فضاءات

الجزائري ينثر أوراق الحروب وتجربتها في المقهى الثقافي العراقي في لندن / عبد جعفر

عايش الروائي الصحفي زهير الجزائري سبع حروب في مناطق مختلفة (الأردن، سوريا ولبنان، والعراق والسودان والمغرب) وكتب عنها سبعة كتب. كيف رأى هذه الحروب وكيف آثرت عليه. هذا كان مضمون أمسيته الممتعة (أوراق الحروب) في المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 26-7-2015.
وقبل بدء الأمسية، طلب الزميل علي رفيق من زبائن المقهى الوقوف دقيقة حداد على أرواح الشخصيات العراقية التي رحلت عنا خلال هذه الأيام ( الدكتور محمد مكية، الدكتور صباح مرعي والدكتور حافظ التكمجي، والناقد محمد الجزائري).
في تقديمه للمحاضر، إعتبر الشاعر والكاتب فوزي كريم أن زهير الذي يعرفه قرابة نصف قرن، من الشخصيات التي لها تجارب واسعة في المعترك العربي، أذ كان من الطلائع الأولى التي ساهمت في المقاومة الفلسطينية. ويعد واحدا من الجيل الستيني الناشط جدا، بعيدا عن هيمنة السلطة. كان أنيسا ودائم الحديث ضمن دائرة الأدب والفن.
وأكد انه لم يشعر به أنه يمثل فكرة أو عقيدة، وتكاد شخصيته الأدبية أبرز من الطابع العقائدي في شخصه.
وتمتاز كتبه بالهارومانية المتوزعة بين الروايات والنصوص الأخرى التي عكست تجاربه المختلفة.
وفي محاضرته تناول زهير الجزائري الحروب التي شارك فيها أو كان شاهدا عليها بشكل متواز بالحديث عن إبداعه الذي جسد هذه التجارب.
وأكد قائلا: نحن من جيل الخيبة التي تشكلت ذروتها في هزيمة الخامس من حزيران عام 1967
وكان رد فعلنا الأول هو الإحتجاج والمظاهرات، ولكن السؤال الذي واجههنا هو ما العمل؟ وكانت قناعتنا آنذاك مع تصاعد عمليات الكفاح المسلح في العراق وبعض مناطق العالم أن نتوجه الى ساحات القتال حتى نستطيع أن نكتب عن الحرب ونتلمس موضوعها عن قرب.
واشار الى أنه التحق مثل الكثير من زملائه في صفوف المقاومة الفلسطينية، وهنالك وخصوصا في الأردن، أصبح الشعب الفلسطيني من لاجئ الى مقاوم وتشرف عليه المكاتب العسكرية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت العمليات الفدائية تخرج من الورق الى الفعل، كرد عملي على موقف الأنظمة العربية المهزومة.
وبعد أحداث أيلول 1970، شهد كيف تهزم الحركة المسلحة، وأنه كتب عن ذلك في روايته الأولى (المغارة والسهل) التي تتناولت وقت الإنسحاب والمجازر التي إرتكبها النظام الأردني.
وبعد إنتقاله مع المقاومة الى لبنان، أكد أنه إنفتحت أمامه آفاق جديدة في النشر بفضل حرية الصحافة ووجود كم هائل من المجلات والصحف الفلسطينية وإنفتاحها على الكتاب والكتابات العراقية. حيث بدأ النشر.
وأشار الى أنه كان شاهدا على (مجزرة عين الرمانة) التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان، أثر قتل جنود حاجز تابع لحزب الكتائب اللبناني لركاب باص فلسطينيين.
وأضاف: (أننا عشنا في بيروت تحت الشعور بالخطر الدائم ، لا نعرف ماذا يفكر هذا القناص القاتل؟ أي كراهية يحملها لنا؟ لماذا يريد قتلنا؟).
واشار الى أنه حتى بعد عودته الثانية الى لبنان في صيف عام 1979 كان مثل غيره، يعيش هاجس الخوف من كاتم الصوت، وظل ذلك هاجس القتل يطارده خصوصا بعد أن أصبح كل شيء قابلا للتفخيخ. ومازالت مشاهد الحرب ومخاوفها الى الآن تقلقه. وذكر أن الأمور زادت تدهورا في لبنان بعد الأجتياح الاسرائيلي .
وبعد خروجه الى سوريا، التحق بالأنصار الشيوعيين في كردستان، فكانت له تجربة أخرى، حيث تعلم وهو أبن المدينة كما يقول( كيفية المشي هنالك في المناطق الوعرة وتسلق الجبال) مضيفا كما أن علاقته مع الطبيعة قد تغيرت أيضا، فعليه أن يصنع كل شيء منها ، وأحيانا يصبح متفرجا و هناك أخذ يكتب يوميا مذكراته.
مشيرا الى أنه تعلم اسماء النباتات ومواسم نموها ومعرفة الثلج ومتى يذوب، وأصبحت له صلة مع شرائح اجتماعية مختلفة حيث كات يعايشهم ليل نهار بعد أن كانت معرفته تقتصر على المثقفين، كما تعرف على عادات الشعب الكردي في الأرياف. وأكد انه كتب عنها في كتابه (أوراق جبلية) وفي روايته (مدن فاضلة).
كما تناول تجربة بشت ئا شان وكيف تمكن المقاتلون رغم البرد القارص والثلج صعود جبل قنديل الشاق والأنتقال الى الجهة الثانية، حيث أثبتوا أن الإرادة الانسانية دافع مهم لأستمرار الحياة ومقاومة اليأس.
وتحدث الجزائري عن تجربة (البوليساريو) الذي ذهب اليها عدة مرات ، وكانت بالنسبة له تجربة غريبة في حرب العصابات حيث تجري في الصحراء عكس حرب العصابات الأخرى التي تجري في الجبال والغابات، ويعتمد هجومها على تصاعد الغبار وهو يوم مثالي لها، وتعرف على حياة المقاتلين الصعبة وقد أنعكس ذلك في روايته (الخائف والمخيف).
وأشار أيضا الى تجربته في حرب في جنوب السودان وكيف شاهد بأم عينيه المجاعة هناك حيث يعيش الناس ظروفا غاية في الصعوبة.
وحول الحرب الأخيرة في العراق أكد أن الشيء الأساسي في هذه الحرب أن المشاهد فيها كانت غير مكتملة، وهي تحدث بسرعة والقصص متداخلة وأن هذه الحرب خلقت ثقافة كاملة أنعكست حتى في لعب الأطفال وقد تناولها في كتابه (حرب العاجز)
واشار الى أن الحرب علمته معرفة السلوك الانساني من خلال اللحظات التي يكون فيها الموت قريبا جدا.
وفي ختام المحاضرة التي حضرها حشد غفير من المهتمين بالأدب ومن الشخصيات الثقافية، جرى حوار مع الجزائري، اشترك فيه عدد من ضيوف المقهى. فتحدث كل من الشاعرصادق الصائغ والكاتبة فاطمة المحسن والأكاديمي عدنان رجيب والكاتبة فيحاء السامرائي، والكاتب خالد القشطيني والناشطة النسوية سناء الطالقاني والفنان التشكيلي يوسف الناصر، متناولين عدة محاور والحديث بصورة مفصلة عن موضوعة العنف والحرب والبيئة العراقية الحاضنة للعلاقات المتوترة.
وأوضح الجزائري في معرض ردوده أنه ليس نادما عن تجاربه تلك، ولكنه أكد أنه اصبح يميل أكثر نحو السلام ويرى المفاوضات أفضل طريق لحل المشاكل. ويتمنى أن يكون داعية للسلام.
مشيرا الى أن العنف هو عنف السلطة وهو العنف العلني الذي مارسه صدام حسين وتمارسه داعش لإرغام الناس على الإذعان لها.
مؤكدا أن هناك عقيدة وراء العنف ولا يوجد شعب عنيف بالغريزة. وأوضح أنه تأثر بتجارب الكفاح المسلح وفي مجال الكتابة تأثر بالعديد من الكتاب ومنهم همنغواي في طريقة كتابة الجملة المختصرة وغير المبالغة.
وقال انه لم يشر الى تجربته في متابعة حرب تشرين ولا معايشته الحرب العراقية الايرانية ومتابعته لها حينما كان في كردستان.
وأضاف أنه يقف مع المظلومين ويرى أن الضحايا محقون دائما.
ومع ذلك (كنت موضوعيا في إظهار الدكتاتور وكيف يفكر القاتل والقتيل، محاولا أن أنحي الكراهية عما أكتب).
و أشار الى أنه تعلم كثيرا من تجارب كتاب أمريكا اللاتنية، في تناول الفنتازيا والأحلام والخرافات خصوصا وأن واقعنا العراقي فيه الكثير، و الأساطير هي جزء منه، ويمكن القول أن الفنتازيا فيه فاقعة للواقع.
وأوضح انه لم يقتصر في عمله الروائي على تناول موضوعة الحرب فقط بل أيضا حالة حب كما في حالة البطل في رواية (المغارة والسهل).
وقال ( إن كتاباتي عن الحروب لم تكن تسجيلية بل أرى فيها نصا مفتوحا أشعر فيه بالراحة أكثر حين أكتب، عكس الروايات التي تحتاج الى تخطيط ومعرفة الشخصيات ، والحقيقة لدي مخزون هائل من الذكريات وأرغب في إضافة أشياء أخرى على ما كتبت).
وأعترف أن التحاقه بالعمل الفدائي يرجع الى سئمه من العمل الصحفي المكتبي الممل، وبحثه الدائم عن إشياء أكثر اثارة وقد وجد في المقاومة هذا الشيء، ولهذا قرر ان لا يرجع الى كوابيس الوظيفة.