فضاءات

في المقهى الثقافي العراقي في لندن .. رمزي يعيد رؤية مفهوم البطولة وصناعتها/ عبد جعفر

رغم حرارة الجو، فقد أضاف الكاتب الدكتور رياض رمزي سخونة أخرى، عندما أثار في محاضرته حول (صناعة البطل/ مفهوم البطولة عند الأغريق والغرب- المثال العراقي) حوارا واسعا و عميقا مع زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن، وذلك في الأمسية التي أقامها المقهى يوم 28-6-2015
وقال الدكتور حسين مزعل في تقديمه ضيف المقهى:
كان رياض متميزا في دراسته الأكاديمية حول الاقتصاد في موسكو، ولكن كان لديه هوى طاغ للأدب.
إن رياض في إعماله لا يرضى أو يقبل بالظاهر وما هو على السطح بل يذهب عميقا في دراسة الحدث والظاهرة ليصل لجوهره. وهذا يظهر في كتابه (الدكتاتور فنانا) الذي يحاول فيه إثبات إن الدكتاتور فنان فشل في موضوعه وأتجه نحو تحقيق رؤاه الفنية عن طريق الحكم.
ويرى رياض في كتابه الآخر (المواكب الحسينية) أن الطقوس ليست ألا صور تسيطر على الجمهور وليس جوهر الحدث وقدسية التاريخ هي ما يقف خلف الطقوس.
وموضوعه اليوم هو إمتداد لكتابه (الدكتاتور فنانا) وهو محاولة لفهم دور البطل وأنه أن أصبح قائدا سيجر على بلاده الخراب لأنه يسعى أولا لمجده الشخصي.
وفي تناوله موضوعة صناعة البطل ومفهوم البطولة أوضح الدكتور رياض رمزي: إن هدفي هو تقديم طريقة جديدة للنظر في أحداث تاريخية مهمة حدثت في بلادنا في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن.
مؤكدا أنه أعتمد في ذلك على آراء مجموعة من المفكرين. هذه الطريقة تستدعي الا ننظر الى الحقائق المعروفة بطريقة استعادية ومكررة. على سبيل المثال حين سئل اينشتاين عن الفرق بينه وبين الرجل العادي قال: إذا طلب من الرجل العادي أن يبحث عن أبرة وسط كومة قش فأنه ما أن يجدها حتى يتوقف من البحث، أما أنا فسأواصل البحث بعد أن أجد الإبرة علني أجد إبرة أخرى. أي أن اللقيات والحقائق ليست قضايا تم إغلاق التفكير بشأنها عندما يقوم أحد ما بإيجاد تفسير لها.
وأشار الى أن هناك من يظن أن الحقيقة أكثر أهمية من طريقة إستخدامها و من يعتقد بذلك يفرض على العقل أن يتخلى عن أهم وظيفة التفكير، مؤكدا على ضرورة إعادة هيكلية تصرفات شخص قاد البلاد لإربعة عقود. لهذا الغرض لابد من الإبتعاد عن وجهة النظر السائدة لمعرفة سبب وجوهر تصرفاته، أي التفكير بطريقة تستبعد ما يقال عنه أنه أحمق أو مغفل أستدرج الى حروب عبثية.
أذن نحن بحاجة للقيام بإعادة تقييم لما حدث عن طريق معرفة المصادر الفكرية لصانعي الأحداث، بمعرفة مصادرهم الفكرية والنماذج التي كانوا يتبعونها في حياتهم. نكتشف بعدها أن ابطال الزمن الحاضر هم أسيرو أحزان الزمن الماضي، أي ما نسميه تداخل الأزمنة. وعند دراسة ما حدث وما يحدث لابد من الدخول في عقل صانع الإحداث وكشف مفاتيح شخصيته، وكيف تمكن من الحصول على أعلى سلطة، ولماذا بعد ظفره بكل السلطة وتمكنه منها بحيث لم يعد هناك من ينازعه عليها، راح يعرضها للمخاطر حتى فقدها؟ لماذا تصرف بهذه الطريقة؟
بدون العودة الى المصادر الأولى وبدون دراسة التكوين الذهني لكل مشارك في صياغة الأحداث التاريخية تصبح حوادث التاريخ نزوة يقوم بها صناع الأحداث قد تصل حدود التسلية. لماذا قام بإحتلال بلد بكامله قام بعمل حدث و يحدث الآن عدة مرات وهو تخفيض سعر البترول.
مضيفا، في بحثي أدرس فكرة جزئية صغيرة عبر ثقافات متعددة ، ألا وهي البطولة علها تفسر ما حدث عن الأبطال و البطولة بشكل عام.
الصعود المدوخ والعجائبي لشخص ما وبطريقة ينتهي بها. إن صنع تاريخ البلاد دليل أن البلاد التي سيقودها في حالة أزمة.
ان المجتمعات التي يقودها قادة من هذا الصنف تجعل مواطنيها يتنازلون عن الكثير من حقوقهم ويفوضونها لفرد يرتقي فوق محكوميه.
وأضاف، هناك نظرية تقول أن الأسكندر حين وصل الى بحر الصين وقف وحوله قواده المتعبون والمنجمون فقال لهم ( إعطوني عوالم أغزوها) حين قيل له هذه نهاية العالم.
كرر طلبه جاءت الأجابة نفسها. وجدالأسكندر ان بطولته تتعرض الى بطالة فهو بحاجة الى حروب يمارس فيها مهنته. بعد ثلاثة أيام وجد ميتا لأنه لم يستطع أن يختار لنفسه مهنة أخرى.
مات لأن كيانه وعقله رفض التجاوب مع الجديد. ومعروف أن الأسكندر كان تلميذ أرسطو الذي سأله يوما وهو في سن العاشرة :( أذا دانت لك السلطة ما موقفك مني؟) أجابه: حيث تضعك طاعتك.
وحول موضوع البطولة في الأغريق أوضح الكاتب أن الكثير من الأدباء أستلهموا حياة ابطال الالياذة والأنياذة في أعمالهم من أشهرهم جيمس جويس في عوليس.
الألياذة ليست ملحمة تحكي غضبة البطل اخيل. بل تروي سيرة بطل سيصبح نموذجا للبطولة لدى الأغريق والاوروبي، انها حكاية عن سيرة بطل او ابطال يقتدى بها وتنتقل من جيل الى آخر عن طريق النقل و الحفظ والتذكرة والالقاء فتتحول الى رمز قومي.
وقال المحاضر: هناك سؤال مركزي: هل عرف العرب الملاحم على غرار هوميروس والشاهنامه؟ كلا، لا توجد ملاحم طويلة على الشكل الأغريقي. بل هناك ما يسمى أيام العرب، وهي تسجيل لصراعات وغزوات وحروب جرت في شبه الجزيرة حيث تم تسجيل تلك الأيام مع ما ورد فيها من شعر ونثر. من تلك الأيام حرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحس بين عبس وذبيان. تحولت هذه الأيام الى سيرة من أشهرها سيرة عنترة وسيرة المهلهل المسماة سيرة الزير سالم، سيف بن ذي يزن ...الخ.
وتابع: سنأخذ كيفية صناعة البطل وكيف هو شكل البطل ومواصفاته في حرب البسوس بين بكر وتغلب . لدراسة ملامح أحد أبطالها ككليب بن وائل. سأل كليب يوما زوجته أترين من العرب رجلا أمنع مني؟ قالت لا أعلمه ألا جساسا سيد بكر. لم ينس كليب هذا الكلام، وتذكره حين وجد الفرصة لدحض هذا الرأي وإثبات خطله.
حين دخلت ناقة البسوس الى مرابعه، تذكر سؤاله وإجابة زوجته. قرر أن يجيب على السؤال على الأرض: من أمنع من؟ وجه سهمه نحو ضرع الناقة وقتلها. جاء حساس الى كليب وقتله. أذن سبب هذه الحرب الأرادة إرادة كليب أن يفرض إرادته. ماهي الإرادة؟ أن تحرك ما يقع سيطرتك بحرية كاملة. وأن تدخل أحد ستردعه حتى وأن أدى ذلك الى موته.
بالعودة الى كليب كان له جرو. وحين يدخل أرضه يطلقه كي يصل نباحه أبعد الإرجاء يقول بعدها: أرضي هي مساحة عواء الجرو. ماذا يعني ذلك ؟
- مهمة كليب كبطل هو أن يوقف نفسه على الدفاع عن ذلك الحيز وتوسيعه أو على الإقل منعه من التآكل..
لننتقل الى بطل آخر وهو عنترة فارس بني عبس في حرب داحس والغبراء. فكان على عنترة أن يرتقي لمصاف الأبطال. هذه هي صورة البطولة التي ستؤلف نسيجا ذهنيا لمن يقرأ القصيدة والسيرة. خرج عنترة يقاتل وهو يرتجل شعرا وأي شعر!
كيف ترسخ مفهوم البطولة عند المسلمين الأوائل
وفي تناوله موضوعة مفهوم البطولة في الأسلام، أكد المحاضرعندما خرجت القبائل في شبه الجزيرة العربية في الفتوحات نحو الأمصار المجاورة لقتال الفرس والروم كان أفراد تلك القبائل في ليالهم الطويلة وفي معاركهم يعيدون سير أبطالهم جاعلين منهم مخلوقات نصف إلهية لإثبات أفضال قبائلهم ومساهمتهم في حروب الفتح ولبث العزيمة في نفوس أفراد تلك القبائل وتآليه اللحمة القبلية. أعادت تلك القبائل روي سير أبطالها بجعلهم مخلوقات نصف ألهية.
ثم جاء الدور على عنترة حيث تم إبتداع قصة تتجاوز شبة الجزيرة العربية وصار أسم زبيبة رمزا جعل أحد الأبطال يكتب عن نفسه قصة زبيبة والملك، حيث يظهر البطل وهو يحمي زبيبة من زوجها الشرير القاسي. ليس هدفي هما دراسة لا شخصية عنترة ولا عمرو بن كلثوم بل تأثيرهما على من قرأها وجعلها نموذجا للبطولة.
وأنعطف بحديثه حول مفهوم البطولة كظاهرة بالغة التعقيد، تنحو الشعوب نحو إضافة جوانب قدسية على أبطالها. إنهم أشبه بزيت لتسيير ماكنة الأمة خاصة عندما تلحق بها هزائم.
معتبرا البطل ظاهرة ثقافية تحدد وترسم سلوك الشعوب.
لأن الحقائق التي استند اليها البطل في افعاله هي أوهام تلبست لباس الحقائق.والسياسات المحفوفة بالمهالك ليست نتيجة سوء تقدير، بل لأن البطل يعتقد أن هذه هي الطريقة المثلى للحل.
وفي ختام هذه الأمسية تركزت الحوارات مع ضيف المقهى حول مفهوم البطولة وتجلياتها ، وقد أوضح الضيف أن الأفكار التي قدمها لم يتم التوصل اليها أثر إكتشاف معلومات أو حقائق جديدة. بل هي على العكس نفس الحقائق والوقائع القديمة المعروفة. ما قمت به إنني أحاول تفسيرها بطريقة جديدة ربما مبتكرة.