فضاءات

الجالية العراقية تحت مبضع التشريح والدراسة في لندن / عبد جعفر

استضاف المنتدى العراقي في بريطانيا يوم 15-6-13 الباحث د. عبد الحسين صالح الطائي في أمسية عن التعددية في المجتمع البريطاني والجالية العراقية في لندن، بمناسبة صدور كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، وذلك في كنسية ريفزكورت في همرسمث غرب لندن.
واشار الاعلامي فلاح هاشم في تقديمه الى اهمية موضوع الندوة لاتصاله المباشر بأوضاع الجالية العراقية في بريطانيا واشكالية الاندماج في المجتمع البريطاني عبر الدراسة والتقصي وطريقة الاستبيان التي ابتدعها الباحث في هذا الميدان.
ثم عرف جمهور الامسية بالمحاضر فهو حاصل على البكالوريوس في اللغة الانكليزية عام 1976 من الجامعة المستنصرية. عمل في التدريس في العراق، الكويت، اليمن، الجزائر، ليبيا. وصل الى بريطانيا عام 1993 وعمل في المدارس العربية والبريطانية ، واثناء اقامته ودراسته، حصل على دبلوم عال في الكومبيوتر عام 1996 في لندن، والماجستير في تخصص علم الاجتماع عام 2009 من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن والدكتوراه عام 2012 من الجامعة نفسها. لديه كتاب آخر جاهز للنشر بعنوان (علاقة المثقف بالسلطة ودوره في المجتمع العراقي 1920 – 2008)
وفي تناوله للموضوع اكد الطائي ان بحثه يتكون من بابين، الأول يتعلق بموضوع التعددية في المجتمع البريطاني، والعوامل التي ساعدت على نشوء وتطور الديمقراطية في هذا البلد.
والباب الثاني، هو عن الجالية العراقية في المهجر سواء كانت في بريطانيا أو في باقي دول اللجوء الأخرى، لأن هناك الكثير من القواسم المشتركة التي تصل إلى أكثر من 70%. ولكن تبقى كل جالية لها خصوصيتها في البلد المعني. فإذا نتكلم عن الجالية العراقية في بريطانيا تتطلب الضرورة أن نتطرق بشكل سريع إلى طبيعة العلاقة التي تربط بريطانيا بالعراق عبر المراحل الزمنية المختلفة.
- واكد الباحث ان العلاقة البريطانية العراقية تعود الى ايام شركة الهند الشرقية، وهي شركة انكليزية، فتحت لها فرع في البصرة في عام 1643، هذا يدل على أن بريطانيا منذ ذلك التاريخ وعيونها على العراق.
وبعد الاحتلال عام 1917، الذي جوبه بالرفض الشعبي ، وقيام ثورة العشرين، وتم تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على العراق باستفتاء شعبي في آب 1921. وتشكيل أول وزارة في العراق برئاسة عبدالرحمن الكيلاني النقيب وكان مع كل وزير مستشار بريطاني. وفي تشرين الثاني 1932 أعلنت بريطانيا عن سحبها للمندوب السامي، وعينت سفيرا لها في العراق. وارتقت العلاقات إلى المستوى الدبلوماسي بين البلدين منذ ذلك التاريخ ولأول مرة في تاريخ العراق. وبقت العلاقات إلى سقوط الملكية في عام 1958.
واوضح الباحث ان العلاقة مع بريطانيا بالعهد الجمهوري، بين مد وجزر وعدم استقرار، حسب المصالح، سواء في فترة الزعيم عبدالكريم أو بعدها، إلى أن احتل العراق الكويت في عام 1990. اذ أصبحت العلاقات الدبلوماسية ما بين العراق وبريطانيا على مستوى: (شعبة رعاية المصالح).ومع اشتداد الحملة لأسقاط النظام السابق، قطعت بريطانيا جميع علاقاتها. وكانت بريطانيا الحليف الأكبر لأمريكا في حملتها ضد العراق .وفي 9 نيسان تم الاعلان عن سقوط النظام. ضمن توزيع المواقع، كانت حصة بريطانيا المنطقة الجنوبية. في 28 حزيران 2004 تم الاتفاق بين الحكومتين العراقية والبريطانية على اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفي آب 2004 تمت اعادة افتتاح السفارة العراقية في لندن. و حصل نوع من التعاون الايجابي الكبير بين البلدين على كل المستويات، السياسية والأمنية والتجارية والثقافية. وبهذا يمكن القول بأن طبيعة العلاقة التي تربط البلدين اليوم هي في عصرها الذهبي.
وحول الوجود العراقي في بريطانيا اشار المحاضر الى انه يعود إلى ما بعد تأسيس الدولة العراقية، خاصة بعد أن ارتقت العلاقة إلى المستوى الدبلوماسي. اذ كان العراق بحاجة إلى أطباء ومهندسين وكوادر أخرى بمختلف التخصصات، وبريطانيا أبدت استعدادها بالقيام بهذه المهمة. وبالفعل ارسل عدد من الطلبة المتفوقين في الدراسة ، منهم من تزوج واستقر. كما ان هناك من درس على حساب الخاص. وانفتحت المجالات الأخرى كالسياحة والعلاج والعمل التجاري، ولكنها كانت بشكل محدود، وضيق جداً، لأن طبيعة العراقي غير ميال للهجرة أو السفر.
إلا أن هناك استثناءين حدثا بعد نشوء الدولة العراقية، الاستثناء الأول: هجرة عدد كبير من الآشوريين - المسيحيين في الثلاثينات من القرن الماضي، بعدما تعرضوا إلى مضايقات، وبعد حدوث مجزرة سميت (مجزرة سميل) ذهب ضحيتها أكثر من 3000 شخص. والاستثناء الثاني هو هجرة يهود العراق بعد قيام الدولة العبرية، حيث حصلت لهم هجرة إجبارية قسرية بعد إسقاط الجنسية عنهم. تمكن بعضهم من الوصول إلى بريطانيا والاستقرار بها. بعد سقوط الملكية، تمكن الكثير من انصار هذه العائلة الوصول إلى بريطانيا والاستقرار بها. وفي العهد الجمهوري، نتيجة الأوضاع السياسية الصعبة التي مر بها العراق، خاصة في 1963 وما بعدها، تمكن البعض من العراقيين الوصول إلى بريطانيا والاستقرار بها.
- أن الوجود العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية سبعينيات القرن الماضي كان على شكل أفراد في بعض المناطق البريطانية. ولهذا لا يمكن القول بأن الوجود العراقي كان يشكل ملامح جالية متكاملة، متمايزة، غير أن تشكل الجالية العراقية في بريطانيا يعتبر حديثاً مقارنة مع الجالية اليمنية مثلاً. إن نشوء تشكلها قد بدأ قبيل وأثناء حرب الخليج الأولى عام 1980، وبدأت تظهر ملامح الجالية عندما تصاعدت عمليات التهجير خلال فترة الحرب، وتضاعفت الأرقام بعد أحداث حرب الخليج الثانية وأثناء فرض الحصار، وارتفعت الأرقام بشكل كبير بعد سقوط النظام واحتلال العراق في 2003، حيث هاجر الآلاف من العراقيين إلى مختلف الدول المانحة للجوء. عندما بدأت أعداد كثيرة من اللاجئين العراقيين تصل إلى بريطانيا، وبمرور الوقت استقروا في مختلف المناطق، وتمركزت الأكثرية منهم في العاصمة البريطانية لندن بحثاً عن أوفر الفرص، اذ كانوا بحاجة إلى تقديم طلبات اللجوء ومراجعة الجهات البريطانية لغرض الحصول على الإعانة الاجتماعية، بحاجة ايضا إلى تسجيل أولادهم في المدارس وغيرها من الأمور التي خلقت شعورا عاما بأن هذه الجالية الكبيرة بحاجة إلى مؤسسة عراقية تساندهم. وبدأ التفكير الفعلي من قِبل مجموعة من العراقيين الذين لهم باع طويل في هذا البلد، ولهم معرفة في كيفية التعامل مع الجهات البريطانية الرسمية، بادروا بتكوين مؤسسات عراقية خيرية لتقديم المساعدة للعراقيين الجدد، وخاصة في مجال تقديم طلبات اللجوء.
- كل هذه المؤسسات يجمعها هدف واحد مشترك، هو تقديم الخدمات إلى أبناء الجالية.
- يمكن بلورة عمل هذه المؤسسات من خلال توجهين:
أ‌- التكامل الداخلي: يراد به تعزيز الوشائج بين أفراد الجالية وتعزيز الروابط،
ب- التكامل الخارجي: يراد به الانفتاح على المجتمع البريطاني، على الثقافة البريطانية والثقافات الأخرى المتعايشة في إطار هذا المجتمع.
واضح الباحث ان الجالية العراقية، جالية كبيرة وهي تستحق المزيد من الدراسات الأكاديمية، وخاصة هناك مجالات متعددة يمكن الخوض بها، مثل التعليم، الزواج والطلاق، الجريمة، التطرف، الأمراض الاجتماعية، الكآبة وغيرها.

واشار الى ان منهج البحث الذي اعتمده يعتمد على بعض المناهج العلمية المهمة في مجال البحث الاجتماعي.

وبينت الدراسة ان الجالية العراقية تعتبر من الجاليات التي ترتفع فيها نسبة والمثقفين وأصحاب المؤهلات والمواهب، ويمتاز أفرادها بالمهارات العلمية والثقافية. حيث بلغت أعلى نسبة (48.25%) لحملة الشهادة الجامعية، وتلتها نسبة (25.76%) لحملة الدراسات العليا، وتلتها نسبة (17.25%) لحملة شهادة المعهد العالي. تشير هذه النسب إلى ارتفاع ملحوظ للمستوى التعليمي لأفراد الجالية العراقية في لندن، التي ترى بأن مستوى التعليم لأفراد الجالية العراقية، للذكور والإناث، مرتفع مقارنة مع بعض الجاليات الأخرى.
واضاف الباحث إن الغالبية العظمى من العراقيين يتمتعون بالكفاءة العلمية والمهنية من العراق، مما ساعدهم على الانخراط في مجرى الحياة العامة في بريطانيا، وتفاعلهم مع روافد الثقافة المتنوعة.
واظهرت الدراسة ان المهاجر العراقي يواجه إشكاليات وتحديات تتمثل في كيفية التكيف والاندماج مع المجتمع الجديد، حيث يتطلب بذل الكثير لرفع مستوى كفاءته في اللغة والعمل وتعديل أو تغيير الكثير من عاداته وتقاليده، وقيمه الثقافية، وعملية الاندماج الاجتماعي تعد حجر الزاوية في مسألة وضع المهاجر الجديد ومستقبله، ومدى ما سيقدمه للبلد الجديد. إن مفهوم الاندماج الاجتماعي يقوم على مدى التفاعل الاجتماعي الذي يبديه المهاجر تجاه البلد الجديد، وما درجة ارتباطه وولائه له.
كان موضوع الأمسية التي حضرها العديد من ابناء الجالية، مثار اهتمام الجمهور والباحثين ، اذ زادت النقاشات والآراء من متعة الحضور.