فضاءات

المناضل الشيوعي ممدوح جمال (ابو رياض) / فرات احمد

التقينا إبن المناضل الشيوعي الراحل ممدوح جمال (أبو رياض)، الذي أعطى للحزب كل ما استطاع وعمل في صفوفه من أول مسيرة حياته التي كانت سلسلة صفحات مضيئة. وقد حدثنا عن والده، والحياة النضالية التي عاشها فقال:
المرحوم والدي من مواليد 1934 كان يفخر انه ولد في نفس العام الذي تأسس فيه حزبنا الشيوعي العراقي. والده كان عامل ميكانيك في مشروع تصفية المياه الكائن في منطقة الدندان بالموصل. ونظرا لضعف الوضع المادي لعائلته اضطر الى التطوع في الجيش - صنف الهندسة وكان ذلك في عام 1950. وبما ان عمره صغير فقد اضافوا اليه عامين.
وفي الجيش تعرف على الشيوعيين وانتمى لصفوف الحزب الشيوعي، ثم تسرح من الجيش عام 1955 حيث كانت مدة التطوع خمس سنوات قابلة للتجديد. فتسرح وعمل عامل ميكانيك ايضا مع والده في مشروع الماء نفسه.
وفي عامي 1959- 1960 تعرض لثلاث محاولات اغتيال، وكانت هذه المحاولات بمشاركة بعض اقاربه من جهة والدته، ومنهم "عبو الجني" وهو زوج ابنة خالته.
وعند الهجمة على الحزب الشيوعي في الموصل اضطر للهرب الى بغداد، بصحبة عائلته الكبيرة ووالده المصاب بشلل نصفي، حيث استقلوا سيارة حمل كبيرة "لوري" مع اغراض المنزل بالكامل وتوجهوا الى بغداد دون ان يكون لهم مكان محدد يتوجهون اليه فيها.
فأوقف السيارة بكامل حمولتها امام مقهى معروفة بارتياد الشيوعيين لها في منطقة الشواكة ودخل المقهى وشرح حالته الى الموجودين، فهب الكثير من الحاضرين متطوعين للبحث عن دار للإيجار لعائلة رفيقهم. وفعلاً خلال ساعات كانت العائلة قد استقرت في المنزل الجديد. وتعرضت العائلة بعدها الى ضائقة مادية ومضايقة سياسية فتنقلت الى الكثير من المناطق داخل بغداد. وعمل والدي في عدد من الاعمال الحرة غير الثابتة ليعيل والديه واخويه وزوجته واطفاله الأربعة.
وعند انقلاب 8 شباط 1963 اضطر الى ترك منزل العائلة الكبيرة والاختفاء هو وشقيقه الاصغر منه في خربة بمقبرة النجف، لأكثر من ستة اشهر. وكان الحرس القومي يبحث عنهما وقد فتش منزل العائلة لأكثر من مرة. وبعد انقلاب عبدالسلام عارف على البعثيين في تشرين 1963 استطاع ان يساهم في إعادة العمل التنظيمي السري للحزب وكان يعيل عائلته الكبيرة باعمال صغيرة متنقلاً من عمل الى آخر مفضلاً عمله الحزبي على عمله المهني. فقد عمل حداداً يصنع الابواب والشبابيك ومصلح دراجات هوائية، والكثير من الاعمال الاخرى، الى ان تمكن، بمساعدة بعض الاقارب والمعارف، ان يحصل على وظيفة حكومية كمساح اراض في مديرية البلديات العامة، وذلك بعد ان اجتاز دورة تدريبية في هذا المجال الذي له مساس مباشر بأراضي الفلاحين ودور المتجاوزين على اراضي الدولة اضطراراً من الفقراء والمعدمين.
وبما انه كان متمسكاً بمبادئه المساندة لهذه الطبقات المسحوقة, فقد تعرض خلال عمله الوظيفي هذا الى الكثير من الضغوط والاغراءات في نفس الوقت. منها على سبيل المثال ان الاقطاعي المعروف في ذلك الحين مهدي بلاسم عرض على والدي صكاً مفتوحاً (اي صك على بياض) حين كان والدي في بلدية قضاء الحي في لواء الكوت، مقابل ان يسترد له اراض من الفلاحين كانت ثورة 14 تموز قد صادرتها منه ووزعتها على الفلاحين. وقد رفض والدي ذلك العرض فتعرض الى مضايقات كبيرة ونقل من وظيفته. الى اقضية ونواحي والوية عديدة. وهذه التنقلات الوظيفية كان والدي يستغلها في انشاء خلايا تنظيمية في بعض تلك المناطق. الى ان عاد عام 1970 الى الموصل في بلدية قرة قوش.
ومن ضمن الذين كانوا يترددون على والدي الرفيق المناضل حسين كنجي- ابو عمشة وقد اصبح والدي فاعلا في العمل التنظيمي في اطراف الموصل حيث عمل في بلديات الشيخان والقوش وتلكيف وحمام العليل وكان اسمه الحزبي "صراع" كما عمل في تنظيم تلعفر.
وكانت عائلته هي من شكل رابطة المرأة العراقية في تلعفر حيث جعلها بكاملها تنخرط في العمل السياسي والمهني للحزب كل في مجاله.
وفي عام 1975 عاد الى مركز الموصل واستمر في عمله الحزبي الى ان اعتقل في عام 1979. واستمر في دعمه لنشاط اولاده كل من رياض وضياء في العمل التنظيمي السري كان ولداه على رأس التنظيم ما بين عام 1980- 1988.
وبقي يتمنى ان يرى نهاية حكم صدام والبعث وقد تحقق ذلك ولكنه عندها لم يكن يعي شيئا لأنه كان قد اصيب بشلل افقده الذاكرة والنطق. وكان مقعداً على كرسيه المتحرك وعائلته تقوم بتوجيه رأسه نحو جهاز التلفاز ليرى وقائع لحظات وضع حبل المشنقة حول رقبة صدام.
في سنة 2007 رحل عن عالمنا، وكان فاقد الذاكرة والادراك كما سبق القول. وقد زاره وهو في هذه الحالة رفيق عمره الرفيق ابو عمشة ضمن وفد من الحزب الشيوعي العراقي.