فضاءات

مهدي صديقي ... / سعدي ثجيل

مهدي دائماً يذكر إسمي أمام عائلته، والده المرحوم حمد يملك بيتاً وسياره تيوتا بيكب، وزعتها الشركة العامه للسيارات للفلاحين آنذاك للخدمات الزراعية، مقابل مبالغ معتدلة وبالتقسيط المريح ، وجميع أفراد العائله يسكنون معه في بيت واحد. جاء أبو مهدي من العزيزية إلى بغداد في زياره لكي يراني عن قرب، لكي يطمئن على أصدقاء ولده! وبعد أن قضينا بعض الوقت، بارك والده صداقتنا الجديدة .
مهدي طنگيره، مغضب، ومضهضب دائماً! وهو لا يؤدي تحية الصباح لمن معه في حضيرته، فكلمة صباح الخير غير موجوده في قاموسه، ولم أسمعها منه طيلة فترة صداقتنا الممتده لأكثر من ثلاثين عام، وقد تعودتُ على ذلك .
وفي أحد الأيام جئت في سيارتي لإصطحابه من باب بيتهم في العزيزية إلى البصرة، ففتح باب السيارة وجلس بقربي، دون أن يصبحني، أو يحييني، وكانت والدته تنظر له حينها وقالت لي :- يُمَـه دير بالك على أخوك مهدي، وإنت تعرفه هو صاحبك دومه مضهضب، هاي من جبته لليوم! الله يساعدك يمه إشلون متحمله؟ هسه يمهدي يُـمَـه هذا صاحبك، ومتعنيك لباب بيتك، وبسيارته وما تصابحه ولا تحاچيه؟

ونزلت دموعه على خديه وهو يردد وبصوت فيه الكثير من ألحسره والألم ، بأولاده، وبعياله، شنهي الذنب المسوينه؟ إشسوينه عندك يَرَبّيْ ؟
بالله واحد عايف إمه وأبوه ورايح للحرب؟! شنهي إلنه بيها ؟ جير بسامير؟ ناقه جمل؟ رايحين للساتر وتعتبين إعليه يِمـٓه ؟! هوه آنه تدرين وين رايح يَــيُـمه؟ ما معلوم أرجع وأشوفج بعد ؟ أشوف إبوي؟ أشوف إخوتي وعيال بيتي؟! سبحانك ربي حلمك ٤٠ عام !
قررت أن أكون ساكتاً فقطعتُ الكثير من المسافات، حتى وصلنا إلى قضاء المجر ( ألِّلـطْــلاطه)، وحينها تبسم صاحبي وقال :- چا آنه عِـديتك؟ شو إنت اليوم هـَـمْ جنك إمطنگر مثلي! فضحكتُ وضحكناً معاً .
لمهدي مواقف أتذكرها، ولن أنساها أبداً.
كانت سيارة حانوت وحدتنا العسكرية يجب أن تصل إلى المتقدم في معركه الفاو، ولكن مهدي كان ينزلني منها قسراً وهو يقول:- أبو رام أنت إنزل، وآنا أروح بمكانك! فأُقاومه خجلاً منه! ولكنه يصر ويقول:- أبو رام فديوه رحتلك، لا تشلع گلبي ! إنت رجال وِحِـيْـدْ لعيالك، وأخاف عليك لا تفطس! يمعود وانتم ألصبه حتى ماعدكم شهيد وتدخل الجنه! وشگل لإمك إلچانت إتغطينيْ من أٓغَـفِّيْ يَمْكُم ؟! سعدي حَـوِلْ، شو دَحَـوِلْ بروح إبيك، ولك مو إنت تگدر إتعيش جهالي من أفطس! لكن أني ما أگدر على عيشة عيالك، ياخويه شو إنزل وروح، روح، ولا تخاف عليّ، َولك أني روحي روح چلب ما أموت .
وفي معركة نهر جاسم الحاميه الوطيس، تعلق بيّ َآمر الوحده تعلقاً غريباً، لكوني "صبيّ" .. ونوبات إيگلي إقرالي من هذني الآيات مالاتكم! هنه ذَنِيّ ْ يمكن حارساتني ! حيث كنت أقرأ له بعض من سورة الفاتحة في كتابنا المقدس، الكنزاربا، وهو يردد معي َ ما أقرأه له بخشوع دون ان يعرف معنى ما أقرأه.... وقبل الوصول إلى ساحة المعركه، ونار المدفعية والقنابر المتساقطة هنا وهناك ترهب الجبال ويرتج لعصفها المكان، فكيف بالبشر ؟ وكان قد إنتابني شعور بأنني سوف لن أنجو من هذهِ النيران الكثيفة التي راح ضحيتها مئات من الجنود والضباط.
وهنا سألني أبو حنين قائلاً إنت وين رايح ؟ ولك صدگك چذب إتروح للموت؟ هاي ما ينطب إلها ولك نار كبره، ما تنگحم.. إرجع أگلك لازم ترجع! وفي غفله من آمر الوحده أنزل، يطغي(فراش سفري) ووضعه في سياره عائدة للخلفيات..
يقول لي إرشد، روح سعدي روح، داخل إعله بختك روح ، فقلت له مهدي أخجل من السيد آمِرْ الوحدة، والرجل روحه متعلقه بِيّ َ وأنا لا أحتمل عتابه لا مهدي أرجوك، أرجوك لا .
گال روح إمش روح ساعةْ النوبْ ويجيك فاطس! وعود إنت وديه لّأ هَـلَـه، أحسن من ما تموت إوياه، وتظلون بهالچول، تره مَحَدْ يِخْلِيْـكُم، فأمتثلُ لرجاءه وأتراجع، ويصيح الآمر:- سعدي ، سعدي فلا أجيبه، فيذهب ويعود سالماً والحمدُ لله .
تبدل في وحدتنا سبعة أمراء وحدة، حيث يأتينا آمر برتبة رائد يمارس إمرة وحدتنا، لفتره قصيره، بعدها يترفع إلى رتبة مقدم، فينقل كآمر كتيبه، وكل آمر جديد يأتي، يقوم البعض بإحراق ورقتي أمامه:- "سيدي هذا ما يداوم ، دومه مجاز ، گاضيها كلاوات ... إلخ.
وهنا يأتي دور مهدي بإعتباره إنضباط الآمر وقريباً عليه فيعدل من الصوره، وسرعان ما ترجع الإمور إلى وضعها المعتاد.
مهدي صديقي وهو بعثي، صديقٌ دخل بيوت الكثيرين من أهلنا ومعارفنا فأحبنا كثيراً، وكان يقول لقد دخلت الكثير من بيوتكم وعرفتكم عن قرب، وعرفت من خلالكم أن الشيوعيين وطنيون وشرفاء، إلا أن الصوره التي رسمها البعض من البعثيين في مخيلتي منذ صغر سني عن إباحية الشيوعيين لن تنمحي من مخيلتي عنهم، بالرغم من علاقتي بك ومعاشرتي الطويله لكم! فكيف بالآخرين؟ هاي الناس شيعدل ألصوره أمامها ؟!
العبرة من هذه الحكاية أن الكثير منا يشكون من سوء العلاقة بألاخرين، أو من غدرهم، وأنا أقول أن الصداقه يجب أن تبنى على أساس معرفة الصديق، ومن هم أهله ، عائلته ، أقاربه ، وكيف يفكر ، مو من الشارع ونكتفي .
ومرة تعرضنا لهجوم قوات التحالف في تسعينيات القرن الماضي، فأخذتُ عائلتي وسكنت عند بيت أهل مهدي، في العزيزية لأيام، وكان مرتاحٌ لوجودي عنده، فرحاً، وقد همس بإذني حيث قال : رحم الله والديك على هل جيه، لأن على الأقل إنت تعرف الحال، فتساهم معي في مصرف البيت گبل لا يجيني غيرك من ربعي الفگور ويدهرني .
وحكايات مهدي كثيره وكثيره جداً، منذ خمس وثلاثين عاماً ولم تزل .
تحياتي لأخي مهدي، وهو يتابع حكايتي الثانية عنه، راجياً لك أيها الأخ العزيز والصديق ألطيب الشريف طول العمر والفرح الدائم، يامن تخرجت من بيتك الصيدلانية والمهندسة والقانونية والمهندسة الاخرى، أدعوا لك بالتوفيق فقد فديتني بحياتك عدة مرات، وخلصتني ووحدتي العسكرية من مخاطر جمة، فديتك بروحي أيها الصديق الصدوق .... فأنت خير مثل للصداقه ألحقيقيه ودمت ..... عماً لأولادي الذين يحبونك دوماً .