فضاءات

العميل الذي كان طليقا / ئاشتي

يبدو الأمر غاية في السذاجة حين تعرف أن الشخص الذي أرسلته السلطة ليندس في الحركة المسلحة وتتركه طليقا، يأكل مع الرفاق وينام في مهجعهم وفي النهار يلعب معهم الشطرنج، وليس هناك من أجراء احترازي بحقه، هل هي الغفلة أم الركون إلى منح الأخر الذي ورطته السلطة بالاندساس فرصة لعل ضميره يصحو من جديد ويعود إلى حالته الأولى قبل أن يتورط في عمالته للسلطة، ويبدو أن الثوريين حين يغفلون بديهية هي في حقيقتها من بديهيات الهندسة المستوية (أن الفرضيات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة) يرتكبون الخطأ القاتل، أو الخطأ الذي يؤدي إلى جهنم .
ففي أجواء انحسار الأخبار عما يجري من تغيرات في مجتمعنا، وعن أخبار السلطة وتطوراتها على مستوى الشارع ، كنا بحاجة إلى أن نستمع حتى إلى الاحاديث الساذجة التي ينقلها بعض القرويين، فكيف بقادم كان شيوعيا ويعترف من أن السلطة أرسلته لكي يغتال فلانا وفلانا؟ وهذا يعني انه يفتح طريقا لمنحه الثقة حتى وأن كانت بشكل جزئ، كل ذلك كان يجري في لشهر التاسع من عام 1980 في (كَلي كوماته) حيث عاد نصير اسمه نبيل بعد أن سلم نفسه إلى السلطة ومن ضمن الأخبار التي جاء بها من أن السلطة سوف ترسل عميلا اسمه إسماعيل، لكي قوم باغتيال بعض الرفاق في قاعدة كوماته، وبالفعل بعد فترة قصيرة ألتحق إسماعيل هذا والذي كان عضوا في الحزب وتابعا إلى محلية الموصل يعيش ويعمل في قضاء الشيخان رغم أنه من سنجار، كان جنديا قبل الحرب العراقية الإيرانية ولكنه كان يتردد على مقر الحزب في الموصل رغم الخطر الذي يسببه هذا التردد في ظل تردي الأوضاع السياسية حينذاك.
كان يعيش في الفصيل الذي يقع على نهر الخابور، ويبدو أن قيادة القاعدة قد كلفت البعض بمراقبة تصرفاته، وقد تقرر عدم تسليحه أو تكليفه بمهام الحراسة لأنه شبه سجين، ولكنه كان حرا طليقا بكل تصرفاته، في هذ ا الشهر انخفض منسوب نهر الخابور لهذا وضع رفاق الفصيل جذوع الأشجار للعبور إلى الجهة الأخرى من النهر، وبما أن الشتاء لا يرحم في هذا الوادي لهذا قرر الرفاق جمع أكبر كمية من الحطب تفاديا لشتاء قادم، وبالفعل عبروا إلى الجهة الأخرى من نهر الخابور وأخذوا معهم شبه السجين إسماعيل، وانسجاما مع إنسانيتهم قاموا هم بقطع الأشجار بعد أن علقوا بنادقهم على غصن أحدى الأشجار، فما كان من أسماعيل غير أن يعلق بندقية برقبته والأخرى يفتح نيرانها على الرفاق بأكثر من رشقة فيصيب أحدهم بساقه ويهرب، والعادة أن الخائف يملك سيقانا أخرى للركض فلم يلحق به أحد رغم أن مجموعة من الرفاق راحت تبحث عنه في المناطق القريبة من مواقع ربايا السلطة. إلا أنه أختفى تماما، ويبدو أن السلطة استفادت من خبرته في هذا المجال، فذهب ليعمل مع مجموعة (أبو مدين) التابع لقيادة قطر العراق، وبعد أن انكشف أمره قاموا بقتله.