فضاءات

عالم الأجتماع العراقي إبراهيم الحيدري يلقي الضوء على التطرف و الإرهاب وإسبابهما / عبد جعفر

في محاضرة شيقة، تناول عالم الأجتماع الدكتور إبراهيم الحيدري الأسس الإجتماعية للتطرف وسبل التصدي لها، وذلك بحضور حشد غفير من إبناء الجالية العراقية، في الأمسية التي أقامها المنتدى العراقي في بريطانيا يوم 28-7-2015 في المركز الثقافي العراقي في لندن.
وأكد الدكتور ماجد الياسري إستشاري صحة نفسية ورئيس اللجنة الإدارية للمنتدى في تقديمه أن التطرف والعنف ليست ظاهرة جديدة وهي تصيب كل المجتمعات والعقائد، وهي الآن تشكل ظاهرة خطرة والمتمثل بداعش وإرهابها.
والعنف له أسباب نفسية وسايكلوجية وإجتماعية، وهو بحاجة الى دراسة دائمة له، وتعد فعالية المنتدى اليوم مساهمة في هذا الجانب والتي يقدمها أحدى قامات علم الإجتماع العراقي الدكتور إبراهيم الحيدري المعروف في مساهماته في الفلسفة والثقافة وله كتب عديدة وأخرها كتابه حول سيولوجيا العنف والإرهاب الذي رشح للجائزة شيخ .
وفي محاضرته أوضح الدكتور الحيدري
أن العنف كظاهرة اجتماعية وآلية من آليات الدفاع عن الذات ضد المخاطر التي تواجه الإنسان ومن أجل البقاء والاستمرار في الحياة،
وأكد أن كلمة عنف Violence تعني يؤذي أو ينتهك بشدة، والعنف هو الاستخدام غير المشروع للقوة المادية أو المعنوية لإلحاق الأذى بالآخر.
مشيرا الى ان هناك وجوها عديدة للعنف من بينها العنف المضاد ويمكن تقسيمه الى عنف مشروع وعنف غير مشروع والعنف العرقي الذي هو وليد الصراع بين الأعراق والإثنيات والأديان والمذاهب والطوائف والعنف الديني وهو الأكثر قدرةً على إثارة الرعب والخوف والهلع . والخطاب الديني التحريضي المتطرف أكثر خطورة لأنه يزرع الكراهية والتكفير ويدعو للقتل والتدمير .
والعنف الجنسي الموجه ضد المرأة والأطفال والقاصرين والإكراه على الزواج والعنف الأسري والزواج القسري واختلاف العمر وغسل العار والاغتصاب والتحرش الجنسي والبغاء وغيرها. وأخيرا العنف المعنوي الذي يشمل العنف اللفظي والاجتماعي والنفسي، كالسب والشتم والنميمة وافشاء الاسرار.
وحول التطرف أوضح الحيدري أنه هو الغلو في الشىء والاسراف في الفعل بعيدا عن الاعتدال، بمعنى انه خروج على السلوك المتعارف عليه اجتماعيا وبصورة مغالية. التطرف صنو التعصب. والتعصب هو حكم مسبق وعقيدة جامدة مسلم بها Dogma ، لا تقبل النقاش ابداً.
وعرف الإرهاب هو الأساليب والوسائل التي تهدف الى إثارة الخوف والرهبة والرعب ضد الاخر. وهو أعلى اشكال العنف السياسي وأكثرها تطرفا وتعصبا وقسوة. والارهاب ليس حرباً نظامية، وإنما هو حرب عصابات تستخدم فيها أبسط الوسائل التقنية للاحتيال على وسائل الردع العسكري المتقدمة.
وشعار الإرهاب : التكفير بدل التفكير.. وهو منظومة فكرية تسوّغ أعمال العنف وتخاطب الغرائز وتدغدغ العواطف البدائية.
وفي مقدمة الحركات الإرهابية المعاصرة هي القاعدة واخواتها التي خرجت من رحم التيار السلفي الجهادي المتطرف. وهي الأبن الشرعي للتخلف الاجتماعي والأوضاع العربية-الإسلامية المتردية
اوضح أن جوهر السؤال الأخلاقي: كيف يمكن ان يكون الانسان خيرا وليس شريرا ؟
بالرغم من ان اغلب الأديان السماوية دعت الى عمل الخير والتسامح، غير انها في الممارسة العملية كانت تثير اعمال عنف وحروب وإرهاب.
الفلاسفة اليونانيون لم يكتبوا عن العنف. ولكن أرسطو قال : الانسان " مدني بالطبع"، أي انه انسان عاقل ومفكر يميز بين الصالح والطالح. والانثروبولوجيون قالوا : الانسان منتج معرفة وثقافة وله خصائص انثروبولوجية خاصة تميزه عن باقي الكائنات الحية وهي: العقل واللغة والعمل. وقد أكد العلامة ابن خلدون: بأن الانسان ابن بيئته وعوائده وسبب العنف هو العصبية القبلية التي تسبب العدوانية والتغالب.
وتناول نظريات العقد الاجتماعي وهو عقد وهمي هدفه تفسير نشوء المجتمع والدولة والسلطة باعتبارها ضرورة عقلانية يفرضها مفهوم الحق الطبيعي الذي يمارسه الانسان في الطبيعة. فالانسان خلق حراً وباستطاعته الحفاظ على هذا الحق بالممارسة العملية. ووظيفة الحق الطبيعي الأساسية هي إقرار العدل الاجتماعي باعتباره فضيلة تؤسس على قاعدة طبيعية وعلى أساس عقلي. وتناول اراء توماس هوبز 1588-1679 وجون لوك 1632-1704. وروسو 1712-1778 مشيرا أن العقد الاجتماعي يتضمى في الحقيقة العناصر الأساسية المؤسسة لحقوق الإنسان.
موضحا أن هناك أربعة اتجاهات نظرية رئيسية تحاول تفسير العنف وهي:
أولاً- المدرسة البيولوجية: وهي نظرية تحلل الطبيعة البشرية بدوافع السلوك التي تنطلق تلقائياً من قوة الغرائز البيولوجية، وتدفع المرء إلى سلوك عدواني ضد الآخر كالصراع والتنافس والحروب.
ثانيأ- المدرسة النفسية: تعتبر ان الطاقة العدوانية ليست دائما دافعا للتدمير وانما هي طاقة عقلية عامة تثير اضطرابات نفسية وسلوكية، ولكن فرويد غالي في دورها. فهو يرفض مقولة الطبيعة العاقلة للإنسان. فالسلوك البشري ليس موجها بالعقل وانما بالدوافع الغريزية وهي دوافع لاعقلانية.
ثالثا-المدرسة الاجتماعية: ينطلق التحليل السوسيولوجي للعنف باعتباره ميلا الى حالة الانسان البدائية الأولى، فكلما تطور الانسان بحضارته استطاع تنظيم السلوك العدواني وتهذيبه، كطاقة غريزية كامنة، وتوجيهه بصورة عقلانية رشيدة وكذلك تعليم افراد المجتمع كيف ومتى يكبحون جماح عدوانيتهم.
اذن جوهر العنف هو الانتصار على الغرائز البدائية غير المهذبة.
وهنا يتبادر لنا سؤال هام: هل الإرهابي يولد بالضرورة إرهابياً؟
وحسب التحليل السوسيولوجي فأن الإرهابي لا يولد بالضرورة إرهابياً، وإنما يصبح كذلك بفعل عوامل بيئية واجتماعية وسياسية وثقافية ودينية مختلفة.
وفي مقدمة العوامل في انتشار الإرهاب هو فشل الأنظمة الشمولية والدكتاتورية والطبيعة الأبوية الشمولية للأنظمة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي والاسلامي وشيوع الفساد والرشوة والبطالة وعدم المساواة الذي ولد الظلم والإحباط. الى جانب انعدام الثقة بالغرب وسياسة إسرائيل العدوانية وكذلك المد الديني واستخدام الطائفية السياسية.
وحول دوافع الانخراط في الحركات الإرهابية، قال:
(هناك اربعة دوافع أساسية للانخراط في الإرهاب هي اجتماعية ونفسية ودينية وسياسية، وليس من السهولة معرفة دوافع من يقوم بتفجير نفسه إلا بإيمانه وبقناعته التامة بأنه يقوم بذلك من أجل قضية يؤمن بها وهي كما يلي:
1- حملات التحريض الديني: خطب المشايخ السلفيين والتكفيريين ووعاظ السلاطين والتشجيع الفكري والدعم المالي من الدول العربية والإسلامية. الى جانب الدعوة للجهاد في سبيل الله ومحارة الكفار لنيل الشهادة والذهاب الى الجنة ولقاء حور العين.
2-غسل الدماغ-(BrainWashing) يعني السيطرة على عقول الشباب وتوجيههم نحو فكر معين واخضاعه لهذا الفكر بدون وعي وارادة يجعله تحت نظام( اللامفكر) وتجريده من قدراته الفكرية، أي غسل دماغه. ونظرية بافلوف-"الفعل الشرطي المنعكس" تساعدنا على فهم تأثير المحفز الخارجي في سلوك معين بالتمرن يجعل الشباب يسلكون بدون وعي وإرادة، مثل كثير من الارهابيين الذين يفجرون انفسهم بتأثير من الخارج.
3-حبوب الهلوسةHallucination : وهي حبوب تعمل على تغييب الوعي وجعل الدماغ غير قادر على الاستيعاب والتحكم في السلوك وتسهل قيادته بسبب اخذ حبوب مخدرة مثلLSD تعطي إحساسا بشيء متخيل وغير موجود، وهي غير الوهم illusioوهو تصور مشوه وخاطيء.
4- ذوبان الشخص في الاخر:الشخصيات الضعيفة والمقموعة والمستلبة يسهل خضوعها للاقوى والاندماح معه والذوبان فيه بحيث يصبح أداة طيعة تنفذ أوامره بدون تفكير. فهو يتخلى بسرعة عن استقلاله الذاتي ويندمج في شخص آخر مسيطر ويذوب فيه للحصول منه على القوة التي يفتقدها بقناعات معينة).
وحول أهم الوسائل للوقوف امام العنف والتطرف اكد الحيدري أنه من الممكن إيجاز الوسائل والسبل والأساليب التي يجمع عليها علماء الاجتماع للوقوف امام العنف والإرهاب هي نشر ثقافة المحبة والتعاون والتسامح بدل الكراهية والعنف والاحتراب من اجل تخفيف النزعة العدوانية التي تثيرها ظروف وشروط معينة عن طريق خلق بيئة تعاونية متسامحة يسودها التفاهم والتواصل والحوار العقلاني الرشيد. لتحل محلة النزعة العدوانية.. وتشترط ما يلي:-
تقوية الدولة وإعادة الشرعية القانونية وروح المواطنة ووحدة الهوية وتحسين طرائق التربية والتعليم ومؤسساتهما على أسس عقلانية رشيدة، وتطوير منظومة القيم والمعايير الأخلاقية الإنسانية الرفيعة
ونشر ثقافة التسامح وقيم العفو والمغفرة ،وتنقية الحواضن المفرخة للعنف والمحرضة على التكفير والإرهاب، وأخيرا فصل الدين عن الدولة. ولا يعني ذلك تنحية الدين عن الحياة الاجتماعية، لأن الدين لله والوطن للجميع.
واثارت الندوة نقاشات مع المحاضر حول العنف والإرهاب الداعشي في العراق والمنطقة وسبل التصدي له،
وفي ختام الأمسية جرى التوقيع على كتاب ابراهيم الحيدري الجديد حول( سيولوجيا العنف والإرهاب).