فضاءات

الشهيد عامر شاكر رستم الاعرجي / عيسى مسلم جاسم


عامر اسم على مسمى، فلوحده لوحة سريالية تجمل جدار الزمن ومرود يكحل عيون الذاكرة، وعلى مدى امتداد الايام، في حين ان بيوت الطغاة نتنة تزكم الانوف وخرابها مهوى افئدة طيوم (البوم) والتي هي الاخرى تعشق المثابات التي نسجت على انقاضها تلكم الخيوط التي تشاطر السلاطين تفتتاً ووهناً.
انا كاتب هذه السطور المتواضعة للسيرة العطرة، ساقتني احابيل السلطات القمعية الى المنافي الداخلية القسرية، حيث الابتعاد عن دفء عائلتي التي توا استنشقت عبير الآدمية، حينما قطفت ثمار متاعبي المتواضعة هي الاخرى، حين تعينت معلما بدءا بالمدارس الريفية ومع اسرافي في هدوئي ومبالغتي في وداعتي الا ان الحكومات الاستبدادية وبما تمتلكه من وسائل قمعية، واجهزة استخبارية وتقنيات عدوانية وماكنة عسكرية، العجيب كانت تخشاني وتحسب لي الف حساب، لذا ابعدتني من بين احضان عائلتي ومن وسط اصدقائي ومن مدينتي النعمانية. وصدر الامر الاداري بنقلي الى مدرسة الاشبال الواقعة في صدر مشروع الشحيمية، وعند مدينة الزبيدية تحصل اللقاءات الحميمية مع الاصدقاء والزملاء او عند عبور نهر دجلة بواسطة الطبكة وهي وسيلة عبور السيارات والافراد.
ومن هذا الجمع الشبابي الثقافي والمهني برز النجم الثاقب وهو الزميل والصديق عامر شاكر الاعرجي ومن ثم ارتقت علاقتنا المتينة الى مرتبة الروح الرفاقية ، وهكذا كنا نتواصل ونتبادل الاخبار مع الادبيات الفكرية تحت اسنة حراب البوليس وعيون العسس، صيرونا نجوما وهم لا يشعرون، كل الكاميرات علينا وهم لا يشعرون واياديهم على الزناد، نعم هذا واقع الحال هذه الرقابة المشددة عمل محموم منظم ومشترك بين الاجهزة الامنية النازية مع الحزبية البعثية الفاشية.. تذكرنا قول لينين: "لا توجد حركة ثورية بدون نظرية ثورية". خطر ببالنا ذعر ذلك الوزير في حكومة نوري السعيد عام 1953 ، نعم هو وزير الداخلية بهجة العطية حين وجد على مكتبه بيان الحزب الشيوعي العراقي فاقض مضجعه وصادر نومه فقال: هذه الورقة تعادل الف مرة الهيجان الشعبي الفلاحي في مركز ريف العمارة- انتفاضة آل إزيرج.
اجل هكذا تعاظم فخرنا بانفسنا، لكن الغريب في الامر انني لم اجهد نفسي ولا خطر ببالي ان اعرف تفاصيل اخرى عن هذا العامر. وحسب رؤيتي ان هذه المفردة لوحدها والتي ارعبت السلطات، هذا الانسان الابيض المشرق الجسد النحيل الرشيق والرياضي المتناسق، ما كان يشغلني اسمه الكامل ولا كنيته ولا نسبه ولا قوميته ولا دينه ولا مذهبه وهذه قواسم مشتركة لدى الناس المتنورين وفي صدارتهم الشيوعيون وبقيت هذه التفاصيل تحت يد الاقدار لغاية ما حصل في التغيير عام 2003، حين ظهر هذا الاسم العامر ضمن قائمة الـ 167 شهيدا الذين اعدمتهم السلطات الصدامية في ذلك الوقت وعرفت بعضا من سيرته المشرفة:
عامر شاكر رستم الاعرجي تولد 1946 ناحية زرباطية الحدودية التابعة لقضاء بدرة منفى السجناء الشيوعيين، ومن ثم عرفت انه خريج معهد المعلمين المركزي في بغداد، يعيش في بغداد حين التقيت به ومنقول اداريا قسرا، وله اخ شهيد ضمن مسلسل الحروب العدوانية الصدامية، كل ذلك ونحن من جيل واحد في العشرينات من عمرنا والذي فيه كل يوم يعادل عشرات السنين حسب لينين ايضاً.
ومن الف باء الوفاء للرفيق الشهيد، قلت في نفسي حتماً سأقوم باحضار صورة له وبشكل يليق بصاحبها كي ازين بها رواق محلية واسط/ للحزب الشيوعي العراقي، لكني حين وصلت الى المقر وجدته يستقبلني من خلال صورته التي سبقني الرفاق بتعليقها في واجهة المقر. الذي اعرفه عن الشهيد والرفيق عامر الاعرجي هو تفوقه وتميزه في الدرس الجماهيري؛ درس الرياضة في مدرسته العودة والتي حصلت على قصب السبق حاصدة الجوائز في المهرجان الرياضي السنوي في الناحية، اضف الى ذلك المسابقة الخاصة بمعلمي الرياضة فكان القدح المعلى لرفيقي وصديقي وزميلي العامر. وهذه النجاحات الرياضية اجبرت ادارة المشروع ان تخصص حافلة للاستاذ القدير عامر وفريقه الرياضي الماسي الفائز والمثقل بالكؤوس والميداليات.
الذي لا اعرفه عن الرفيق الشهيد عارم يزيح الستار عنه السيد ابو رائد وهو من زملاء الشهيد ومدير مدرسته لاحقا وهو من ابناء عمومة كاتب هذه السطور، ومن اجهزة الحزب الحاكم وبدرجة مميزة نسبيا، لكنه للامانة التاريخية كان طيبا ومنصفا ومساندا للشهيد واسدى له خدمات جيدة كان يمكن ان تؤدي به الى حبل المشنقة بذريعة التعاون مع اعداء الحزب والثورة.
تحدث لي السيد ابو رائد عن الرفيق الشهيد قائلاً: كان الاستاذ عامر سباقا في كل المجالات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ويضيف حين تعرض الاستاذ عامر الى الانقطاع عن المدرسة ومن ثم الاعتقال وبعدها الاعدام، جاء الى المدرسة تعميم من المديرية العامة لتربية واسط بسحب وتدمير اي وثيقة تعود للاستاذ عامر، ومنها سجلات المدرسة، وملفات التربية واين ما ورد اسمه او اية معلومات عنه. المرير ان اخاه لاقى الامرين وهو يبذل المستحيل لاجل اتمام معاملة التقاعد للشهيد بسبب قلة الوثائق المتوفرة.
وقد بعث لي اخوه برسالة عبر الموبايل بخصوص متابعة معاملة الشهيد التي لم تكتمل منذ العام 2003 ولحد الآن، وفيما يلي نصها:
"... لان الطاغية الجلاد المقبور بزواله كنا نتوقع ونتأمل ان نتنفس الهواء الطلق في العهد الديمقراطي ونحصل على حقوقنا المسلوبة، لكن لم احصل لحد الآن الاّ على هوية مؤسسة الشهداء ولم استلم الرواتب المتراكمة منذ استشهاده ولحد الآن. ومن الجدير ذكره لا زالت المراجعات مستمرة والحبل ع الجرار.. كل هذه المتاعب وهذا الغبن بفعل دناءة الطغاة الى هذا الحجم من الانحدار".
لا ريب كأني بك وانت تعتلي المشنقة تقول: فزت يا رفاقي.. وداعاً كي ألحق بالرعيل الاول من الخالدين قالها مجسدا سيرة الرجال الصالحين.. عذراً يا سيدي الشهيد عامر ما زالت معاملة تقاعدك كالسراب..