فضاءات

الرفيق العزيز أبو عدنان وداعا / ناصر حسين

ودعنا الرفيق الغالي الشيخ حسين كريم عواد وداعه الاخير وكانت خسارتنا كبيرة فقد امضى السنين الطوال رمزا بارزا من رموز منظمة حزبنا الشيوعي العراقي في محافظة كربلاء .
كنت التقيه في الفعاليات الحزبية التي تنظمها لجنة منطقة الفرات الاوسط للحزب قبل انقلاب السابع عشر من تموز 1968 واستمرت لقاءاتنا بعد الانقلاب وكان مساهما نشطا في تلك الفعاليات.
في احداها، وكانت مخصصة لدراسة مشروع قانون جديد للإصلاح الزراعي يحل محل القانون رقم 30 للعام 1958 الذي اصدرته حكومة ثورة تموز في الثلاثين من ايلول 1958، والذي نص على تحديد الحد الاعلى للملكية بألف دونم في الاراضي المروية والفي دونم في الاراضي الديمية، وكان الرفيق ابو عدنان حاضرا عن منظمة كربلاء هو والرفيق كاظم ناصر الداود (ابو تحرير) ورفيق ثالث، عرضوا على الاجتماع المطالبة بان يتضمن القانون الجديد الذي نقترحه حلا لمشكلة البستنة التي لم يعالجها القانون رقم 30، وقد عولجت في القانون رقم 117 للعام 1970 حيث نصت على ان يكون الغارس مالكا للنصف في الارض والشجر، تماما مثلما عرض الرفاق ابو عدنان وابو تحرير ورفيقهما الثالث والذين يعود لهم الفضل بالنسبة لي في ان اتعرف وبالتفصيل على مشكلة البستنة في العراق وكيفية معالجتها وخصوصية ناحية الحسينية في محافظة كربلاء كونها منطقة بستنة. عام 1977قررت لجنة منطقة الفرات الاوسط للحزب وسكرتارية اللجنة المركزية ان اغادر منظمة محافظة الديوانية والتحق بمحلية كربلاء للحزب كسكرتير لها وكان الرفيق ابو عدنان عضوا فيها وسكرتيرا لمنظمة الحزب في ناحية الحسينية وكان ذلك فرصة لي للتعرف اكثر عليه وبداية لرفقة حميمية بيننا لم تنقطع عراها حتى آخر يوم في حياته، رفقة اربعين عاما كاملة ذقنا سوية حلوها ومرها.
واذا كانت اجهزة امن المقبور صدام قد اعتقلت زوجتي ام سعد الشهيدة فوزية محمد هادي عباس عام 1985 واعدمتها في سجن ابو غريب عام 1986 ودفنتها في المقبرة السرية للأمن في خان ضاري بعد ان اصدر المقبور عواد البندر قراره بإعدامها هي والشهيدة رسمية جبر الوزني والشهيد حسين محمود عوض واختطفوا ولدي سعد عام 1989 وكان آنذاك في الرابعة عشرة من عمره وعذبوه وسببوا له عوقا دائميا فقد قامت باختطاف ولده الشاب الرفيق نزار واعتقال شقيقه الرفيق علي كريم عواد واعدامهما.
الرفيق ابو عدنان اعتقل في الشهر العاشر من العام 1978 من قبل امن محافظة كربلاء ضمن هجمة بوليسية على منظمتي حزبنا في قضاء الهندية وناحية الحسينية.
وهو معتقل لدى امن كربلاء راجعناهم من خلال الرفيق ممثل المنظمة في لجنة الجبهة الشهيد علي محمد النوري، وتحدثت انا شخصيا معهم عندما قاموا بزيارة لمقرنا بمناسبة العيد خلال الشهر العاشر نفسه حول اعتقاله فادعوا كذبا بأنه محتجز بأمر من المحافظ عن قضية ادارية – وهو كان موظفا في الادارة المحلية آنذاك – وعندما طالبناهم بالسماح لنا بمقابلته في الموقف وايصال ملابس له وبعض الادوية – فهو كان يعاني من مرض الربو رفضوا رفضا قاطعا مطلبنا، كأنما كانوا يريدون له الموت بسبب المرض وانقطاع الادوية عنه.
بعد بقائه فترة لديهم نقل الى الامن العامة ومن ثم اطلق سراحه وهو معتقل ايضا اتصل بنا نجله الشاب نزار وطلب قبوله عضوا في صفوف الحزب وكما قال في حينه ((انا بديل عن والدي)) وان ((راية الشيوعية لن تسقط من بيت ابو عدنان)).
رحبنا به وقبلنا طلبه بكل سرور واتذكر اننا وقعنا على استمارة ترشيحه انا والرفيق احمد هادي سعود. احمد المرشح وانا المزكي.
نزار نجم ساطع بزغ في سماء حزبنا وسرعان ما اختطفه الجلادون حينما كان يحاول مع مجموعة من رفاق حزبنا من شباب الصلامية في ثمانينات القرن الماضي الوصول الى كردستان للالتحاق بالبيشمركة الشيوعيين واعدموا واخفيت جثثهم حتى الان.
ليلة الحادي والثلاثين من آذار 1979 وكنت وقتها مختفيا في بستان الرفيق احمد هادي سعود في الصلامية سهرنا نحن الثلاثة وكان ثالثنا الرفيق ابو عدنان محتفين بالذكرى الخامسة والاربعين لتأسيس حزبنا وقتها علم بأنني سأغادر الى بغداد لتفقد رفاق منظمة كربلاء الذين غادروا كربلاء واستقروا في بغداد وفي المقدمة منهم رفاق المحلية مقداد الصافي وابو جمال وبشرى الحكيم واجراء بعض الفحوصات الطبية فحدد لي موعدا من اجل ايصالي بسيارته الى بغداد واوصلني الى بغداد فعلا واخذ على عاتقه مهمة ايصال بريد الحزب الى كربلاء تلك المهمة الشاقة التي كان يقوم بها الرفيق الشهيد باقر طاهر الذي غادر كربلاء للاختفاء في بغداد – الشهيد باقر هو ابن خالة شهيد الحزب قيود كاظم جاسم.
هذه المهمة التي نهض بها الرفيق ابو عدنان، نهض بها في تسعينيات القرن الماضي وحتى سقوط نظام صدام حسين ومن كردستان هذه المرة حيث كلف الشهيد سعدون محمد احد رفاق منظمة بعشيقة بإيصال البريد الحزبي الى منظمة كربلاء من خلال الرفيق ابو عدنان. ويسرني ان اعلن هنا ان امن المقبور صدام لم يستطع القضاء على منظمة حزبنا في محافظة كربلاء رغم كل الوحشية التي تعاملوا بها معها. لم تستطع لا اعتقالهم ولا اعدامهم رفيقات ورفاق من المنظمة ان تفل عزيمة الرفاق وتمسكهم بحزبهم وقضية شعبهم ونضاله ضد الفاشية الصدامية.
لقد استشهد من رفيقات منظمة كربلاء الرفيقة رسمية جبر الوزني (ام لينا)، والرفيقة رضية السعداوي (من طويريج) والرفيقة ماجدة عبد الكريم (ام اثير) التي اعدمت هي وشقيقها الشهيد علي عبد الكريم.
كما استشهد الكثير من رفاق المنظمة واذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر الشهداء علي محمد النوري – عضو لجنة منطقة الفرات – فاضل محمد علي، عبودي، كريم معارج، حسن محمد علي، عضو المحلية احمد عبد الحسين الزبيدي الذي اعدم هو وشقيقه، علي عبد الكريم، نزار حسين كريم عواد الذي اعدم هو وعمه الشهيد علي كريم عواد.
حكى لي الرفيق ابو عدنان ذات يوم ان الرفيق الذي امن لهم الصلة مع الحزب كما ذكرت عندما علم باستشهاد نزار ورزق بمولود جديد اسماه نزار. وهكذا فعندما نتذكر نزار الشهيد نذكر ايضا ان لدينا في بعشيقة شابا اسمه نزار تخليدا لاستشهاد نزار حسين كريم عواد تماما مثلما يوجد لدينا في مدينة الحي في محافظة واسط رجل اسمه عطا علي الشيخ حمود سمي بهذا الاسم بتوصية من الشهيد علي الشيخ حمود تخليدا لاستشهاد الرفيق عطا مهدي الدباس الذي اعدم مع الشهيد علي الشيخ حمود انتقاما منهما لقيادتهما انتفاضة مدينة الحي الباسلة عام 1956.
في احدى زياراتي للرفيق الفقيد ابو عدنان سألته عن الاسم كريم عواد الذي يرد في مؤلفات بعض الكتاب عن ثورة العشرين على انه احد قادة ثورة العشرين في مدينة كربلاء وهل المقصود والده الشيخ كريم عواد المسعودي ؟
اجابني بالنفي وان الامر تشابه اسماء. فكريم عواد المذكور هو من وجهاء مدينة كربلاء وكان دوره القيادي داخل المدينة اما والده الشيخ كريم عواد المسعودي فكان دوره في الريف بين ثوار عشائر الحسينية. وهكذا نجد ان بين قادة ثوار العشرين في كربلاء ثائرين بالاسم كريم عواد وليس ثائرا واحدا، احدهما في المدينة والاخر في الريف تماما مثلما حصل في لواء الديوانية وفي منطقة الرميثة بالذات حيث قيادة الشيخ شعلان ابو الجون – القائد الرمز – اما القائد الميداني للمقاتلين بين الرميثة والسوير فكان السيد هادي آل مكوطر الذي خلده احد الشعراء الشعبيين – المهوال – بهوسته المعروفة التي قسم فيها الجّنة الى ثلثين للسيد هادي والثلث الاخر للشيخ احمد البرزاني ((ثلثين الجنة الهادينة او ثلث الكاكة احمد واولاده)).
ليلة العيد الذي اعدم فيه المقبور صدام كنت مع سعد في ضيافة الرفيق الشيخ ابو عدنان. وفي الثانية عشرة ليلا بدأت الفضائيات تشير الى احتمال اعدام صدام تلك الليلة.
سهرنا نتابع الفضائيات حول ذلك ولم انم وانا متأكد من ان الطاغية سيعدم فعلا تلك الليلة الا بعد ان نشر تصريح وزارة الخارجية البريطانية في الساعة الثانية بعد منتصف الليل من ان صدام سلم من قبل الامريكان الى العراقيين قبل خمسة دقائق فقط.
صباحا نهضنا من النوم انا والشيخ حسين كريم عواد والد الشهيد نزار واخ الشهيد علي والذي فقد ولده البكر عدنان في احدى معارك الطاغية المجنونة على صوت الاطلاقات النارية احتفاءً بإعدام الطاغية فتناول ابو عدنان رشاشته الكلاشنكوف واطلق ثلاثين اطلاقة تماما مثلما فعل شقيقه طارق. وانتقلنا الى دار ابن شقيقته الرفيق ابو خلدون ومنها اتصلت تلفونيا بإذاعة الديوانية لأقدم للعاملين في الاذاعة ولجماهير الديوانية التهاني بالعيد وبإعدام طاغية العصر صدام حسين.
والان وقد ودعنا الرفيق الشيخ حسين كريم عواد وداعه الابدي فأنه ترك بيننا الكثير من الذكريات واسرة كريمة وارثا تاريخيا من نضال مستديم تحت راية الحزب الشيوعي العراقي.
فالمجد للرفيق الراحل الشيخ حسين كريم عواد.
والتعازي الحارة لرفاقه في منظمة كربلاء ولأسرته الكريمة وفي المقدمة الاخت ام عدنان وتعازيي الحارة لشقيقه طارق وولده غسان وحفيده قحطان وابناء شقيقته الرفاق ابو حازم وابو خلدون.
التعازي الحارة للجميع رجالا ونساءً.