراتهم وان تتيح لهم الحق في التعبير عن آرائهم بكل حرية وضرورة العمل على تنمية مهاراتهم الاجتماعية. وعلى المدرسة ان تكون على اتصال دائم بأُسر التلاميذ وان لا تتوقف وسائل الاتصال على مجالس الآباء والمعلمين التي تقام مرة واحدة او مرتين في كل عام دراسي.