فضاءات

قلوب حنونة.. / كمال يلدو

مازال هناك من يعتقد، بأن بعض المهن إنما خلقت خصيصا للرجل ولا تناسب المرأة. لكن الحياة تثبت كل يوم، خاصة في ظل الأنظمة والدول المدنية، بأن المرأة قادرة على أداء العمل أيا كانت طبيعته، بذات كفاءة الرجل أو ربما بأفضل منه في بعض الحقول! ويمكن ان تكون تجربة السيدة ايمان القس شمعون، مديرة دار"الرحمة" للعزاء واحدة من الأمثلة الباهرة على الحقول التي كانت عصية على النساء ولفترة غير قصيرة.
في الباب الشرقي ببغداد، رأت السيدة إيمان خضـر الياس الريحاني النور، وإنتقلت مع العائلة الى العلوية، حيث أكملت الدراسة الأبتدائية والمتوسطة والأعدادية، قبل أن تدرس في معهد الأدارة والأقتصاد، وترحل مع عائلتها الى الولايات المتحدة عام 1980. وهناك وبعد دراسة علم النفس الاجتماعي، إقترنت بزوجها الصديق مظفر القس شمعون، وصارت تحمل لقبه، ودرست معه علوم (ماوراء الحياة) ليفتتح الزوجان دار الرحمة للعزاء.

ولكن ما هي هذه الدراسة؟

لقد درست في البداية علم الإجتماع، وعملت كباحثة إجتماعية، لكن بعد زواجي درست علوم ما وراء الحياة،التي تستغرق 4 سنوات للحصول على شهادة البكلوريوس، ثم على المتخرج أن يقدم إمتحاناً خاصا للحصول على إجازة العمل، أما الدروس فهي تتوزع ما بين علم الأجتماع وعلم النفس وتعامل الأديان المختلفة مع الوفاة وعلم التشريح والصحة العامة والقانون، إضافة الى اتقان كل الإجراءات الإدارية اللازمة وغير ذلك!

ما هو عملكم بالتحديد؟

نحن نقوم بالإتصال بالمستشفى او طبيب (المتوفى) للحصول على التقرير الطبي، وبالشرطة إذا كانت هناك جريمة ما، ثم نجلب المتوفى الى مقر عملنا، و بالتنسيق مع العائلة نتصل بالمدافن الخاصة بالجماعة او الطائفة، وننسق مع المؤسسة الدينية التي تتبعها العائلة، ونعرض "جثمان" المتوفى امام أنظار الزوار، لألقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه وتقديم التعازي لعائلته، ثم نؤّمن إجراءات الدفن والصلاة وتسجيل القبر وغيرها.

هناك إختلافات كبيرة بين عاداتنا وعادات الأمريكان في هذه الظروف، أليس كذلك؟

بالتأكيد، ففكرة إلقاء النظرة الأخيرة ليست تقليداً عراقياً، كما إن إجتماع الناس عند وفاة أمريكي هو للتعزية وذكر حسنات المتوفى وإستذكار العلاقة معه، لكنها عندنا المزيد من البكاء والندب، رغم تقلص هذا لدى الجيل الجديد.

وما هو دوركم هنا؟

أنا أحترم عادات وتقاليد شعبنا، لكن هذا لا يمنع أن أمارس دوري كمرشدة اجتماعية وتقديم كل أنواع الإسناد المعنوي والروحي للعائلة، وتبسيط الأمور من أجل تحويل هذا المصاب، من نكبة الى أمل لمن هم على قيد الحياة، ومن بؤس وشقاء، الى عطاء وإحسان حتى لا تقع العائلة وأفرادها بمصائب يكون من الصعب الخروج منها سالمين، وقد قمنا بأعادة طباعة العديد من الكراريس المخصصة لهذا العمل، ونوزعها مجانا على العوائل، إضافة الى تقديم العون النفسي وبلا مقابل. نتعامل مع الزبون كأهل وأصدقاء وكجزء من نسيج هذه الجالية الرائعة، وأكثر ما يفرحني هو كلمات الثناء التي أسمعها.

في مهنتك هذه هناك بالتأكيد مواقف لا تنسى؟

بالتأكيد كانت هناك مواقف أذكر منها، اليوم الذي جلبوا جثمان شقيقي من كاليفورنيا الى ديترويت، وكان على أن أهيئ جنازته للدفن! كما أذكر اني ساعدت مواطناً هندي الأصل أصيب بنكسة مزدوجة، اذ فارقت زوجته الحياة اثناء عملية التوليد، فماتت هي ومات الوليد الجديد، وقد قمت بتهيئة الأم لعرض جثمانها في قاعة العرض، وقد صممتها وكأنها ممددة، ووضعت وليدها الجديد في وضع وكأنها ترضعه الحليب، في اروع صورة إنسانية أثنى عليها كل من حضر للمواساة!

هل من كلمة أخيرة للقراء؟

قد لايصدقني البعض لو قلت بأني سعيدة جداً في عملي، إنه يمنحني فرصة لأقدم المحبة والأمل للناس في وقت المحنة، وأن أخفف من المعاناة. وأخيراً أتمنى لوطني الغالي (العراق)، الأمن والأمان والإزدهار، وللأخوات والأخوة في جريدة "طريق الشعب" (أكثر من أعرف من الناس، إنصافاً للمرأة وأيماناً بدورها)، كل الموفقية والنجاح في عملهم.
بقي أن أشير الى أن السيدة إيمان لها بنتان وولد، قرضت الشعر ونشرته مع كتابات اجتماعية متنوعة في جريدة المشرق للمرحوم نابليون بشي أو في مجلة الرافدين للأستاذ عبد الخالق الفلاح. والسيدة إيمان ربة بيت ممتازة وأم تهتم كثيراً بالتفوق الدراسي لأطفالها.