مجتمع مدني

الأحداث بين التهميش والإهمال وضياع المستقبل

عباس رحمة الله
نتيجة السياسات الخاطئة التي انتهجها وينتهجها المتنفذون في السلطة، وكل ما أفرزته المحاصصات الطائفية والكتلية والاثنية، تلقى الأحداث وصغار السن نصيبا كبيرا من التهميش والاهمال المستمرين. وقد وصل الأمر ذروته بعد ان تحولت قاعتا البرلمان ومجلس الوزراء الى حلبات للصراع الساخن من أجل الاستحواذ على اكبر قطعة من الغنائم، لتضرب عذابات أبناء الشعب عرض الحائط.
ولا تتوقف هموم الأحداث ومعاناتهم على غياب الاهتمام الحكومي وحسب، فالأمر يتعدى ذلك إلى ما يسفر عن التفكك الاسري، واستسلام بعض الآباء إلى الملذات الشخصية الانانية، ووقوع العديد منهم في قبضة الإدمان على شرب الكحول والتسكع في المقاهي والطرقات، تاركين اولادهم يكافحون في سبيل الحصول على قوت عائلاتهم، بدلاً من أن يواصلوا دراستهم. والأدهى من ذلك كله، يعيش هؤلاء الأحداث المهمشون تحت طائلة السب والشتائم والتهديد والوعيد والعنف، من قبل المجتمع وآبائهم الذين لا يبالون بالمخاطر والنتائج الوخيمة لهذا السلوك السلبي، الذي يجعل الأولاد لقمة سائغة لعصابات السرقة والجريمة والانحراف الخلقي.
وهناك من الأحداث من ضاقت بعائلاتهم سبل العيش، إثر موت الأب أو انفصاله عن زوجته، أو لا أباليته بأفراد أسرته، فاضطروا إلى ترك مقاعدهم الدراسية، والالتحاق بمهن ثقيلة على كواهلهم.
"طريق الشعب" التقت عددا من الأحداث، لتقترب من همومهم ومعاناتهم، وتضعها أمام أنظار الجهات المعنية.
يقول عبد الصمد البالغ من العمر 13 عاما، انه يعمل في معمل طابوق، وعمله يبدأ بعد منتصف الليل ويستمر حتى الصباح، مبينا ان والده عاجز عن العمل، ما اضطره إلى العمل هو وأخواته الثلاث اللاتي يجمعن العلب البلاستيكية من النفايات، ويبعنها.
فيما ترك واثق البالغ من العمر 14 عاما، دراسته حينما كان في الصف الثالث الابتدائي، نظرا للظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها عائلته، فاضطر إلى بيع قناني المياه قرب مواقف السيارات.
ويذكر واثق انه كثيرا ما يتعرض الى المضايقات من قبل سائقي السيارات، وأحيانا يصل الأمر بهم إلى شتمه وضربه لأبسط الأشياء، إلا انه مجبر على التمسك بعمله لكي يضمن قوت عائلته.
وتجوب أعداد غير قليلة من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 14 عاما، المناطق الشعبية، لتبحث في نفاياتها عن القناني الفارغة ومخلفات الطعام، وقد التقيت صدفة بأحد هؤلاء الأولاد، فأخبرني انه يأتي إلى هذه المنطقة يوميا مع شقيقته، ليجمعا القناني الفارغة، ثم يسلماها إلى والدهما الذي يقوم ببيعها، مبينا انه وشقيقته تركا الدراسة ليس رغبة منهما، وإنما أجبرهما والدهما على ذلك، وهو مدمن على تعاطي المشروبات الكحولية.
أما سمير البالغ من العمر 15 عاما، والذي يدفع عربة ينقل بها البضائع في شارع الشيخ عمر، فهو يقول انه امتهن هذا العمل منذ ست سنوات، وهو يتنقل بين الورش الصناعية وينقل الأدوات والمكائن مقابل أجر يومي لا يتجاوز الخمسة آلاف دينار، مشيرا إلى ان عمله يبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى الرابعة عصرا.
بينما يعمل شاكر الذي لم يتجاوز عمره 13 عاما، بائع مناديل ورقية متجولا في الساحات والشوارع العامة، من أجل أن يعيل أفراد أسرته، موضحا انه حينما كان في السابعة من العمر، طلق والده والدته نتيجة خلافات حادة نشبت بينهما، فتركهم وسافر إلى الخارج، ما اضطره إلى مغادرة مقاعد الدراسة، والالتحاق بوالدته، بعد أن رفض أبوه تحمل مسؤولية رعايته.
وكان آخر من التقيت بهم، صبي يدعى فاضل ويبلغ من العمر 15 عاما، وقد أخبرني انه يعمل منذ ثلاث سنوات منظفا في أحد المطاعم، موضحا انه دوما ما يتعرض للشتائم والضرب من قبل صاحب المطعم في حال ارتكب خطأ بسيطا.
ويذكر فاضل انه توسل كثيرا بوالده ليسمح له بترك العمل، لكنه منعه وفضل استمراره فيه كونه يتسلم منه يوميا، أجر عمله البالغ 7 آلاف دينار، لافتا إلى ان والده الذي يتسكع في المقاهي، يعطيه من أجره ألف دينار فقط، ويهدده بالطرد من البيت في حال تركه العمل.
إن مأساة الأطفال لا تقل شأنا عن مأساة الأحداث، ولعلها تزيد. فالشوارع مليئة بالأطفال المتسولين، وهناك جماعات يطلق عليها "عصابات التسول" تقوم بتوزيع هؤلاء الأطفال منذ الصباح الباكر على الساحات والشوارع، وتعيدهم في المساء مغتنمة منهم ما جمعوه من أموال.
ولا يفوتنا أن نذكر ان الكثيرين من الأحداث، كرهوا المدرسة، وعزفوا عن مواصلة الدراسة نتيجة العنف الموجه اليهم من قبل بعض المعلمين والمدراء، فتوجهوا نحو التسكع في الشوارع والأسواق. لذا يتوجب على وزارة التربية أن تمنع هذه الظاهرة لما لها من نتائج سلبية تتمثل في ضياع الأحداث وقتل طموحاتهم ومستقبلهم، في الوقت الذين يعاني فيه الكثيرون منهم أجواءً عائلية متوترة، وتفككا أسريا وإهمالا وعدم متابعة.