مجتمع مدني

شباب قافلة التحرير: الموصل بحاجة إلى إعادة الإعمار سريعاً وبناء وعي جديد

حسين النجار
يواجه اهالي مدينة الموصل ظروفاً استثنائية بعد تحرير مدينتهم عسكرياً، فبعد معركة كبيرة خاضتها القوات الأمنية ضد تنظيم داعش الارهابي، خرج المواطنون الى مدينتهم ليشاهدوا الدمار والخراب الذي خلفته آلة الحرب وهمجية الارهاب الجبان، حينها نهضت مباشرة مجموعة كبيرة من الشباب بمجموعة من المبادرات الانسانية الاجتماعية التطوعية لغرض نفض غبار الحرب ولملمة ما تبقى من ارث هذه المدينة العريقة، فكانت هناك قافلة التحرير في التحرير التي زارت بغداد والنجف مؤخراً وذلك كمبادرة جوابية على فعالية العيد في الموصل التي نظمها مبادرون واحتفلوا في عيد الفطر الماضي وسط مدينة الموصل ابتهاجاً بتحريرها، " طريق الشعب" رافقت القافلة من مدخل العاصمة بغداد الى حين عودتها للموصل واستطلعت آراء المشاركين في القافلة وكذلك المبادرين في بغداد والنجف.
يقول حامد السيد احد مبادري الحملة في بغداد ان المبادرة انطلقت من قبل مجموعة تؤمن بالتعايش المدني، السلمي بين اطياف المجتمع، لا ينبغي ان نستسلم لواقع ما بعد داعش الى التقسيم او التحيز المذهبي، تلك خطورة ومغامرة لن ينجو منها احد اذا اصبحت هي البديل عن الارهاب.
استقبال النجف للموصل هو بطبيعة الحال ليس شيئاً غير مألوف او جديد، لكنه ضروري في مرحلة حساسة يريد البعض استغلالها لتفتيت الهوية العراقية على اساس طائفي واثني، فضلاً عن تكريس غياب الثقة بين المدن والمحافظات وزرع الابتعاد بينها.
ويضيف السيد: ان المبادرين لم يطلقوا قافلة التحرير في التحرير لإثبات حسن النية من قبل الموصليين تجاه الجيش لاننا شاهدنا الحقائق ولمسناها من خلال مشاهد الانحياز للتحرير الذي بادر به الموصليون المدنيون اثناء خلاصهم من داعش، كان الهدف ان نوفر فرصة لجيل شبابي ربما كان يعتقد او يؤمن بأن هناك من يرفضهم ولا يريد المساواة معهم او التعاطف مع قضيتهم، وما عكسه استقبال اهالي الحلة والنجف للقافلة الموصلية اضاء الكثير من الجوانب المتعلقة بهذا الهدف.
وتابع حامد السيد: لقد برهن الشباب العراقي ان له مسارا مرتبطا بتحمل مسؤولية تضامنية من اجل اعادة الروح للوطن عبر استجابته لمبادرات تتصل بترميم الجسور بينهم وجعلها أقوى واكثر تماسكاً من ذي قبل.
ويختتم بقوله لـ"طريق الشعب"، بأنه يرى من الضروري استمرار هذا التلاقي بين المناطق المحررة وابناء المدن المضحية، ففي ذلك نتائج صالحة ومحفزة على الانسجام واحترام التعددية.
وقع خاص لمشاركة النساء في القافلة
مسؤولة منظمة الاحسان للتنمية والتطوير الدكتور ساجدة الجبوري قالت لـ"طريق الشعب": تغير لدي الكثير من الافكار تجاه ما جرى ويجري في الموصل.. وتضيف: رأيت شبابا يطمح الى الخروج من عزلته والاندماج في المجتمع العراقي فضلا عن ان ابناء مدن العراق وخاصة الجنوبية قد ايقنوا ان التغيير في الموصل بعد التحرير كان جذريا لهذا رأينا استقبالا مبهجا وأيادي ممتدة من اجل المساعدة في اعادة الحياة للمدينة.
وتؤكد الجبوري ان مشاركة النساء على اختلاف مشاربهن واعمارهن فضلا عن اعمالهن كان لها وقع خاص وترحاب كبير من ابناء المدينة بالمقابل كانت هناك فئات صغيرة متحزبة لبعض الجهات حاولت بطريقة او أخرى التقليل من شأن الرحلة الا ان التيار المرحب بها كان اقوى فأخرسها.
وتضيف الدكتورة ساجدة وهي استاذة في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل: ان المدينة مقبلة على صراع طويل الامد على الاصعدة كافة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وامنيا، فالاقتصادي معروف فهي تحتاج الى دعم كبير لإعادة بناء المدينة والذي نتمنى ان يكون عراقيا خالصا، اما الاجتماعي فما زالت هناك بعض الافكار التي تغلغت في الجذور من بقايا داعش تحتاج الى اقتلاعها وانا اتوقع ان يكون للشباب الجزء الاكبر من هذا العمل، اما السياسي فهو صراع ما بين المتواجدين الفاسدين من السياسيين وبين جهات سياسية تريد التغيير.. وتؤكد الجبوري بأن المدينة بحاجة الى خطط فعالة لإرساء الأمن فيها من جديد يكون للمواطن دور كبير فيها.
الفنان عبد الرحمن الدليمي وهو من المساهمين في اعادة ترميم الجدران من خلال مسح كل الشعارات التي كانت ترمز لداعش ورسم شعارات وصور ولوحات جديدة تتناسب مع الواقع يقول لـ"طريق الشعب": ان رؤيتي خلال الايام المقبلة مليئة بالتفاؤل كون شباب الموصل يتسابقون في اغاثة النازحين وآخرون يعملون في مجال العلم والثقافة وتحفيز الناس على التعلم والقضاء على فكر داعش، ويضيف: ان اهالي الموصل بحاجة الي من هو يقدر انسانيتهم وماعانوه في تلك الظروف الحالكة.
ويتابع الدليمي بأن الموصل بحاجة الى دعم مادي وبالاخص من الذين لديهم مشاريع تنمية كون الشباب لهم خطط وافكار واهداف يودون تحقيقيها واولها تغيير المجتمع نحو الافضل واستئصال تلك الشوائب التي تركها الارهاب في المدينة.
الناشط المدني مشتاق احمد تحدث عن تثمين كبير من قبل مواطني نينوى للدور الذي لعبته القوات الامنية في تحرير مدينتهم ويتابع بأن الفعالية تركت انطباعا جيدا في نفوس الجميع من خلال مشاهدة فعاليات القافلة وما قدم لنا من تسهيلات، مبيناً ان الموصليين بحاجة الى هكذا فعاليات كي نبين للآخرين ان الشعب العراقي غير راغب بالطائفية لكن هناك من يسرق او يخرب لمصلحته الشخصية وهو من يحرص على بقاء التباعد بين ابناء الشمال والوسط والجنوب.
زوجان مهندسان في قافلة التحرير
المهندسة هند احمد قالت ان الرحلة جمعت في بداية الأمر شباب الموصل وبالتالي حدث تعارف بيننا وجرى حديث موسع حول مستقبل نينوى اثناء طريقنا الى بغداد، وتضيف: على الرغم من التعب الكبير الذي تعرضنا له الا اننا واصلنا السير ولم نشعر بالتعب بمجرد وصولنا الى بغداد عندما استقبلنا الناشطون في ساحة التحرير، وعن انطباع اهالي الموصل تتحدث بأنه كان جيدا جدا وان الكثير تمنى المشاركة في القافلة التي شجعت عددا من الشباب الى زيارة مدن الوسط والجنوب.
وتقول هند: اننا بحاجة الى تكثيف الجهد للتوعية وخاصة عند الشباب والاطفال لغرض نشوء جيل نظيف واعي لبناء مدينتنا من جديد، والشيء الجيد بذلك ان الكثير من الناشطين والمنظمات يعملون الان في الموصل بجهود تطوعية.
المهندس والناشط الشبابي فهد صباح يؤكد ان الأزمة التي يمر بها العراق سببها ساسة طائفيون استفادوا من الوضع الحالي، وليس الشعب العراقي بمختلف مكوناته مشيراً الى امكانية اعادة بناء العراق بحيث يعيش الجميع بالتساوي ولا تمييز بينهم سوى بالكفاءة والاداء.
ويتابع فهد وهو زوج الناشطة هند احمد انه سأل الموصليين بعد انتهاء الفعالية وكانت اجابتهم جميعاً انهم تمنوا المشاركة بها مع الثناء على التضحية التي قدمها شهداء القوات الامنية لتحرير مدينة الموصل.
ويضيف المهندس فهد صباح ان المبادرات الشبابية ستضعهم على المسار الصحيح كون المبادرات الشبابية المدنية تلاقي اقبالا واسعا وان حل الأزمة يتمثل في خلق واقع جديد مبني على احترام الآخر مؤكداً أن الحاجة الماسة حاليا تتمثل في وضع خطة شاملة لإعادة الاعمار خصوصاً المتطلبات الضرورية التي تمس حياة المواطنين.
ويتابع حديثه لـ"طريق الشعب" بالقول ان مدينة الموصل تحتاج لبروز تيارات سياسية جديدة بوجوه جديدة ورؤية جديدة وشاملة تأخذ على عاتقها تحمل المسؤولية والعمل على تجاوز الازمات وتخفيف ويلات الحرب وآثارها والعمل بنزاهة واخلاص لمصلحة المدينة وبالتالي مصلحة العراق.
أنت من الموصل اهلاً وسهلاً
ويبين الشاب ابراهيم احمد الطائي انه كان متخوفا في بداية الرحلة وزاد ذلك الخوف عند مرور القافلة في منطقة بيجي التي اطلق عليها منطقة الاشباح ويؤكد ان ذلك الشعور انتهى بعد انتهاء التدقيق الأمني كون رجال الأمن تعاملوا معهم بصورة جيدة جداً وكانت كلمات الترحيب تدل على اعتزاز بالقافلة وشباب الموصل. ويتابع الطائي كلامه لـ"طريق الشعب" عن ان الطائفية ليس لها مكان بين ابناء الوطن مهما كانت انتماءات المواطنين كونهم لم يعرفوا انتماء المواطنين والشباب الذين استقبلوا الحافلة في محافظات بغداد وبابل والنجف.
الناشطة الموصلية رفل الدليمي تقول انها شعرت بالحزن بعد انتهاء الرحلة وهي تشعر بانطباع ايجابي لحفاوة استقبال اهالي بغداد والحلة واهالي النجف وتؤكد بأن الموصل بحاجة الى "الاعمار، التنظيف، رفع الانقاض تدريجيا" لكن المهم بناء الوعي وهذا يتحقق بتكثيف الجهود والدورات والندوات الي تخص التنمية والتطوير والثقافة.
امتياز تاريخي
استاذ الفكر السياسي في جامعة الموصل الدكتور محمود عزو تحدث لـ"طريق الشعب" عن مشاركته في قافلة التحرير في التحرير ويقول: ان انطباعات كبيرة ترسخت عندي لا تتعلق فقط بما كنت احمله بداخلي تجاه أخوتنا بهذه المناطق كونني اكملت دراساتي العليا في بغداد في أحلك ظروف بغداد عامي 2005 و2006.. بل زادت كثيرا لما لمسته من طيبة الروح والنفس والكرم والتضحية العالية التي قدموها من أجل الموصل والعراق.
ويضيف ان امرأة عراقية طلبت منه ان يذكر امهات الشهداء في كلمته التي القاها في ساحة التحرير ببغداد، ويضيف انها كانت توزع الزهور والاعلام العراقية علينا وتقول انها اعطت ابنها الشهيد من اجل تحرير الموصل وعودتهم الى حضن الوطن.
ويتابع حديثه بالقول ان زميلا له في الجامعة قال ان المشاركين في قافلة التحرير حصلوا على "امتياز تاريخي" واحتكروه كون الكثير من ابناء الموصل كانوا راغبين بالمشاركة في هذه الفعالية.
الناشط طارق السيد يرى ان اعادة اعمار الموصل بحاجة الى دعم دولي مشيراً الى اهمية تشكيل حكومة تمثل اهالي المدينة بعد المعاناة التي عاشوها طيلة فترة داعش كون اهالي الموصل فقدوا الامل بالأحزاب التي كانت تحكم كونها لم تقدم شيئا، مؤكداً الحاجة الى مسؤول مدني مستقل تكون مهمته اعادة بناء المدية بعيدا عن المحاصصة والتكتلات وبغير ذلك سيبقى مستقبل الموصل مبهماً.
الناشط الشبابي مصطفى محمد من النجف تحدث عن تحضيرات اللجنة المنظمة في النجف استعداداً لاستقبال قافلة الموصل مشيراً الى انهم بذلوا جهداً كبيراً من اجل انجاح الفعالية، ويتحدث مصطفى بتفاؤل عن مستقبل الموصل التي سيكون للعراقيين دور كبير في اعمارها، مؤكداً الحاجة الى مراكز متخصصة للتأهيل النفسي لبث ثقافة التنوع والتعايش السلمي والاسراع في اعادة الاعمار وعودة الحياة بشكل طبيعي.
لا تنهض الأمم إلا بأبنائها الشباب
عضو اتحاد الشبيبة الديمقراطي في بابل ظافر مردان قال: لا شك ان هذه الفعالية الجماهيرية الوطنية والعابرة للمناطقية والطائفية قد حققت هدفها الكامل، كانت هناك رغبة شديدة لان تكون الفعالية ناجحة، فتجمعت جهود الناشطين بشكل تناسقي وحماسي في بابل لعكس صورة المواطن الموصلي الذي عانى الامرين مما حصل لأهله ولبلده من تدمير وخراب وهو المغلوب على امره، هذا المواطن الذي كان ضحية لأفعال سياسية طائشة، هذا المواطن الذي رغم ما حصل مازال يحمل بذرات الأمل ويسعى لزراعة السلام، ويضيف ظافر مردان: ان الوضع في الموصل مازال معقدا وقد يزداد تعقيدا، فهو يحتاج لهكذا شباب واعدين يتحملون المسؤولية تجاه مدينتهم، فاعتقد ان على هؤلاء الشباب الانخراط التام في الحركة السياسية والاجتماعية من خلال القوى الوطنية والمدنية او تشكيل احزاب او تجمعات وطنية تحاول استقطاب اكبر عدد من الأهالي والجماهير وان يقيموا ويدرسوا الوضع السابق ولا بأس بمحاكمة السياسيين الفاشلين اجتماعيا وسياسيا وتحميلهم ما حصل من نكبات.