فضاءات

اغنيات لا تنسى ..!!/ عدنان منشد

انفرد والدي المرحوم بحب النظام الجمهوري وعبد الكريم قاسم منذ الساعات الاولى لثورة 14 تموز الخالدة 1958. ولكنه لم يغفر لهذا النظام ولزعيمه الراحل غياب اغنية الموسيقار محمد عبد الوهاب الشهيرة في زمنه "يا شراعا وراء دجلة يجري" وكان يمنّي النفس حتى مماته في صيف 1972 بسماع هذه الاغنية من دون طائل.
ان التعريف بهذه الاغنية ـ القصيدة على فرض اهميتها او نفعها، يدعونا للقول بانها من تأليف امير الشعراء احمد شوقي، وقد غناها عبد الوهاب على العود فقط، حينما وفد بغداد في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي. ومطلعها يقول: "يا شراعا وراء دجلة يجري في عيوني تجنبتك العوادي.. سر على الماء كالمسيح رويدا.. واجر في اليم كالشعاع الهادي".
لقد سعيت شخصيا وراء هذه الاغنية بحثا عن شريطها المفقود عشرات المرات، حتى عثرت عليها عند شرائي مجموعة كاسيتات الموسيقار الكاملة قبل اكثر من عشرين سنة خلت، من احد محال التسجيل في شارع (الخيام). فاهتديت الى السر الكامن في منع هذه الاغنية طيلة السنوات السابقة من عصر الجمهوريات الخمس في تاريخ العراق السياسي المعاصر. وان هذا السر لا يتعدى مديح الملك فيصل الاول، حيث ان نهاية الاغنية او قفلتها الاخيرة، تنتهي بهذا المقطع:"ملك الشطين والبطحاء.. اعظم بفيصل ملك البلاد".
ولكن كل هذا ايضا ليس جديدا، وانا اذكر جيدا ما لم يدونه التاريخ، خصوصا فيما يراد ان الكثير من مسؤولي دائرة الاذاعة والتلفزيون والاعلام في النظام السابق، ومنهم الصحاف ولطيف نصيف وحميد سعيد وسامي مهدي وعبد الغني عبدالغفور كانوا قد ساروا على خطى هذا المنع الشهير لاغنية واحدة من اغنيات عبد الوهاب. فعمدوا ايضا الى اتلاف الكثير من اغنيات موسيقار الاجيال الكبير، ومنها اغنيته لقصيدة "مهيار الديلمي" العاطفية "اعجبت بي" تحت طائل الحرب العراقية الايرانية التي لا تسمح في اذاعة قصيدة مغناة لشاعر (شعوبي) من امثال (السموآل) او ذكر اسمه بالمرة، او اغنيته لقصيدة احمد شوقي "ايها الراقدون تحت التراب" تحت وازع الحزن والاشجان بين الشعب اثناء حرب قذرة احرقت الزرع والضرع والابناء.
وعلى هذا المسار اتلف المسؤولون السابقون وبطانتهم اغنيات فريد الاطرش الحزينة، ولم يبقوا منها سوى اغنية "حبينا.. حبينا" ولم يتوانوا في القضاء على بعض اغنيات ياس خضر ذات الاشجان الملتاعة، خصوصا اغنيته الشهيرة "امغربين" ثم جرى الحظر والمنع على اغنيات معروفة للمطرب ذاته، ومنها قصائد مظفر النواب "مرينا بيكم حمد/ روحي/ البنفسج/ حن وانا احن"، فضلا عن الاتلاف الكامل لاشرطة فؤاد سالم وجعفر حسن وقحطان العطار والشهيد صباح السهل، مع الاجهاز الكامل على الحان كوكب حمزة وكمال السيد وحميد البصري وطالب غالي، من دون حياء او وجل.
على الاحداث من اولادنا واحفادنا ان يدركوا ان ارضنا كانت منذ عقود وطن هذه الاغنيات، وهكذا جبلنا ترابها وسقيناها وهكذا ستبقى الى الابد!
(وللحديث صلة)