فضاءات

الى رفيقي الأول علي طالب الاسدي / مجيد الكعبي

شأنه اليومي بعد الافطار هو الجلوس قرب النافذة وارتشاف القهوة المرة ،التي وصفها له صديقه علي بانها تنفع لمعالجة صداع ليلة ماضية. لكنه لم يأخذ بتلك النصيحة وقتئذ. وادخرها كيما تصير عنده عادة يومية لا يمارسها في أي وقت، بل في ساعة مبكرة من الاصباح التي بدأها في اخر مدنه الواقعة على قمة الدنيا.
لم يذهب علي مع ما ذهب منه في السنوات التي ترجع الى مدينته الأولى، وانما بقي عنده بملامح واضحة تبقيه قريبا منه رغم هذا الامد البعيد.
ألذي لا ينساه من علي ،أبدا، اعتداله وسبقه اياه في الانتماء الى الحزب، وعشقه لتلك الفتاة المسيحية ألتي تكبره في السن.ما أغضبه من هذه الأفعال ،انئذ، هو حصوله على عضوية الحزب قبله. فهما في سن واحدة وفعالياتهما واحدة …غير أن عليا حصل على العضوية قبل أن يكون في سن تؤهله لها! لذا سأله
هل في الحزب وساطة، يا صديقي، يا علي يا ابن طالب الاسدي؟
لا، أجاب علي، ثم أردف قائلا
لقد زكاني خالي. واستطرد يشرح له ماذا يعني خاله…
ترشف قهوته قليلا قليلا فوجدها قد ازدادت مرارة ولذة، كنت صائبا في وصفك، قال بصوت مسموع وهو يضع الفنجان على رف ألنافذة، وينظر، من بين النباتات ألظلية المزدحمة عليه، الى السماء ألتي تتوارى خلف ذلك السديم الرمادي الجاثم على المدينة منذ شهور خلت. والذي يجعل أشجار الصنوبر والابيسة أشد عتمة فتبدو بينها أشجار ألبتولا خجلى بعد أن نزع الخريف أوراقها وحطت على أغصانها رقائق الثلج ففضضتها حتى صارت أجمل مما حولها من الأشجار المحتشمة .
استرسل في جلسته تلك ،وهو يضع رجليه الواحدة على ألأخرى قرب المدفأة الجدارية ،ثم يغوص في جلسته كيما يلقي رأسه على ظهر الكرسي، باحثا عن شيء من سماء المدينة المحتجبة.
فاجأته رغبة في الكتابة الى صديقة علي ،فشرع في الكتابة،، أخذت بنيصحتك في شرب القهوة المرة عند حالات الصداع التي توقظني من النوم قبل ألاوان ،لكنني اكتشفت شيئا مفيدا اخر في القهوة وهي انها اذا كانت باردة تزداد لذة. ربما تعرف ذلك أو لا، ولك أن تأخذ باكتشافي هذا أو لا تأخذ به، لأنني لا أعمم ما أعرفه مثلما عهدتني .ثم انك ،كما تعلم، تستيقظ بلا صداع منذ بدء السنوات الجاف .أنت لم تقل ذلك ،لكنني أعرفه. غير انني لا أدري كيف تزجي لياليك التي كنت تصرفها في ذلك الذي يصبحك بصداع…
نسيت أنك لا تشرب القهوة الآن فلم أحدثك عنها…أما أنا فأشرب قهوة صباحية مرة باردة، وأطيل النظر الى سماء تتغشى بسديم يعودها كل عام ويبقى يغطيها ستة شهور فقط، وأبقى أنا وقهوة المرة الباردة هنا خلف هذه النافذة نطل على سديم رمادي ،وأشجار مشرئبة أبدا، ثم سماء بلونها وبعدها، وأشجار تستعيد خضرتها وبهجتها…
]يضع الرسالة في مغلف ، يكتب عنوانه على أعلى الجهة اليسرى ،أراد أن يكتب عنوان علي على ألغلاف ،تذكر أنه لا يعرف عنه شيئا منذ بدء المنتأى…
يترك الرسالة على الطاولة، ويعود الى مكانه لكيما يستأنف التي قطعتها كتابة .يجد فنجان القهوة حيث تركه على رف النافذة. يرتشفه بلا رغبة فيجده مرا باردا لكنه بلا مذاق، ثم يأخذ الدلة ليصب فنجانا اخر…