مجتمع مدني

امرأة رابطية ونصيرة شجاعة / مزهر بن مدلول

اتمنى ان تتاح لي فرصة اخرى لكتابة اشياء كثيرة ومهمة عن هذا السفر الكفاحي الطويل، فاعتذر سلفا باني لم اخطط الى هذا اللقاء بما يكفي، ولم يكن في نيتي ان اكتب عنه، لكن ابتسامة ام عصام المتفائلة دفعتني الى ان اتأمل هؤلاء الناس الذين انفقوا كل طاقتهم في الكفاح من اجل الانسان والوطن، والرفيقة ام عصام واحدة من اللواتي اخترقن الجدار التقليدي الذي تفرضه العادات الاجتماعية ليدخلن في عنفوان السياسة..
تتجاوز الرفيقة دائما الخطوط الحمراء بالكلام مثلما يعرفها الجميع، ولكن حديثها جميل وله دلالات مهمة ويصل الى صميم التفكير، ولهذا السبب لم اشأ ان اسألها عن شيء، وانما تركتها تسترسل لتمر على كل المواضيع التي كنت ارغب في معرفتها، ابتداء من نشاطها في رابطة المرأة العراقية منذ عام 1959 وعملها في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، ومرورا برحلة التشرد في المنافي بعد الهجمة البعثية في عام 1979 وانتهاءا بالتحاقها بحركة الانصار في كردستان..
تحدثت بالتفصيل الذي لا احد يستطيع تسجيله الاّ من كان مستعدا للمجازفة! ومعه قلم مملوء بالحبر، وانا في ذلك الوقت مع كل الاسف لم اكن كذلك، لكني كنت اراقب الملامح المشرقة لوجه الرفيقة ام عصام، فهي تتمتع بحيوية كاملة رغم الوعكات الصحية المتلاحقة، وروح متفائلة رغم الصفعات الكثيرة التي واجهتها خلال عملها السياسي لفترة طويلة..
كان للرفيقة ام عصام الدور الاساسي في تأسيس فرع رابطة المرأة العراقية في الدنمارك، عملت من اجل ذلك قبل ان تحصل على حق الاقامة في هذا البلد، واشتركت في انشاء صندوق دعم عوائل الشهداء والايتام وايضا الاسواق الخيرية، واستطاعت ان تلم شمل العراقيات في تنظيم واسع كان له نشاطا مميزا ومؤثرا وفي كافة المجالات الانسانية..
اما عن التحاقها بقوات الانصار، فانها تثير الاعجاب عندما واجهت بعزيمة نادرة القرارات التي تمنع الرفيقات من الذهاب الى كردستان في ذلك الوقت، واصرت على ذلك، بل استطيع ان اقول بانها تمردت على القرار حتى انتزعت الموافقة انتزاعا، فكانت تتحدث بفرح عارم وقهقهات متواصلة عن رحلة الاثنين وعشرين يوما التي مشتها لكي تلتحق بحركة الكفاح المسلح، ورغم انها كانت رحلة شاقة وصعبة، رحلة جوع وحرمان، واغلب السير فيها في الظلام وفي طرق صخرية وعرة وقمم شاهقة ووديان مخيفة، لكنها عبرت عن كامل سعادتها بان تكون اول نصيرة تعبر (الخابور) وتدخل اول مقر للانصار في(كَلي كوماته).