مجتمع مدني

بعد موجات الحروب والفساد .. التعليم.. من المعلم المربي الى المدرس الخصوصي

قسم التحقيقات (طريق الشعب)
في مساء صيفي شديد الحرارة، تجمهر أهالي الحي في الشارع المحاذي لبناية المدرسة الابتدائية ليشاهدوا صورة "تاريخية" من النوع الذي يخترق الذاكرة الجمعية ولا يغادرها مطلقا. كيف لا ومدرسة أبنائهم المشيدة من القصب والحصران تحيلها ألسنة النار الى دخان وتلتهم أثاثها برمته وتحيلها هباءً منثورا!؟ مشهد اختزل نافذة أطفالهم وبدد مرتبتها في حياة عجائز أميين يرون بعين العجب الكتب والدفاتر المدرسية ويصغون الى مفردات وجمل لا يفقهونها غلبهم بها أطفالهم الحفاة بسبب ذلك الكائن "الغرائبي" الذي يهابه أبناؤهم ويكيلون له كل آيات التقديس والاحترام.
لكنَّ المدرسة بدت في الصباح مجرد أنقاض لا غير، واختفت اشارات التفوق المضيئة التي كانت ترسلها الى أهالي الحي ولم يبق منها سوى جملة معاقة تحتفظ بكنية حزن "المدرسة اللي "احترگت"!
مشهد قديم
يقول جاسم حسوني، معلم متقاعد:" المعلم أفندي. متهندم ومتعطر دائما. نظيف جدا قياسا الى الكثير من الأهالي. متنور وصاحب شهادة قياسا الى الأميين، محظوظ في الزواج والبيت والسفر قياسا الى الفقراء. القدوة، الفنار، ابن العائلة المحظوظة والفخورة التي تتباهى به بين الأقارب والجيران.
داخل المدرسة يبدو المعلم رمزا مهابا. أب ومربي حنون، وعقلية تنويرية بلا حدود. يعلمنا الدار دور وواحد وجدول الضرب وأولى خطوات التسلل الى اللغة الانكليزية، الى جانب الاهتمام التام بصحتنا ونظافة ملابسنا وملاحظة أظافرنا، وتتبع سلوكنا وأولى ارهاصات مواهبنا. انه الحاضنة الأكثر وعيا من حاضنات بيوتنا، والزاد الأفضل من كل ما يقدمه آباؤنا وأمهاتنا من عصارة تربيتهم وأصالتهم وحرصهم على انتاج جليل جديد غير جيلهم".
وأضاف:" مع هذا لا ننسى عصا المعلم وعقابه، لا ننسى رعب الواجب المدرسي والالتزام التام بالقراءة وتحضير الدروس وكتابة الواجب المدرسي والمساهمة في النشاطات المدرسية والاحتفاءات واللعب البريء ودرس الرياضة والفنية والسفرة المدرسية والتوفير المدرسي واستلامه في نهاية العام في أجمل فرحة لا تنسى. ومن ينسى المدير الصارم المهاب وكلمته يوم الخميس بعد رفعة العلم، ومن ينسى التفتيش على الأظافر وتسريح الشعر ونظافة الملابس، بل من ينسى خوفه من "فراش المدرسة" اذا ما شاهد أحد التلاميذ في الشارع في موقف غير لائق؟
أستاذ جاسم أضاف:" لم يكن هناك رشوة ومحسوبية وعلاقات مشبوهة وصداقات غير لائقة بين المعلم/ المدرس والطلبة. ثمة حواجز مهابة لا يمكن الاقتراب منها وليس تجاوزها أو الاستخفاف بها".
و... بين الماضي والحاضر
يقول ماجد الزيدي، مشرف تربوي: "تدار عملية التعليم في العراق عبر وزارة التعليم العراقية، وحسب تقرير اليونسكو، أن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الأولى عام 1980 ميلادية كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة ، تقدر نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي بما يقارب الـ 100 في المائة، كذلك نسبة عالية للقادرين على القراءة والكتابة. لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض اليه العراق من حروب و حصار وانعدام في الأمن.
بعد وقوع الحروب المتعاقبة والحصار الطويل تدهور وضع التعليم في العراق فقلة نسبة المشاركين في منظومة التعليم ، كذلك قلة نسبة الدعم الحكومي لهذا القطاع . ونظراً لتلك الأسباب توجه العديد من الأطفال إلى مجال العمل. وبعد سقوط النظام السابق، أصبح النظام التعليمي في العراق يضم ما يقارب الـ 6 ملايين تلميذ ما بين فترة الحضانة حتى الدرجة الـ 12، بالإضافة إلى ما يقارب الـ 300,000 معلم و إداري. ونشأ عن هذه الزيادة مشكلة قلة المدارس وعدم بناء أبنية جديدة بسبب الفساد الكبير الذي طال برامج بناء المدارس".
وأضاف الزيدي:"هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى التفاؤل. أولها ما يتميز به العراق من تاريخ ثقافي عريق يمتد عبر قرون من الزمن، ويجد جذوره في الحقبة التي تصدر بها العلماء العرب في العالم، وفي موضوعات متعددة مثل الرياضيات والطب. والسبب الثاني أن العراق كان يعيش قبل عقدين حالة من الانتعاش الكبير في مجال التعليم، لم تدمرها الأحداث الأخيرة، ولكنها أضعفتها. والسبب الثالث أن الحكومة التي كانت تستعدي التبادل الحر للأفكار والمعرفة قد تمت الإطاحة بها. والسبب الرابع لهذا التفاؤل يكمن في ما يمتلكه العراق من موارد الثروة، وليس من المحتمل أن يقوم ثانية باستخدامها للأغراض العسكرية بعد أن مر بتجارب الحروب والنزاعات المريرة. وهذه الموارد الهائلة يجب ألا تبدد على الآلة والمغامرات العسكرية بل ينبغي تخصيصها لتحسين حياة الشعب. فقد حان وقت الطموح لتطور العراق الفكري والثقافي.
ومما لا شك فيه أن كلاً من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي سيواجهان تحديًا كبيرًا للعودة إلى الظروف الطبيعية وإعادة البناء التدريجي وتجديد نظام التعليم بكامله على المستوى الوطني.
وهذه المهمة ستكون أقل كلفة في المحافظات الثلاث في شمال العراق حيث تعرض نظام التعليم إلى أضرار أقل في مرافق البنية التحتية وخدمات التعليم، وحيث تولت منظمة اليونيسكو مع صندوق اليونيسف تنفيذ برنامج التعليم هناك بصورة مشتركة، فشهدت المؤسسات التعليمية تطورًا كبيرًا، كما تم تزويدها بالمواد التعليمية على جميع مستويات التعليم وزادت قدرة الأفراد على الوصول إلى التعليم. وقد طرأ تطور على المرافق التعليمية بسبب توفر عنصر الدفع النقدي للصرف على عملية البناء والشراء محليًا، بينما اختلف الأمر في منطقتي وسط وجنوب العراق، حيث كان تزويد المعدات يتم عن طريق الأمم المتحدة في إطار برنامج "النفط مقابل الغذاء"، ولذلك نجد أن حالة معظم المدارس في منطقتي الوسط والجنوب كانت متدنية بسبب النقص في المخصصات التي يحتاج إليها قطاع التعليم وسيطرة الحكومة العراقية السابقة على تنفيذ البرنامج في 15 محافظة تغطي منطقتي الوسط والجنوب مع دور رقابي فقط للأمم المتحدة في توزيع المواد المشتراة.
وعلى أي حكومة عراقية مركزية قادمة أن تسعى الى سد الفجوة القائمة في قطاع التعليم في محافظات العراق الثمانية عشرة سواء من حيث البنية التحتية أو التأثيث أو توفير المعلمين والكتب والمستلزمات المدرسية. ونتوقع أن ينصب جهد المسؤولين في البلاد على تطوير النظام التعليمي من حيث المناهج وتوفير المعامل والمؤسسات التعليمية المختلفة، بل وإعادة بناء بعضها، وتوسيع رقعة المستفيدين، ونعني بهم المستحقين للالتحاق بالهيكل التعليمي، وتعويض ما فات العراقيين من متابعة ومواكبة للخصخصة العلمية في الدول المتقدمة".
التعليم.. التعليم
بحسب صلاح محمد، طالب ماجستير فان التعليم الابتدائي يعاني الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحياها العائلات الفقيرة مما يؤدي إلى عدم إرسال أطفالها إلى المدرسة أو إلى تسرب الأطفال من المدرسة في مرحلة مبكرة. علاوة على ذلك، هناك إحباط بين المدرسين بسبب ضعف الرواتب، ونقص شديد في الكتب المدرسية والوسائل التعليمية والتعلمية، وضعف في الحوار والاتصال بين المدرسين والآباء.
ويضيف صلاح: "من أبرز مشكلات التعليم الابتدائي أيضًا ارتفاع نسب الإعادة للسنة الدراسية، ويعزى هذا لأسباب مختلفة أهمها نقص المعلمين المؤهلين وسوء أوضاع المدارس وعدم توفر الكتب والمواد التعليمية وعمل الطلاب لزيادة دخل الأسرة وازدياد كثافة الطلاب في الفصول.
ويتكون التعليم الثانوي من مرحلتين تمتد كل منها إلى ثلاثة أعوام. تشكل الأعوام الثلاثة الأولى المرحلة المتوسطة التي تؤدي إلى بكالوريا من المستوى الثالث، وتشكل الأعوام الثلاثة المتبقية المرحلة الإعدادية التي تؤدي إلى بكالوريا من المستوى السادس. وتدرس بعض المدارس في العراق المرحلة المتوسطة فقط وبالتالي على الطلاب إتمام دراستهم الإعدادية "المرحلة الثانوية الثانية" في مدرسة أخرى. وتدرس معظم المدارس المرحلتين المتوسطة والإعدادية، ويختار الطالب بعد السنة الأولى في المرحلة الإعدادية بين الدراسة العلمية أو الأدبية. من جانب آخر ترك عدد كبير من المدرسين ذوي الخبرة التعليم الثانوي للبحث عن فرصة عمل ذات دخل أفضل في مكان آخر سواء داخل البلاد أو خارجها.
وقد دعم من تبقوا في العمل رواتبهم بإعطاء دروس خصوصية للأطفال الذين يستطيع آباؤهم الدفع أو بالعمل بعد الدوام المدرسي بوظائف بديلة، وهذا بالطبع يؤثر في نوعية التدريس.
ويحتاج أساتذة التعليم إلى فرصة لتحديث معرفتهم في مجال تخصصاتهم وتحسين نوعية برامج التدريب قبل وفي أثناء الخدمة. وتدعو الحاجة إلى إحضار خبراء من الخارج فقد كان المدربون المحليون معزولين عن التطورات الدولية وبحاجة إلى تدريب تحديثي وإنعاشي، وسيتطلب ذلك عقد المؤتمرات وحلقات الدرس والتبادل وبرامج التبادل المعرفي والمنح على المدى المتوسط".
صلاح بين أيضا: "أن التعليم الثانوي يواجه مشكلات عدة تحتاج إلى بذل جهود ضخمة من قبل أي حكومة عراقية قادمة وكذلك من قبل المجتمع الدولي. وأهم هذه المشكلات تهدم البنية التحتية للمدارس والمؤسسات التعليمية وتدني ونقص المعلمين المؤهلين، وتخلف المنهج الدراسي عن تطورات المناهج العالمية ونقص الكتب والوسائل التعليمية. ويكفي أن نعرف أن بعض المواد في التعليم الثانوي كان يتوفر لها كتاب واحد فقط يتم استخدامه من قبل أكثر من طالب".
المدارس الأهلية
تزداد الانتقادات الموجهة إلى وزارة التربية، بشأن تكدس الطلبة في صفوف المدارس الحكومية، ولا سيما الابتدائية، فأصبحت المدارس الأهلية خياراً لا بديل عنه بالنسبة للكثير من سكان العاصمة بغداد، الذين يأملون في حصول أبنائهم على مستوى متقدم من التعليم.
ولم يكن التعليم في زمن النظام السابق، ينال الاهتمام الذي يناله الآن لدى العراقيين، بسبب انخفاض معدلات الرواتب آنذاك، لكن التحسن الملحوظ الذي شهدته أجور الموظفين بعد 2003، زاد اهتمام العوائل العراقية بنوعية تعليم أبنائها، أملا في حصولهم على وظائف حكومية.
وحاولت وزارة التربية إيجاد حلول سريعة لمعالجة ظاهرة تكدس الطلبة في صفوف المدارس الحكومية، باللجوء إلى اعتماد الدوام المسائي، لكن هذا الإجراء لم يخفف الزخم الكبير في مدراسها.
وتقول الوزارة إنها تنفذ خطة واسعة لبناء آلاف المدارس الحكومية في مختلف المحافظات. لكن شكوى العوائل من سوء مستوى التعليم في المدارس الحكومية مستمرة.
وبحسب وزارة التربية فإنها تحتاج نحو عشرة آلاف بناية مدرسية لمواصلة جهود تطوير العملية التربوية.
وتقول معلمة في إحدى المدارس الابتدائية الحكومية، إنها "نقلت، مطلع العام الدراسي الحالي، نجلها من المدرسة التي تعمل فيها إلى مدرسة أهلية، بعد أن بلغ عدد الطلبة في الصف الواحد بمدرستها نحو 50، في حين أنه يحتوي على 20 مقعدا دراسيا فقط".
وأضافت: "إن "وجود 50 طالبا في صف واحد يقتل قدرة المعلم على التواصل معهم". وتضيف "ما زلت أجهل أسماء نحو نصف طلبة الصف الذي أشرف عليه، فما من معلم يستطيع أن يحفظ أسماء 50 طالبا، وربما ينقضي العام الدراسي، دون أن أحفظ اسماء جميع طلبتي. كما أن بعض الطلبة ينامون اثناء الحصة الدراسية، ولا أكتشف ذلك دوما، بسبب صعوبة التواصل مع الجميع. وعندما أوجه سؤالا للطلاب وأطلب اجابة، أشعر بأنني أواجه تظاهرة، فهناك نحو 30 طالبا على الأقل يريدون الإجابة على سؤالي، وجميعهم يصرخ: ست، في آن واحد".
لكن هذه المعلمة لا ترى أن المدارس الأهلية تمثل حلا حقيقيا لهذه المشكلة. وتقول إن "هروب الطلبة نحو المدارس الأهلية ليس حلا، فهذه المدارس تعمل بشكل شبه كيفي". وتضيف "لا نعرف كيف تحدد المدارس الأهلية أجور انتساب الطلبة إليها، وبينما تطلب بعض المدارس مبلغ 150 ألف دينار شهريا من طلبتها، تطلب مدارس أهلية ضعف هذا المبلغ".
وتؤكد المعلمة أن "المدرسة الأهلية التي نقلت إليها ابني، أبلغتني أن منهاجها يحتوي على مواد اللغة الفرنسية والحاسوب والموسيقى، لكن ابني لم يخبرني حتى الآن أنه تلقى أي معلومات في هذه المواد، رغم انقضاء زهاء نصف العام الدراسي الحالي".
وتضيف "اتصلت بمديرة المدرسة وسألت عن سبب عدم الإيفاء بالمنهج، فأجابت بأنها ما زالت تفاوض مدرس الموسيقى كي يباشر العمل، في حين أن أجهزة الحاسوب لم تصل إلى المدرسة بعد". وتابعت "عندما سألتها عن درس اللغة الفرنسية، استغربت، وقالت: من قال إننا ندرس اللغة الفرنسية لطلبتنا".
وتتساءل هذه المعلمة عن الجهة الحكومية المعنية بمراقبة ومحاسبة المدارس الأهلية التي لا تلتزم بمناهجها ولا تفي بوعودها لعوائل الطلبة، فضلا عن الجهة المسؤولة عن مراقبة أجور التعليم في المدارس الحكومية.
وعن المستوى العلمي لطلبة المدارس الأهلية، تقول المعلمة إن "معلمي المدارس الأهلية يعملون تحت تهديد فقدانهم وظائفهم". وتوضح أن "شكوى عائلة ما من معلم في مدرسة أهلية قد تقود إلى طرده من عمله، وذلك لأن إدارات المدارس الأهلية تتعامل بما يشبه القداسة مع طلبتها، لأنهم يدفعون لها مبالغ طائلة، ولا تريد إغضابهم".
المدرس الخصوصي
ما أن بدأ العام الدراسي الجديد حتى بدأت مناقشات المدرس الخصوصي بين التلاميذ وذويهم، أزمة مالية يمكن أن تُضاف إلى الأزمات المتراكمة التي تُصيب ميزانية الأسرة بالعجز نتيجة المبالغ الكبيرة التي تقدَّم على طبق من ذهب الى المدرسين كل عام.. والطامة الكبرى أن يكون هناك حجز مُسبق للأستاذ قبل بـدء العام الدراسي، لأنه يستقبل عدداً محدداً ولابدَّ من دفع مبلغ إضافي ليحصل الطالب على مقعـدٍ في بيته!
ويرى بعض المتخصصين أن مسألة الدروس الخصوصية ممنوعة بشكل تام وكل اجتماع لإدارات المدارس والهيئات العلمية مع الإشراف التربوي يتم فيه التأكيد على منع التعامل والسماح للمدرسين بإعطاء دروس خصوصية.
ويشيرون الى أنَّ مَن يقوم بإعطاء الدروس الخصوصية هم من المتقاعدين او ممن لم يحصلوا على تعيين. كما نلاحظ أن هناك مَن قام بالحصول على التقاعد مقابل خدمة سنة او سنتين ويمارس إعطاء الدروس مفاضلة منه من الناحية المادية، لكن بالمقابل هذه كارثة علمية توثر على التعليم في العراق بشكل كامل فلا قانون يمنع المتقاعد من إعطاء دروس خصوصية. كما ان التعليم يجب أن يرقى الى مستوى جيــد بحيث يستغني الطالب عن أخذ الدروس الخصوصية، منوِّهة: نحن كلجنة تربية دعينا في اكثر من مناسبة تربوية إلى ضرورة محاسبة مَن يقوم بذلك وهو ضمن كوادر وزارة التربية من غير المتقاعدين. وهذا الأمر يحمّل كاهل الأسرة العراقية نفقات فلماذا لا يقوم المدرس بإيصال المعلومة الى الطلاب بشكل سهل كي يستغنوا عن أخذ الدروس الخصوصية؟ لا بد من مساعدة أولياء الأمور والتعاون مع وزارة التربية في حالة وجود مدرسين يتعمدون إعطاء الدروس للتلاميذ للقضاء على تنامي هذه الظاهرة التي اتسعت بشكل كبير في الفترة الاخيرة والتي تُسبب إشكالات كثيرة للعملية التربوية والتعليمية في العراق!
ظواهر جديدة
تقول احدى الأمهات: أغلب الطلاب لا يستوعبون شرح المدرس الذي قد يتعمّد بذلك او لضعف مستواه العلمي والمهني، مبينة: أنه يعود ويقول لهم مَن لم يفهم المادة أستطيع شرحه له مقابل مبلغ عشرة آلاف للساعة الواحدة في البيت ومَن يرفض عليه أن يفهم المادة بنفسه؟! لذلك أصبحت الدروس الخصوصية ضرورة تقتضيها الظروف وهي تقدم خدمة مميزة لمن يدفع المال! متسائلة: اين ضمير هؤلاء المدرسين وهم يتقاضون رواتب مقابل عملهم؟
من جهته قال ناصر صبيح: إننا نجد أنفسنا مضطرين للبحث عن أُستاذ لتدريس أبنائنا في البيت، مضيفاً: نقوم بالحجز مبكراً كي أضمن لهم مكاناً عند الأساتذة الذين يتمتعون بسمعة تدريسية جيدة، إذ يحصل طلابهم على درجات ممتازة في الامتحانات الوزارية العامة.
واضاف ناصر: الطلاب يقولون إن الأسئلة التي يعطيها لهم المدرس في الحصص الخصوصية تأتي مشابهة لأسئلة الامتحانات النهائية، متابعا: هذه السنة اضطررت الى الذهاب الى استاذ يسكن بعيداً عن محلة سكننا للحصول على مكان لابني لمادة اللغة الإنكليزية وبسعر مئتي الف دينار لعشر محاضرات فقط! منوِّهاً: إنه بسبب هذه التكاليف الزائدة عن الحاجة ضعف مستوى الكوادر التدريسية التي لا تقوم بواجبها التعليمي والتربوي بشكل صحيح.
وقالت بلقيس سالم، موظفة: نعاني الأمرين عند انتهاء العام الدراسي وبدئـه وذلك بسبب الحجز المسبق للمدرسين الخصوصين الأكفاء والمشهورين وابنتي ضعيفة في مادة الرياضيات. مسترسلة: انها أُصيبت بحالة نفسية بعدما فاجأنا المدرس بغلق الحجز لاكتمال العدد، خاصة ان اغلب زميلاتها حجزن مكانهن مسبقاً.
وأضافت بلقيس: بعد معاناة وتوسلات وافق الأستاذ على انضمام ابنتي الى درسه الخصوصي. مشيرة: الى معاناة أخرى في ذهابها وإيابها كل اسبوع مرتين، الامر الذي اضطرها الى تأجير سيارة اجرة بميلغ "25" الف دينار ، لأنه لا يوجد لديَّ حلّ آخر. مستطردة: يبدو أن بعض مفاصل التعليم قد تحولت من مهنة خدمية شريفة الى تجارة ربحية. مبدية أسفها على ذلك ما انعكس على المستوى العلمي. فالطالب وأسرته لا همَّ لهم غير النجاح وترك مرحلة دراسية والتقدم صوب أخرى.
ويرى الكثير من المتخصصين أن للمجتمع دوراً كبيراً في انتشار الدروس الخصوصية حيث اصبح الناس يتفننون في اطلاق الالقاب على نجوم التدريس وحتى اغلب الأحيان عمل الدعاية لهم من خلال ترشيح استاذ لأولادهم وأولاد مَن يعرفونهم من الأقارب والأصدقاء.
وفي السابق كان الإقبال على الدروس الخصوصية قليلا جدا ولكن النظام الحالي شتت ذهن الطالب وزاد الأعباء الملقاة على عاتق الأسرة، مضيفاً: حتى إذا كان وضع الأسرة جيداً من الناحية المالية إلا انها تجد ذلك استهلاكاً لميزانيتها المالية.
لقد تحوّل البعض من مدراء المدارس إلى مجرد قائمين على جمع الاموال من دون متابعة لسير العملية التعليمية ولا تهمهم مستويات التلاميذ، لذلك يفضّل أولياء الأمور ان يأخذ أبناؤهم دروساً خصوصية عند أساتذة بارعين، والواضح أن للظاهرة اسباباً كثيرة ومتشابكة حيث جزء منها يتعلق بالطالب وأسرته وآخر يرجع الى العملية التعليمية نفسها.
وبحسب بعض المشرفين التربويين فان موضوع دورات التقوية والدروس الخصوصية يشغل مختلف شرائح المجتمع العراقي الذي بات يعاني من هذه الظاهرة مادياً، كونها ذات مردودات ايجابية للطالب والعائلة من حيث الحصول على الدرجات العالية، لكنها في الوقت نفسه تؤشر حالة سلبية أداء مدارسنا وخاصة المتوسطة والإعدادية متمثلة بتقاعس البعض في أداء واجباتهم بالشكل السليم والصحيح والمستوى المتدني للكثير من المدرسين والمدرسات.
ان هذا المستوى المتدني غير مؤشر في سجلات التربية لأنها تتعامل مع المدرس والمدرسة وفق نسب النجاح ونسب النجاح عالية ولكن ليس بفضل جهودهم، بل بسبب الدروس الخصوصية ودورات التقوية التي يدفع الآباء عنها مبالغ كثيرة للمدرسين.
ويرى أحد المدرسين أن هناك أسبابا عـديدة لانتشار ظاهرة التدريس الخصوصي لكن علينا أن لا نرمي الكرة في ملعب الكوادر التدريسية فحسب، مشيراً: الى ظاهرة الدوام الثلاثي والرباعي الذي ترك اثراً على وقت الحصة التدريسية، لافتاً: الى عدد الطلاب الكبير في كل صف الامر الذي يجعل من الصعوبة إيصال الدرس الى الجميع بذات المستوى.
كما أن هناك تقصيرا عند بعض العوائل التي لا تتابع أبناءها او تسألهم عن انجاز الدروس ومتابعتها بشكل جدّي، منوهاً: إن هذا الأمر يضاف الى تقصير بعض ادارات المدارس في متابعة المدرسين الذين يتقاعسون في أداء واجبهم بشكل صحيح.
التعليم العالي يعاني أيضا
بحسب العديد من التقارير والدراسات فان التعليم العالي يعاني معوقات عديدة أبرزها:
ـ عدم كفاية البنية التحتية والتسهيلات، كالمختبرات والمكتبات.
ـ عدم كفاية المعدات، في كليات الهندسة والعلوم والمعاهد الفنية.
ـ الحاجة إلى إنشاء قنوات اتصال بين الكليات في العراق والجامعات الأجنبية.
ـ ضعف العلاقة بين التعليم العالي وخريجيه وسوق العمل.
ـ الحاجة إلى مراجعة شاملة لأنظمة الإدارة للتعليم العالي، بما في ذلك تكييف المناهج ومحتويات الفصول الدراسية لمواكبة تغيرات الحالة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ويجب وضع خطة استراتيجية للتأكد من أن الجامعات ستؤدي دور الوسيط في عملية التحول الديمقراطي، وضمان وصول الجميع إلى مواقعهم حسب جدارتهم، ووفق أسس مهنية وليس أسس سياسية.
ـ تخفيض الدعم الحكومي للطلبة، وتشجيع القطاعين العام والخاص على الاضطلاع بدورهم في دعم التعليم العالي، والتعجيل بإجراء مشروعات وإصلاحيات اقتصادية لتخفيف الضغوط التي يعيشها المجتمع وتؤثر في تطوره العلمي.