فضاءات

قانون الحماية من العنف الأسري في العراق / محمد المنصور

استضافت جمعية المرأة العراقية في ستوكهولم، ونادي 14 تموز الديمقراطي العراقي في ستوكهولم، يوم 12/ 9/ 2016، بالتعاون مع مؤسسة (ABF)، الأستاذ الدكتور رياض البلداوي الطبيب الإستشاري والباحث المتخصص بعلم النفس، والباحث في المشاكل الأسرية وسط المهاجرين، للحديث عن "مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في العراق، بين متطلبات التطور الإنساني والاجتماعي، وتجاذبات السياسة والتقاليد الاجتماعية والثقافية الذكورية"، وقد أدار الأمسية التي حضرها جمهور مهتم بحقوق المرأة والطفولة، ومتابع إلى قضايا العنف الأسري، الدكتور طالب النداف، وكان من ضمن الحاضرين الدكتور صالح ياس عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ياسر وسفير جمهورية العراق في السويد الأستاذ بكر فتاح حسين، والأستاذ هشام الذهبي مدير البيت العراقي للإبداع.
تحدث الدكتور رياض البلداوي في هذه الأمسية عن الوثائق والإتفاقيات التي تحرم العنف الأسري، حيث كان العديد من دول العالم قبل عام (1990)، يفتقر إلى قوانين تحمي الأسرة من العقاب المنزلي، ويحرم العنف ضد المرأة والأطفال في الأسرة، حتى أصدرت الأمم المتحدة عام (1993) وثيقة أكدت فيها على الدول الأعضاء، اعتبار العنف الأسري جريمة وطالبت بسن قوانين لتجريمه، ومن هنا أصبح واضحاً أن الحرية في العائلة لا تعني أضطهاد أحد أفرادها، ولكن، ومع شديد الأسف، مازال العقاب الجسدي للأطفال مسموحاً به، وبدرجات مختلفة كجزء من التربية في الكثير من دول العالم، وكذلك ضرب وإهانة الزوجة مازالت لا تعتبر جريمة في بعض البلدان، بحجة أن بعض النساء هن السبب لأستثارتهن الرجال لضربهن.
اتفاقية استنبول
يرى الدكتور البلداوي أن هذه الإتفاقية هي الإتفاقية الملزمة الأولى في كل أوربا في تحريم العنف الأسري والعنف ضد المرأة والأطفال، التي أبرمت في استنبول في (11 / 5 / 2011)، ووضعت حداً للتذبذب والتسامح في بعض القوانين حول هذه الظاهرة، منها ما يحدث من عنف بين الزوجين في العلاقة الجنسية، أو الإجبار على ممارسة الجنس عندما يرفض الطرف الآخر، وقد صنف هذا السلوك في الإتفاقية ضمن إطار الإغتصاب، واحتلت جرائم الشرف موقعاً متميزاً في العنف الأسري، وكذلك الجرائم ضد الأطفال، وقد دخلت إتفاقية استنبول حيز التنفذيذ في (14 / 4 / 2016)، بعد أن وقعت عليها تركيا أولاً، ومن ثم (21) دولة أوربية ليصل مجموع الدول الموقعة عليها (42) دولة، وأصبحت تسمى في المجلس الأوربي (إتفاقية الحماية والحد من العنف ضد النساء والعنف السري).
تعتبر ظاهرة العنف الأسري ظاهرة عالمية، فهي موجودة في كل دول العالم على اختلاف عاداتها وتقاليدها وثقافاتها، فقد حرمت بعض الدول هذه الظاهرة وسنت قوانين صارمة للحد منها، ووضعت عقوبات شديدة على مرتكبيها، واعتبرتها دول أخرى ظاهرة غير صحيحة ونصحت بالحماية منها ونظمت بعض الفعاليات الاجتماعية للحد منها، في حين اعتبرتها بعض الدول ظاهرة خاصة، وليس من حقها أن تتدخل في شؤون العائلة، وإن النظرة القانونية لهذه الظاهرة مهمة جداً، لأنها تضع الضوابط للحد منها، وتضع الدولة والمجتمع أمام مسؤولياتهم.
أنواع العنف الأسري
توقف الدكتور البلداوي عند أنواع العنف الذي لا يعني فقط الضرب والاعتداء الجسدي، وإنما أيضاً العنف (النفسي، الجنسي، الاجتماعي، الاقتصادي والمادي)، فالعنف الجسدي: هو العنف الأكثر شيوعاً، لأن دلالاته واضحة، ولكن بالتأكيد هناك أنواع أخرى من العنف لا تقل تأثيراً عنه، مثل العنف النفسي: الذي يشمل كل المحاولات لإحباط الآخر والإقلال من أهميته وإهانته المتكررة، أما العنف الجنسي: فقد تداخلت فيه الكثير من الأمور مثل: الهجر وعدم التقرب، الإزدراء والتهكم على التغيرات الفسيولوجية واستغلالها للحط من قدر الشريك، والعنف هنا يكمن بالإمتناع والإبتعاد، أو الإجبار على الفعل الجنسي رغم عدم توفر الرغبة لدى الآخر، ويأتي بعده العنف الإجتماعي: الذي تقوم به المجموعة من عزل واضطهاد وازدراء اجتماعي، وأخيراً العنف الاقتصادي والمادي: وهو العنف الذي يمارس ضمن إطار العائلة.
إن أكثر العنف الأسري يقوم به الرجل باتجاه زوجته وأطفاله، وهذا العنف غالباً ما يكون محاطاً بهالة من الحصانة الاجتماعية والثقافية، التي تدفع بالرجل لممارسة هذا النوع من العنف، وهناك بعض الحالات يكون فيها العنف موجهاً من المرأة (الشريكة) تجاه شريكها الرجل، وهي حالات محدودة لكن تأثيراتها كبيرة، كما أن هناك عنف يمارس من قبل المراهقين ضد صديقاتهم وأمهاتهم ويؤدي إلى نتائج نفسية وجسدية واضحة،
إن العنف الأسري يؤثر تأثيراً مباشراً على كل أفراد العائلة، ولذلك فأن الدول التي تجرم العنف بقوانينها أصبحت تجرم تعرض الأطفال إلى العنف غير المباشر، أي عندما يقوم الأب بضرب الأم بوجود الأطفال، فيصبح الجرم مضاعفاً (حتى وإن لم يكن الأطفال جزءاً منه)، لأنه يصيبهم بالضرر.
منظومة السلطة الأبوية الذكورية في الشرق الأوسط
فيما يتعلق بالشرق الأوسط سلط الدكتور البلداوي الضوء على القوانين التي ما تزال لا تمس منظومة السلطة الأبوية في الصميم، فهي إن وجدت لا تتعدى حدود الإطار الهش فقط، فهناك قوانين تمنع المرأة المطلقة من الحصول على حق رعاية الأطفال، وهناك دول لا تزال فيها المرأة المتزوجة غير قادرة على الطلاق بالقانون، فالطلاق هو حق للرجل فقط ضمن منظومة السلطة الأبوية، وهناك دول أعطت بعض الحق للمرأة بأن تخلع الرجل إن أرادت، لكنها وضعت قيوداً كثيرة ومجحفة تحرمها في حالة الخلع من رعاية الأطفال، وكذلك من الحقوق المثبتة في عقد الزواج (المؤخر)، مما يجعلها غير قادرة على إعالة نفسها فتضطر إلى الأستسلام والرضوخ إلى الأمر الواقع، وهنا يبرز دور المجتمع والدولة في الحفاظ على حقوق المرأة وصيانتها من الضياع المادي والاجتماعي، في سن قانون يكفل حمايتها ويساعدها في استعادة دورها الطبيعي في المجتمع.
والعنف في المنظومة الأبوية يؤدي إلى تنازل المجموعة عن حقوقها واعطائها إلى الأب ليكون (الآمر الناهي)، وبهذا يفقد الأب صفته كزوج يتساوى في الحقوق مع زوجته، وأب عليه مسؤوليات تجاه أبنائه، ويتصف بحق التملك في إدارة وتمثيل العائلة بكل شيء، والتملك من الصفات المهمة في تركيبة السلطة الأبوية، وهو يعود إلى زمن سلطة (الإقطاع) في العلاقات الإجتماعية الاقتصادية، وهذا النمط من العلاقات يضع المرأة ضمن إطار الطاعة للقواعد وللمجموعة، حتى وإن كانت المرأة أكثر أهلية من الزوج في إدارة العائلة وتمثيلها، وهذا بخلاف القوانين المدنية المتطورة، التي أعطت الحق للزوجين اقتسام كل موارد وممتلكات العائلة حتى بعد الطلاق.
مقترح قانون الحماية من العنف الأسري في العراق
كان من المفترض أن يبدأ العراق بعد عام (2013)، بإعطاء هذا الموضوع أهمية قصوى كما يرى الدكتور البلداوي، ولكن غلبة السلطة الذكورية في القرار السياسي، جعلت من هذه القوانين التي تنظم وتحفظ حقوق الأسرة والمرأة مهملة ومنسية، وإن اقتراح هذا القانون هو خطوة جيدة وجريئة ومهمة، لما سيكون له من أثر كبير على حياة الأسرة، لكنه ومنذ خمس سنوات مازال مقترح قانون فقط ولم يقر حتى هذه اللحظة، وكان العراق من الدول السباقة في الشرق الأوسط في تغير قواعد السلطة الأبوية الذكورية في الأسرة، عندما سن قانون الأحوال المدنية عام (1959)، الذي أعطى فيه – لأول مرة في الشرق الأوسط – الحقوق الكاملة للمرأة العراقية في الميراث والطلاق.
ترتفع اليوم أصوات معارضة حول هذا القانون المقترح، وهي ترى أنه سيمكن المرأة من أن تكون ضد الرجل، والسؤال هنا، لماذا يفهم أن حق المرأة على أنه ضد الرجل أو موجه ضد أي أحد، فالرجال لديهم حقوق والنساء بنفس المستوى في المجتمع المدني، الذي يقوم على أساس المساواة بين الأعضاء دون الأخذ بنظر الإعتبار الجنس والدين والعرق، وإذا أخذنا بهذه الفرضية أساساً، فلن يكون هناك تخوف (من أن تسيطر النساء على الرجال) والسؤال هنا أيضاً، منْ من الرجال الذين يخافون سيطرة النساء؟ باعتقادنا هم الرجال الذين ليس لديهم شخصية مقنعة، ولهذا يتخذون من ستار التقاليد والنظام الاجتماعي الداعم لدورهم، حجة لتغطية النقص لديهم.
وقد تناول الدكتور البلداوي إشكالية العنف في الأسرة عموماً وفي العراق خصوصاً، وخلفياتها الاجتماعية والثقافية، وتأثيراتها النفسية على تطور الإنسان وخصوصاً الأطفال، وأهمية الإسراع في إقرار قانون لحماية المرأة من العنف الأسري في العراق، شاركه جمهور الحاضرين في حوار هادف، الرأي في الإسراع لسن قانون لمناهضة العنف الأسري، بوصفه ظاهرة لا إنسانية ومتفاقمة، ووضع العراق في إطار متطلبات التطور والحفاظ على حقوق الإنسان، كحاجة اَنية وملحة لمثل هذا القانون، لأن العنف الأسري لا ينتج فقط من الأسرة وتركيبتها، وإنما يكون في الغالب نتاجاً لمنظومة من العلاقات الاجتماعية والثقافية والعادات المتوارثة، التي تؤثر على العلاقات العائلية وتركيبتها، وقد صبت جميع المداخلات في هذا الاتجاه، السفير العراقي بكر فتاح أشار الى ان المحاضرة سلطت الضوء على أحدى أهم المشاكل المعقدة التي نعيشها ونتألم منها في العراق، وهي العنف الأسري، وغياب مشاركة المرأة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وأنا أعتقد طالما ليس للمرأة حضور قوي وفعال في العملية السياسية، لا يمكن أن تتحقق التنمية المستدامة ولا نرى الاستقرار والسلم الاجتماعي، فكيف لبلد أن يتقدم ونصف مجتمعه مغيب؟، وقوانينه المشرعة لا تؤمن بالمساوات بين المرأة والرجل ولا تحترم حقوق الإنسان، لكننا نتمسك بالأمل وأخر شيء يمكن أن نفقده هو الأمل، لدينا أمل كبير في تشريع قوانين تنصف المرأة وتحقق طموحات أبناء الشعب، وهذا مرتبط بنضالنا ضد الإرهاب ومنظمات القتل الظلامية، وأنا على يقين بأننا سننتصر ونخرج من هذه الأزمة، ويستقر الوضع السياسية والاقتصادي ويزدهر بلدنا من جديد. الأستاذ حازم القوشي أشار الى هناك بعض النساء في أوربا وفي السويد على وجه الخصوص، يستغلن القوانين المشرعة ضد العنف الأسري لصالحهن، ويدعين كذباً ضد أزواجهن، لكي يحصلن على بعض التعويضات وهن لا يستحقنها، ومن المؤسف أن المحاكم في هذه البلدان عادة ما تكون إلى جانبهن، خصوصاً إذا كانت هذه النساء من الشرق الأوسط، وهناك مسألة أخرى أود أن ألفت النظر إليها، فنحن دائما نركز على العنف الجنسي ضد المرأة، لكننا لم نتوقف أبداً عند العنف الجنسي ضد الرجل، خصوصاً في بلدان الأمريكيتين ودول أوربا. الدكتور كاظم المقدادي فال في مداخلته، إن إثارة هذا الموضوع يتطلب منا عملاً كبيراً ينتظرنا، لا سيما وأن الجبهة التي يجب أن نناضل ضدها، هي جبهة كبيرة وواسعة وتمتلك الكثير مما لا نمتلكه، يضاف لها الجهل المتمثل في (60%) من العراقيات يقفن إلى جانب سلطة الرجل، ومهمة النضال تقتضي مراعاة هذا الجانب ومعرفة من هي القوى التي تقف ضد تشريع هذا القانون، المطروح منذ عام (2011) من قبل رابطة المرأة العراقية، التي استطاعت بنضالها الحثيث والمثابر، أن تؤثر على لجنة الأمومة والطفولة في البرلمان، لتبني هذا المشروع وطرحه على البرلمان وقد رفض مرات عديدة، فمن هم أصحاب المصلحة الحقيقية ببقاء المرأة العراقية محرومة من حقوقها؟، ومن هم من أعادوا المرأة ستين عاماً إلى الوراء عندما كانت تتمتع بحقوقها؟. أما الدكتور صالح ياسر فقدد اشار الى ان المحاضرة تناولت قضية بالغة التعقيد ، ومما يثير الانتباه ما جاء في القسم الأول من المحاضرة، وهو النص باللغة الإنكليزية المأخوذ من دورية أمريكية، والذي تناول العنف بشكل عام بعيدأ عن الظروف الاجتماعية الاقتصادية ويرتبط بمفهوم المراقبة، وأنا أعتقد أن هناك عدة مقاربات منها النفسية والفلسفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ..ألخ، ويرى الدكتور صالح أن مفهوم القوة هو الأساس وليس مفهوم المراقبة فقط، وإن نسب النساء المدافعات عن سلطة الرجل في دولنا المتخلفة، مرتبطة بالنظام الذكوري الأبوي (البطرياركي) المتوارث في مجتمعاتنا، الذي يصف المرأة بأنها (ربة بيت) وتبقى هذه الصفة في الذاكرة الجمعية هي وظيفة المرأة فقط.
إن ما قدمه الأستاذ الدكتور رياض البلدواي من معلومات قيمة في هذه المحاضرة، والإضافات الهامة التي تطرق إليها المتداخلون، تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا أفراداً وجماعات ومنظمات مجتمع مدني، إلى جانب المهتمين بقضايا المرأة والطفولة، بمطالبة المعنيين وأصحاب القرار في كافة مؤسسات الدولة العراقية، بإنقاذ الأسرة العراقية وحماية أفرادها من مظاهر العنف الأسري والعنف المنزلي، وقد بات من المؤسف وضع المرأة في ظل العراق (الجديد)، أسوء مما كان عليه في ظل النظام الدكتاتوري البائد، وأصبح لزاماً على البرلمان العراقي، تشريع قانون جديد للأحوال الشخصية في العراق، ينصف المرأة ويرعى الطفولة ويوفر الحماية للأسرة كلها.