فضاءات

في الذكرى الـ 39 لجريمة اعدام الرياضي بشار رشيد ورفاقه الشيوعيين واصدقائهم .. باقون.. واعمار الطغاة قصار

منعم جابر، زيدان الربيعي
سفر الشيوعيين واصدقائهم وانصارهم خالد ومطبوع في ذاكرة الجماهير منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى اليوم، حيث سجلت ذاكرة الوطن لقوافل الشهداء وابطال الفداء احداثا وحكايات لا يمكن ان تمحوها الذاكرة ابدا. فكان الشيوعيون وظلوا وسيبقون ضمير العراق الوطني بعيدا عن الطائفية والعرقية والقومية والحزبية الضيقة، لان هويتهم عراقية ولا شيء يعلو عليها. فالوطن للجميع وعلى الجميع ان يلتصقوا بالوطن ويدافعوا عنه، اما الهويات الفرعية فانها لا تجلب الا الخراب.
واليوم تمر علينا ايام 17 و 18 أيار الحزينة التي تذكرنا بالهجمة الشرسة والجريمة النكراء التي اقترفها النظام الفاشي الدكتاتوري الصدامي، حين اقدم على اعدام نخبة من الشيوعيين واصدقائهم وانصارهم بتهمة باطلة، الا وهي اقامة تنظيمات داخل الوحدات العسكرية ومحاولة اسقاط نظام الحكم. ويومها كان الشيوعيون في تحالف جبهوي مع حزب البعث الحاكم، لكن الفاشية لا تعترف بالتحالفات ولا تقيم وزنا للعلاقات ولا تحترم العهود والمواثيق.
وقد اقدم النظام على اعدام 31 شيوعياً من العسكريين والمدنيين وعلى وجبتين يومي 17 و 18 أيار من العام 1978. ورغم المناشدات الدولية والانسانية والضغوط الكبيرة التي مارستها مؤسسات حقوق الانسان، الا ان صدام كان له رأي آخر وللفاشية برنامجها وخطواتها المشبوهة.
جلسة استذكار مثلت كل العراق
وكانت الجلسة الاستذكارية للشهيد بشار رشيد ورفاقه المذكورين، والتي عقدت يوم الخميس الماضي، عبارة عن عراق مصغر حيث حضرها عراقيون من كل اطياف الشعب لتتحول قاعة الجواهري في مقر اتحاد الادباء والكتاب في بغداد الى لوحة وطنية خالصة برز فيها اللون العراقي الاصيل واختفت الوان التمييز والعنصرية والطائفية. وهذا دليل آخر على ان دماء الشهداء ومنهم بشار ورفاقه ازهرت واينعت ليهب نسيمها على كل من تواجد في القاعة. وقد كانت الدموع الغزيرة التي ذرفها الكثيرون من الحضور دلالة على اشتياق هؤلاء لبشار ورفاقه ممن اغتالهم النظام الدكتاتوري الآثم.
المبدع جليل صبيح والاستذكار الجميل
وكان للقصيدة الشعبية دورها في هذا الاستذكار الجميل، وقد ابدعها الشاعر والرياضي جليل صبيح واداها المبدع ستار الجابر مع نغمات العود. وقد فرضت الاغنية وكلماتها ولحنها والاداء الجميل لستار جوا من الهيبة والقدسية والتفاعل من خلال الدموع الغزيرة التي ذرفها الحضور لذكرى بشار ورفاقه من ابناء العراق، ضحايا النظام المباد. علما ان جليل صبيح كان قد اعد فلما وثائقيا عن الشهيد استعرض فيه مسيرته الكروية، ابتداء من ايام الطفولة حتى استشهاده، وتم عرض الفيلم في فضائية العراقية أكثر من مرة.
د. صباح رضا: كم نحن اليوم بحاجة الى بشار
ابتدأت الجلسة الاستذكارية بالوقوف دقيقة صمت احتراما لذكرى شهيد الرياضة والوطن بشار رشيد ورفاقه الاماجد، تلتها كلمة الاتحاد العراقي لكرة القدم القاها نيابة عن الاتحاد الدكتور صباح رضا الامين العام، الذي استذكر بشار ودماثة خلقه وقيمه العالية والتزامه بالسلوك القويم. واكد حاجتنا اليوم الى بشار وامثاله من الحريصين على بناء الرياضة وتطوير كرة القدم.
وقال رضا في كلمته: لم يعد بشار مجرد لاعب كرة قدم، بل هو انسان كبير ورمز من رموز الوطن وقد اختار الطريق الصعب، طريق الشهادة.
وطالب اهل الرياضة ورموزها بالدفاع عن قيم الشهادة واخلاقيات المناضلين.
مدير ألعاب الشرطة: مؤسسات الدولة واستذكار بشار
كلمة مدير العاب قوى الامن الداخلي ونادي الشرطة القاها العميد نهاد انور اللاعب السابق وعضو ادارة نادي الشرطة وقد اكد فيها ان "المبدع الشهيد بشار هو رمز نفتخر به نحن في مؤسسة الشرطة ورياضييها، ونطالب بان تكون هذه الاحتفالية باشراف ورعاية الدولة والمؤسسات الرياضية وان لا نضيع هذا الرمز الكبير والقامة الشامخة". وطالب باطلاق اسم الشهيد بشار على احد ملاعب كرة القدم، وفي الختام شكر العميد نهاد القائمين على الفعالية لوفائهم وتذكرهم لرمز رياضي ضحى للوطن ومن اجله.
ممثل وزارة الشباب: الحضور في هذه الجلسة شرف للجميع
وجاء دور ممثل وزارة الشباب والرياضة هيثم محمد رشيد معاون المدير العام لدائرة التربية البدنية الذي اكد على شرف حضور هذه الاحتفالية مشيرا الى عدم معرفته باللاعب الكبير الشهيد بشار بسبب فارق العمر، الا انه يعتبر التواجد في هذه القاعة شرفاً "لاننا نحتفي بنجم كبير وانسان مناضل ضحى للوطن ومن اجله" واضاف ان الشهيد بشار ورفاقه هم "رموز عراقية وقامات وطنية لا يمكن نسيانها او اهمالها لان تضحياتهم هي التي عبدت الطريق لسقوط النظام الدكتاتوري المقبور".
يذكر ان الراحل محمد رشيد الجنابي والد المتحدث هو احد ضحايا النظام السابق، حيث اعدم عام 1970 بتهمة محاولة اسقاط النظام هو ونخبة من الوطنيين.
وفي ختام كلمته اكد هيثم محمد رشيد على ضرورة اطلاق اسم الشهيد بشار على احد ملاعب الكرة العراقية حتى تتذكره الجماهير ولا تنساه، وهذا اقل لمسة وفاء نقدمها لشهدائنا الابرار.
فالح حسون الدراجي يتغنى بالشهداء وذكراهم
وكان للشاعر والرياضي السابق والصحفي فالح حسون الدراجي متابعة متميزة سواء في شعره لاستذكار الشهداء وصحيفته اليومية "الحقيقة" التي واصلت استذكارهم والكتابة عنهم، او في نشاطاته الادبية والاعلامية.
وقد القى في المناسبة قصيدة رائعة بعنوان " وردة القرنفل " نقتطف منها هذا المقطع:
طحت مره بهواك وماني ندمان
من يندم على اليعشگ مثالك؟
اذا وجهك گمر بالفضه مليان
وين ما تمشي يتفضّه اهلالك
واذا چفك نبع، والكون عطشان
وزلال الماي يشرب من زلالك
واذا فيّك يعادل ميّة بستان
يا نخلة التسّد الفي بدالك
كذلك امتع الحضور الشاعر والرياضي السابق حسين جبر ببعض المقاطع الشعرية التي انتقد فيها الفساد والمحسوبية والاستحواذ على المناصب والمال وحرمان ابناء الوطن منه. وقد نالت هذه الفقرة اعجاب الحضور.
لا بد من استذكار الشهداء وتكريمهم
وانبرى عريف الحفل ورفيق شهداء ايار 1978 وزميلهم في السجن جبار قاسم للحديث عن زملاء الامس من الشهداء حيث استذكر صباح شياع يوم وقف بوجه (جزار الثورة) مسلم الجبوري وقال له: نعم انا عضو في الحزب الشيوعي العراقي وافتخر بانتمائي وانا المسؤول عن هؤلاء الذين ليس لهم صلة تنظيمية بالحزب، ووقف معه في المحكمة النائب ضابط كيلو صبيح الذي سأله رئيس المحكمة: هل صحيح ان لديك بنتين الاولى ميثاق والثانية جبهة؟ اجابه كيلو: نعم. سأله الحاكم: وكل هذا وانت مو شيوعي؟ اجابه كيلو بشجاعة: افتخر ان اكون شيوعيا واعتز باسماء بناتي.
داود العزاوي: الشهداء نجوم في سماء الوطن
وكان لشيخ المدربين والمربي الفاضل داود العزاوي، وهو اول مدرب لبشار في منتخب العراق المدرسي عام 1966 في الدورة العربية المدرسية، كلام مؤثر، قال فيه: "بشار هو رمز من رموز الوطن ورياضته وان ما قدمه الشهداء الشيوعيون هو رمز وفخر واعتزاز. لقد تعلمنا منهم كيف نعتز ونحترم مواقفنا وقيمنا ومبادءنا وواجب استذكار قوافل المضحين والابطال على هذا الطريق.
النائب جوزيف صليوا: الوطن للجميع وليس لحزب او طائفة
اما النائب جوزيف صليوا عن كتلة الوركاء الديمقراطية فقد اكد ان هؤلاء الشهداء الابرار هم فخر للوطن ولولا تضحياتهم لما سقطت الدكتاتورية وذهب صدام الى مزبلة التاريخ. واضاف ان العراق هو وطن للجميع وحصة الكل وليس محسوبا على قومية او طائفة بعينها، فكلنا شركاء في عراق المجد والحضارة وان ما تحقق هو ثمرة نضال كل القوى والاحزاب الوطنية العراقية.
اما محاولات البعض تغييب ابناء الوطن ومكوناته عن العملية السياسية فهو عمل لا يخدم بل يزيد الفرقة ويضيع الفرصة علينا جميعا. واضاف ان بشار ورفاقه هم القناديل التي تضيء الدرب نحو غد مشرق وسعيد.
عائلة الشهيد: جدتي اوصتنا بالتواصل مع الحزب
والقت الآنسة زينب عبد الحسين ابنة شقيقة بشار كلمة العائلة وقد شددت فيها على وفاء مقيمي هذه الجلسة الاستذكارية وموقفهم النبيل، واضافت ان "جدتي أوصتنا قبل رحيلها ان تبقى علاقتنا مع الحزب الشيوعي متينة لان ذلك هو وصية الشهيد بشار في المواجهة الاخيرة، حيث قال لها ان الحزب هو بيتنا وملاذنا وهو بيت الشعب".
قافلة الشهداء
قدمت صورا رائعة للشجاعة
لقد تسنى لي ان اعيش أكثر من سنة ونصف السنة معتقلا مع الكثير من هذه النخب، ممن صدرت في حقهم احكام الاعدام وتم تنفيذها في مجزرة أيار 1978، ومنهم بشار وصباح شياع وكيلو صبيح وشاكر رحيم ورحمن الكردي وابو واقد وكريم الجابي وصميدح خديم وحامد خضير وعدنان وشرهان وسهيل شرهان وعباس فاضل عباس وعبد المطلب ابراهيم وجعفر عبد الله وخالد علو.
كذلك الجندي المكلف خميس عباس الذي عثروا على كتاب ماركسي في يطغه، علما انه كان اميا لا يقرأ ولا يكتب!
قد سمعت وعرفت عنهم مواقف بطولية وحكايات تصل الى حد غير عادي لا بد لنا من تذكرها الا انها امانة للتاريخ. فبشار سار الى ساحة الاعدام بقوة وشجاعة وهتف بحياة الوطن والشعب والحزب وبسقوط الفاشية والدكتاتورية ورغم محاولات اسكاته رفض السكوت ولم يقبل ان يوضع كيس الاعدام على وجهه وقال: اريد ان ارى وجه قاتلي واقول له: "ان التاريخ سيلعنكم وسيظل اسمي وموقفي خالدا في ضمائر الشرفاء".
وقال صباح شياع: انا المسؤول واتحمل قراراتكم الجائرة واستقبل قرار الاعدام بهتاف بحياة الشعب والوطن وسقوط الدكتاتورية واذنابها.
اما الرياضي ولاعب الشرطة حسين شواي فقد تحمل صنوف التعذيب من اجل إجباره على الادلاء باعترافات وهمية، لكنه تحمل وصبر وبقي صامدا. كذلك الملاكم سعدون مطشر بطل الجيش بوزن الثقيل الذي تحمل كل اشكال التعذيب ولم يقبل ان يقول بانه (مخرب) بل اصر على القول بانه سياسي شيوعي.
هؤلاء هم ابطالنا.
الشاعر المبدع رحيم العراقي وابو ذية لقحطان العطار
وقد اتحف الشاعر المبدع رحيم العراقي الحاضرين بقصيدة شعبية استذكر فيها بشار ومدينة الكادحين "الثورة" وبعض رموزها وشخصياتها. وتحدث العراقي عن اول بيت ابو ذية كتبه عن الشهيد بشار يوم اعدامه في 18/ 5/ 1978 وقد غناه بعض مطربي العراق ومنهم المبدع قحطان العطار. فرغم قساوة النظام وفاشيته الا ان مبدعي العراق تذكروا ابناءهم وشهداءهم وظلوا يتغنون بهم. وقد قرأ هذا البيت الجميل:
صباح الشر يالبشرت بشار
اغراب البعث هم فد يوم بشار
صدگ هاي الحكومة اعدمت بشار؟
لا ما مات والمعدومة هيه
هكذا تنبأ الشاعر بموت الحكومة الصدامية واعدامها، بينما بشار ورفاقه الابطال ظلوا نجوما لامعة في سماء الوطن.
رسن بنيان: مايكدر رسن يضغط على بشار لان لينين يزعل
وألقى الكابتن رسن بنيان كلمة اصدقاء الشهيد بشار وقال فيها ان الشهيد بشار كان لاعبا كبيرا وانسانا متحضرا خدم ابناء مدينته الثورة وفقراءها، وكان غالبا ما يذهب مع فقراء المدينة مرتديا ملابسه العسكرية لانجاز معاملاتهم في دوائر الدولة.
واستذكر الكابتن موقفا طريفا جمعه مع بشار: كنت امثل فريق السكك وبشار يمثل فريق آليات الشرطة، وقد التقى الفريقان في مباراة مهمة وكان مدرب السكك الراحل جرجيس الياس قد كلفني بمراقبة بشار لانه لاعب خطير ويمتلك مهارات عالية. واثناء المباراة استطاع بشار ان يتجاوزني ويسجل هدفا في مرمى الحارس جلال عبد الرحمن. واثناء فترة الاستراحة ما بين الشوطين عاتبني الكابتن انور جسام قائلاً: رسن، لماذا لم تضغط او تشطح لابعاد الكرة من امام بشار وتمنعه من تسجيل هدفه؟ الا ان المدرب جرجس تولى الاجابة على سؤال انور وقال: "ميكدر رسن يضغط على بشار لان لينين يزعل ..". في اشارة الى الانتماء المشترك لبشار ورسن الى الحزب الشيوعي العراقي.
منعم جابر: دموع غزيرة على بشار ورفاقه
وعندما بدأت فقرة ستار الجابر بالعزف على العود وبكلمات مؤثرة جلس العازف على الكرسي الذي كان يجلس عليه منعم جابر، حيث ظل منعم واقفا خلف العازف على المنصة. وعندما بدأ المطرب المذكور يغني كلمات القصيدة باحساس كبير جدا، استذكر جابر رفيقه بشار والرفاق الآخرين الذين اختطفهم النظام وغيبهم الموت، ومنهم شقيقه عمار جابر ونجوم الرياضة صبري كاظم وسعدي لايج وعادل عبود حتى خنقته العبرة وكاد يصرخ لكنه كتم صرخته وإن بصعوبة. الا انه لم يستطع حبس دموعه التي نزلت بغزارة فيما كانت قسمات وجهه تعكس حزناً عميقاً. انه الوفاء الحقيقي البعيد عن المصالح الشخصية، انه استذكار الاحبة والمخلصين، انه الألم على فقدان هؤلاء الاشخاص على يد نظام ظالم. وقد تفاعل الحضور مع الدموع السخية بدموع اكثر سخاءً.
مسار بشار: شكراً لمن تذكر والدي
وقبل الختام وجه نجل الشهيد مسار بشار رشيد - الذي تركه والده في شهره الاول واصبح اليوم رجلا كبيرا- كلمة قال فيها: جزيل الشكر والعرفان لجميع اصدقاء ورفاق واحباب الوالد الراحل، على استذكاره بشكل متواصل، ومعاتبا المؤسسات الرياضية والشخصيات ممن قصروا ويقصرون في تأدية التزاماتهم الادبية تجاه من ضحى للوطن ومن اجله.
الشكر والعرفان للاوفياء
لقد ادى البعض من اصدقاء ورفاق الشهيد بشار من الرياضيين ومعهم الكثير من رواد الرياضة ونجومها واجبهم الاخلاقي تجاه من قدموا حياتهم قربانا على مذبح الحرية والديمقراطية من اجل بناء الغد السعيد. ولا بد من الاشادة بعملهم ودورهم المميز والمشرف، وهؤلاء هم اللاعب الدولي السابق رسن بنيان والكابتن جبار قاسم وابو عاطف العزاوي وابو علي الوحيلي الجديرين بالشكر على جهودهم الكبيرة باقامة هذه الفعالية السنوية. كما تقدمت المنظمة العراقية للتنمية الرياضية بجزيل الشكر والعرفان للاخوة الاعزاء في اتحاد الادباء على مواقفهم وتعاونهم الدائم في اقامة الفعاليات.
هذا ونسترعي انتباه الاخوة المتابعين الى حصولنا على معلومات اضافية واسماء وصور للرفاق الذين اعدموا ابان حكم الطاغية، سنضعها امام الجميع كشهادات تاريخية واعترافا وايمانا بدور هؤلاء الابطال.
ـــــــــــــــــ
قصص وحكايات لأبطال سطروها بأحرف من نور
ـــــــــــــــــ
مجزرة أيار 1978 وصمة عار في جبين الدكتاتورية الصدامية