فضاءات

حقائق من سجن "ابو غريب" (2-3) / كامل صبار جبر

فنمت نوما عميقا لم ادرك كم استغرق من الوقت الا صباح اليوم التالي عندما قدم لي السجان فطور الصباح من النافذة وعاد الى قفلها ثانيا فتناولت القليل من الماء والصمونة التي استلمتها حيث بسبب تعرضنا لمثل هذه الحالات لمرات عديدة بين فترة واخرى كان لدينا تمسك بالحياة فكان يجب ان اتناول الطعام لكي استعيد جزءاً من نشاطي ولكي اقوى على تحمل ما قد اتعرض له في التحقيق الذي لابد منه فأنتابني نوع من القلق هل ان المساء والليل قد اكتمل وهذا صباح 14/8/1988 قد حل لذا جلبوا لي الفطور ولم استدع للتحقيق فاخذت الافكار تأخذ طريقها في عقلي وتتضارب؛ منها يبدو ان الجماعة لديهم خطة جديدة لتصفيتي والمجموعة التي استدعيت معي ولم اعرف مصيرها عن طريق الحجر بهذه الزنزانات الصغيرة المنفردة الخالية من الضوء والهواء
وهكذا لم يغادر ذلك التفكير ذهني حتى عاودت النوم. لم اعرف كم استغرقت من الوقت حتى سماعي لحركة المفاتيح في باب الزنزانة واذا بصوت مفاجيء وجهوري مع فتحة الباب مباشرة "ياالله انهض بسرعة بينما انا بين الوعي واللاوعي تبادر لعقلي فورا بانه قد جاء دوري في التحقيق فأقتادني ويجب ان لا اكررها حيث انها سياق معتاد للاجهزة الامنية، يتم تعصيب الاعين فخدمتني حالة اني ارى قليلا، فعند خروجي مقيداً من الزنزانة لاحظت ان الوقت قد يكون ظهرا بين الثانية عشرة والرابعة مساءا حيث قوة الضوء في النهار الصيفي وفي صراع مع نفسي بدأت اضع الاسئلة والاجوبة لها ربما سيكون التحقيق الان فاجيب نفسي لا ان وقت الحفلات لم يكن مناسباً في هذا الوقت حيث كان من المعتاد لحفلاتهم ان تبدأ بعد الساعة العاشرة مساءاً وحتى الساعة الخامسة صباحا. نعم نطلق على ساعات التحقيق باسم الحفلات كونها تبدأ في الوقت الذي ذكرت اعلاه وعادة ما تكون مجموعة التحقيق مخمورين بل ومخمورين حتى الثمالة نعم هكذا يكونون ونحن نجد لهم الاجوبة حيث نقول انهم هكذا لكي يوغلوا بتعذيب الضحايا ونجد لهم المبرر بادراكنا العقلي بأنهم في حالة الصحوة أي عدم تناول الخمر لا يستطيعون القيام بالتعذيب بهذه الطريقة الوحشية التي يعاملون بها ضحاياهم وانا على هذه الصورة من التفكير والسجان يقتادني فتح باباً وقام بدفعي الى داخل غرفة ودخل معي ورفع الغطاء عن عيني وانسحب فورا وأغلق الباب ففوجئت واذا انا بغرفة تصل مساحتها نقريبا الى ستة عشر متراً اي 4×4 أمتار واذا بأحد الذين تم استدعاؤهم جالس في الغرفة يتظاهر بأنه يعاني من التعذيب فنظرت جانبا فشاهدت آخر يعاني من التعذيب فتبادر الي الشك انهم متعرضون الى التعذيب لماذا تجاوزتني الحفلة لليلة الماضية. فاقتربت من احدهم هو هادي ناصر المتظاهر بالتعذيب فوجهت له سؤالاً.. ماذا حصل فأجابني انهم اثقلونا تعذيبا وكان الاخر لا يقوى على الاجابة من شدة ما تعرض له من التعذيب.. فقلت في نفسي هذه الليلة تبدأ حفلتي مع الذين لم تشملهم حفلة الليلة الماضية ولربما جميعنا نعيشها وكانت هذه لحظات لا استطيع وصفها ها قد شاهدت اثنين من المجموعة التي استدعيت. نعم نحن كما ذكرت متعودون على التعايش مع هذه الحفلات. وقبل غروب الشمس بقليل جلب لنا الاكل المعتاد الذي يجعلنا لا نموت اي تستمر فينا الحياة ولكي يحققوا مآربهم بتدمير اجسادنا في اساليب التعذيب التي تدربوا عليها لاضعافنا معنوياً وللنيل منا.. وبعد ذلك جاء وقت الحفلات حيث نحسب لها الوقت كوننا ننتظرها كثيرا مثل الام التي تنتظر ولدها. نعم هكذا ننتظرها. لانها انتظار لمصير كل منا. هل يعوق؟ هل يفقد عقله؟ هل يموت بحالة ما؟ وهذه الحالات التي ذكرت ليست بقليلة يعرفها السجناء جيدا لأنها حصلت وتحصل في الاغلب.
في التحقيقات التي تقوم بها اجهزة النظام القمعية هناك نسبة خولهم بها كبير الجلادين المجرم صدام حسين المقبور وهي نسبة 10 بالمئة التي ليس عليها محاسبة في الحالات التي تحصل فيها الوفيات اثناء التعذيب. بدأت الحفلة فكان نصيبي الاول.. كامل انهض.. نهضت فعصب عيني ووثق يدي الى الخلف واقتادوني في ممر لم اعرف كم طوله حتى هذه اللحظة واثناء اقتيادي سمعت انيناً يوقظ ضمير من لا ضمير له فبالحقيقة ارهبني واعتصرني الالم انه يبدو بحكم تجربتي ان هذا الانين يعود الى بعض أعضاء مجموعتي فبادر الى ذهني لربما انهم معلقون من حفلة الليلة الماضية وهذا ما ثبت اخيرا وكان يدل على انقطاع الانفاس وعودتها حيث ان المعلقين كانوا مربوطين الى الخلف ومعلقة ايديهم بالمروحات السقفية هذا ما عرفته اخيرا حيث ان الايدي المربوطة الى الخلف تأخذ الاستقامة بمرور الساعات حتى تبدو كأنها مربوطة من الامام. وكل هذه الاصوات التي سمعتها من الانين والتأكيد من احدهم وهو ينادي ليس لدينا شيء، لم نكن متورطين بمثل هكذا موضوع وحتى فتح باب غرفة لم ارها سابقا ولم ار ما فيها بسبب تعصيب العينين حتى اكيل عليّ الضرب من كل جانب لا اعرف الجهة ولا نوع الذي يقوم بالضرب حتى وقعت ارضا لكني لازلت بقوتي.. فبدأ الكلام من المحقق "اعترف يالله اعترف" قلت على ماذا اعترف؟ اعترف. اعترف على تنظيمكم. أي تنظيم هل نحن مجانين.. نحن سياسيون ونعي خطورة ذلك فلا يمكن ان نذهب بأنفسنا الى الجحيم، فأجاب الجلاد يبدو عليك الاصرار على موقفك، وكان ينادي على مساعديه شلال.. محمود... غازي. الاسما ء ليست مألوفة لدينا وانهم ليسوا من منتسبي الاجهزة الامنية المشرفة على السجن لم يهمس بعدها بشيء.. الا اني واجهت سيلا من اللكمات والضرب والصعق بالكهرباء. حتى فقدت وعيي واغمي عليّ فلم افق الا ونحن لا نقل عن 7 اشخاص متعاقبين كل منا فوق الآخر اي كومة من الاشخاص ككومة الملابس بلا حراك وملابس ممزقة مغرقين بالماء فيبدوا كعادتهم عندما يحاولون اعادة الوعي لاي منا يغرقونه بالماء البارد لكي يستفيق فبعد ان ينهكوا من العمل بتعذيب اجسادنا وفقدانهم لطاقاتهم نتيجة للجهد الذي بذلوه بتعذيبنا تنتهي الحفلة ويقومون بسحبنا لاعادتنا الى الاماكن التي كنا محجوزين فيها فنبدأ نستعيد الوعي تدريجيا ويبدأ معه الشعور بالألم لما تعرضنا له من تعذيب فبعضنا احيانا كثيرة لا يقوى على تحمل الالم فيأخذه الانين لربما لوقت طويل. ولبعضنا قابلية تحملية اكثر من غيره فيقوى على نفسه بتحمل الالم ويبدأ بتضميد جراح من هو جريح وتدليك من يحتاج ذلك..
وهذه الليلة الثانية ولا نعرف من هم ضحايا الانين الذي سمعناه بالمحجر.. حتى همس لي المدعو هادي ناصر حيث قال هل عرفت من معك هذه الليلة في التحقيق فقلت لا لاني اول المجموعة وحتى لو كنت الاخير لم استطع المعرفة بسبب تعصيب الاعين وحالة التعامل القاسية معي فأجابني ان الانين الذي سمعته عندما تم اقتيادي من الغرفة الى التحقيق كان للمناضلين مهدي حسين ومالك سفيح وخضير مطيلج جريو فقلت كيف ولماذا فأجابني بأنهم معلقون من الليلة الماضية ولغاية بداية التحقيق معكم، فأجبته ولماذا هذه القسوة ولماذا هذا النوع من التعذيب خاصة ونحن سجناء منذ فترة، فأجابني بجواب دعاني الى ان اتوثق بأنه متخذ من قبل الاجهزة الامنية للوشاية على السجناء او الاطاحة بهم حيث قال ان هؤلاء يعتقدون بأنهم رؤساء التنظيم.. فأجبته بأن ليس فيهم مجنون ويغامر بمثل هكذا عمل، فأجابني لربما انت لا تعرف فأجبته لا بأنا اصحاب خبرة نضالية ونعرف طبيعة النظام، فلا يوجد من هذه المجموعة من يغامر بمثل هذا الموضوع. فضحكت.. ومازحته انت تعذيبك اليوم يبدو اقل من الليلة الماضية؟ فأجابني نعم لانهم عجزوا عني فقلت له بماذا عجزوا عنك هل لديك شيء ما، فسكت انه يعرف درجة ادراكي لأجابته، ففي ظهر اليوم التالي نقلوا الى الغرفة التي نحن فيها اثنين آخرين من رفاقنا وكانا صغيري العمر حيث كان احدهم عبدالستار عبدالجبار حسين عمره ست عشرة سنة والآخر فرات حسين علي لم يتجاوز العشرين من العمر وقد ظهرت عليهم اثار تعذيب شديدة ولا يقوون حتى على الكلام فللحقيقة رغم معاناتي اعتصرت الماً على الحالة التي وصلنا لها من التعذيب والاذى وهكذا مر الوقت حتى جاء وقت الحفلة الليلية التالية فكانت بداية الاستدعاء من المجموعة المتواجدة في غرفة هادي ناصر فوصلت لاسماعنا اصوات الضرب اصوات من تظهر منه الاحتجاجات ونحن نعرف اغلبها حيث جميعنا نتظلم بأن ليس لدي شيء ولا اي ارتباط وهكذا وبعد وقت قصير تم استدعاء فرات حسين علي وكان هذا قد تعرض للتعذيب سابقا اثتاء التحقيق عندما القي القبض عليه قبل خمس سنوات من التاريخ المذكور بسببها رقد في مستشفى الامراض العقلية ستة اشهر وبدأت الحفلة معه حتى اختلط عليه الوضع اي اصبح في حالة جنونية من كثرة التعذيب حتى فقد الوعي فتم استدعاء عبدالستار عبدالجبار حسين وعومل نفس المعاملة القاسية من التعذيب حتى جن فعلاً ، أي فقد عقله وتوازنه وتم استدعائي مشتركاً انا والذي معي وكان المناضل عبدالرزاق سعد فاشتغلوا علينا مشتركين حتى فقدنا الوعي ولم نستعد وعينا حتى وجدنا انفسنا ومجموعة اخرى من مجموعتنا بنفس حالنا من الاذى فعندما استعدت الوعي كانت قد تحركت عصابة عيني فشاهدت محققين لم نشاهدهم سابقا في السجن من القوى الامنية العاملة في السجن فحينها ادركت ان المؤامرة كبيرة يجب ان ننبه الرفاق ان موضوعنا ليس سهلاً والمؤامرة محاكة بأطراف تجيد حياكتها. سحبونا الى غرفة واحدة فمنا من بقى حتى الصباح فاقد الوعي وحتى الذين استعادوا الوعي كانوا فاقدي القوى بسبب الصعق الكهربائي ونحن هكذا نضمد جراحنا ويساعد كل منا من لا يستطيع ان يقوى على الحركة وعند اقترابي من المناضل فرات حسين علي حيث كان في حالة يرثى لها، قال احذر.. فأجبته من من؟ قال هادي ناصر.. فأجبته وماذا به؟ قال انه اعترف عليّ انا وعبدالستار بأنه مسؤولنا ويطالبنا بالاعتراف على ذلك مدعياً انه لا يستطيع الصمود وتحمل التعذيب.. وهذا دليل على انه متعاون مع الامن لكي نعدم، ففوجئنا من اعترافه انا وعبدالستار هذا الكلام لفرات حسين والذي اعتقد ان عبدالستار قد جن او فقد النطق اثناء التحقيق حيث ان عبدالستار لم يهمس بكلمة واحدة عندما سجنوه وأعادونا الى الغرفة فأيقنت ان هذا العمل اذا دل على شيء انما يدل على خيانة هادي ناصر ومشاركته بعمل ما مع احد رجال الامن ولربما الرائد طارق الهيتي، فاعلمت مجموعتي واحداً تلو الآخر خاصة الذين تربطهم بهادي ناصر علاقة قوية بأن لا يتفاجوؤا ويصدموا حيث تبادر الى ذهني كلمة قالها لي احد الاصدقاء من حزب الاخوان المسلمين الذي كان سجيناً معي في نفس الموقع في احد الايام حيث قال انتم الشيوعيين معجبون بهذا الشخص ويقصد بهادي ناصر فكونوا على حذر منه وقتها لم اخذها مأخذ الجد اعتبرتها نوعاً من التسقيط السياسي حيث كان يصطدم هذا الشخص بهادي ناصر كثيراً بالامن مما كان يبعد شكنا نحن الشيوعيين في السجن بخيانته. فعبر كلام فرات حسين استعيد شريط ذكرياتي ويقيني بخيانته فقلت في نفسي رحم الله والديك عبدالستار محمد عبدالغفور انك صادق ومحترم الصداقة حيث كان هو الصديق الذي حذرني من هذا الخائن، عندما اقول خائن يتبادر الى الاذهان لربما كانت لدينا فعلا صفة تنظيمية في السجن، بل اقولها خائن اولا لكونه خان نفسه وحولها الى مطية لجلاد وثانياً خائن لكوننا نحن السجناء تربطنا صداقة في ما بيننا بسبب وضعنا في السجن ومساعدتنا في الغذاء كل منا للآخر خاصة وان بعض السجناء من سكنة المحافظات في اغلب الاحيان يصعب حضور عوائلهم للمواجهة بسبب متابعة الاجهزة الامنية ووضع البلد خلال الحرب العراقية الايرانية. وكان هذا الشخص هادي ناصر من السجناء الذين لا تحضر عوائلهم لمواجهتهم لاسباب لا نعرفها لحد الان فقط طبق المثل (جزاء حسان بكان) على اقرب اصدقائه وهذه خصوصية لكن لابد ان تذكر لما لاصحابها من فضل عليه واخص بالذكر المناضل مهدي حسين مهدي وعبدالستار عبدالجبار. نعم كل العلاقات هناك عمومي وهناك مخصوص في العلاقة بين شخص وآخر فمن مجريات التحقيق وثقل اجراءات التحقيق ادركنا بانه كلما كان الشخص قريبا له لهذا يثقل عليه التعذيب وبمقابل ذلك كان الاذى كذلك للذين يدخلون معه من خلال العلاقات في مشادات كلامية لإختلاف بتناول موضوعاً معنياً حيث كانت العلاقات بين السجناء تحكمها في احيان كثيرة الحالة النفسية للسجين ومعاناته من خلال اوضاع عائلته الاقتصادية والاجتماعية وتعامل الاجهزة الامنية معها حيث ان اغلب العوائل تقص معاناتها على ابنائها اثناء المواجهة والظروف التي تعتريها فعودة الى اجراءات التحقيق وفي مساء الليلة الرابعة من التحقيق بعد الساعة العاشرة بدأت الحفلة ولحين هذه اللحظات لم نعرف من هم الذين وقع عليهم اذى الليلة الأولى من التحقيق لسبب عدم التقائنا جميعاً اثناء التحقيق ولا عندما تم جمع مجموعة منا في غرفة واحدة لكن ذلك جعلنا في تساؤل مستمر في ما بيننا هل من الضحايا فلان ولربما فلان وهكذا حتى هذه الليلة وعندما بدأت الحفلة كان دوري الثالث في تسلسل الاستدعاء وعندما كنت في طريقي الى غرفة التحقيق كما ذكرت سابقاً معصوب العينين وموثق الايدي الى الخلف واذا بي أسمع المحقق ينادي بصوت عال يا مالك اعترف وانج بنفسك وانك لم تكن سجيناً ولكي نطلق سراحك اعترف فبالحقيقة صدمت صدمة كدت افقد فيها صوابي ولربما عقلي عندما سمعت الاجابة بأني ليس لدي شيء وانا رجل مكلف بالخدمة العسكرية وليس لدي أي شيء سوى صلة القربى هذه فكان لذلك وقع لن استطع ان اصفه لأنهم القوا القبض من خلال ما تبادر لذهني على عائلتي وهذا التحقيق مع مالك ابن عمتي وزوج اختي فكان هولً الموقف جعلني لا اتمالك السيطرة على نفسي فدفعني من كان يقتادني الى داخل غرفة التحقيق وكنت حينها مرتبكاً فكان سؤال خبيث من المجرم طارق الهيتي مباشرةً عند دخولي غرفة التحقيق...