فضاءات

تحية لعيون روزا / ألفريد سمعان

ان في قلب كل انسان نبضات حية رقيقة، وفي عروقه تجري طقوس المحبة والانسجام مع المجتمع. ولدى البشرية عواطف لا حدود لها، لعلها تبدأ بترانيم الطفولة وتتصاعد مع عمر الانسان في ظل التعاطف والصلوات وتبادل المشاعر النقية الحارة، التي تجرف من دون تحفظ شجون الاحداث ومآسي الوجع وتثير اروع ما تتخذه الذات البشرية بانغام تتفاوت مع عمق ورهافة الاحداث وصخب المشاعر ومن ثم حنين الغياب ودفء الاشواق وقسوة الانتظار وما يرافقه من اشجان وحسرات وهوس العناق عند التقاء الاحبة مع بعضهم بعد (حفنة) من السنين المضنية.
ترى ما هو شعور الام عندما تفارق اولادها واية عقوبة في العالم اكثر سوءاً من هذا الهبوط في ينابيع الحسرات والآلام وأية سواقٍ من الدموع تمتطي الحدود وضراوة الاحزان في تعاملها مع فراق الاحبة لبعضهم وهم يعيشون حالة رهيبة من التأزم والوهن العاطفي.
قبل ايام قرأت في طريق الشعب الغالية مقالا او حدثاً رهيباً بين السطور، رواها قلم ذكي لم يتصرف على هواه بل نقل المشاعر باسلوب جميل هادئ يتعالى ويسمو بصمت رائع على الصدور ويترنم باصوات متنوعة ويسرد قصة روزا وامها، تحت عنوان " لأجل عيون روزا ".
تبدأ القصة بأب بعيد عن اسرته وهو شيوعي محكوم بالاعدام من قبل النظام الدكتاتوري المنهار مشتاق لزوجته وابنته الحبيبة روزا. وتتناول القصة كيف تطوع الكاتب الشهم المتدفق حماساً وغبطة لجلب السعادة لرفيق له يعيش في رحاب الاشتياق لاسرته المبعدة عنه وحنينه اليها.. لغة سليمة طافحة بالمشاعر الجياشة ووصف دقيق لاحدى الصفحات المضيئة التي سجلها رفاق الطريق. المناضلون الذين يتعايشون مع رفاقهم ويتلمسون مشاعرهم ويقومون باعمال باهرة نقية في منتهى الشجاعة والشرف والطقوس الرفاقية العظيمة حيث يضعون انفسهم تحت طائلة السياط والخناجر من اجل ان يضعوا ابتسامة طيبة على وجوه التضحية واستعدادهم الجسور لتحمل كافة الاعباء والمصائب من اجل ذلك.
لقد ابدع الرفيق ضياء حميو في رسم الصورة المشرقة للرحلة الصعبة التي قام بها وقطع مئات الكيلومترات ليصل من شمال العراق الى الناصرية حيث تقطن زوجة رفيقه وابنتها. واستبدل الهويات وتحدى نقاط الشرطة والمخابرات واستبدل الملابس حسب الحالة المطلوبة والوضع الاجتماعي السائد ولم يرتجف ولم يرتعش له جفن. كما لم يبخل بجهوده في تحقيق احلام والدة الزوجة التي رغبت في زيارة مرقد الامام موسى الكاظم في الكاظمية وفي كربلاء والنجف الاشرف حيث تمت زيارة الامام علي والحسين الشهيد. وكان حذراً وفي منتهى الذكاء عندما كان يتجاوز نقاط التفتيش وعيون المخابرات المتعطشة لدماء الشيوعيين وكل من لا يؤيد حكمهم الدكتاتوري وتسلطهم على الشعب العراقي طيلة اربعين عاماً عاشها الشعب تحت السياط والقبور الجماعية والسجون المرعبة والاساليب الطافحة بالوحشية والنذالة.
لقد كانت التفاصيل تومئ الى قلم روائي مقتدر على التعبير يقتنص زوايا ضيقة يدخلها بذكاء وباسلوب مرن وعواطف بريئة صامتة، بعيدة المدى عميقة الاثر تزرع الشوق وتناهض العقبات وتتحاور بلغة سليمة رقيقة في المواضع التي تستلزم ذلك. وطبيعية جدا في الانتقالات من محور الى آخر من دون ضجيج وافتعالات غير مرتقبة. ولعل اجمل ما في الموضوع هو هذا السرد الذكي للحوادث واللقطات الصغيرة، لما كان يجري على الساحة من توهجات والحرص على اجتياز المصاعب وانقاذ اسرة بكاملها. وربما كان يترتب على ذلك عقوبات قاسية ومواجع لا حدود لها وفضح امور ربما كانت تتعلق بالتنظيم وفضح خطوط حزبية وبالتالي السقوط في بحر الكوارث لاسباب عاطفية ذات ابعاد انسانية واشواق تتحدى الظروف اللا طبيعية.
ان هذه القصة الرائعة وما جرى خلالها وعبر سطورها من وقائع تؤكد على ان تاريخ المناضلين يضج بالوقائع الساخنة والأعمال البطولية والاحاسيس الذكية المرهفة، وهي بحاجة الى تسجيل وتدوين ومتابعة لانها امجاد الحزب وبطولات اعضائه ومن يحيط بهم وحولهم. وهي باقة ملونة من الجهود الغنية والمواقف الجريئة والانطلاقات المهيبة والجرأة التي لا تعرف حدوداً ولا تخضع لظروف قاسية وصعبة.
انها دعوة إلى تسجيل ذلك ومن ثم تقديمه على طبق وردي الى الاجيال القادمة لتتعلم وتتباهى وترافق مسيرة الايام الصعبة حتى تحقيق الانتصار الكبير والاحلام العظيمة. تحية لكاتب سيرة خمسة ايام وهو يقوم باعمال بطولية من اجل " عيون روزا ".