فضاءات

بين الحطام والأروقة المظلمة الطلبة يستأنفون دراستهم في جامعة الموصل

طريق الشعب
بين أبنية مدمرة جزئياً وأخرى سويت بالأرض، استأنف طلبة الكليات الإنسانية في جامعة الموصل دراستهم بعد أن توقفوا إثر سيطرة عصابات داعش على مدينتهم عام 2014. وخاض عدد من الطلبة امتحاناتهم في قاعات تطايرت نوافذها وانقطعت عنها الكهرباء.
ورغم أعمال التنظيف التي تشهدها كليات الجامعة الممتدة على مساحة 251 هكتارا، والتي تتميز بتنوع اختصاصاتها وتضم نحو 39 ألف طالب، إلا أن أبنية كليات عدة ما زالت خارج الخدمة، وهي في انتظار إطلاق مشروع إعادة الإعمار، وفق ما يؤكده مسؤولون إداريون.
عند مدخل الجامعة الرئيس، ينتشر عناصر أمن وحراس يتولون التدقيق في هويات الطلبة وتفتيشهم الواحد تلو الآخر. وفي الحرم الجامعي ينهمك عمال في تنظيف الحدائق والشوارع الملتفة حول الكليات، وإزالة الدخان الأسود الذي صبغ الجدران.
بعد توقف عن الدراسة لثلاث سنوات تقريبا، تعود الطالبة سناء نافع الى مقاعد الجامعة لإنهاء امتحانات الفصل الاول في قسم اللغة الانكليزية بكلية التربية. وهي تقول لوكالة "فرانس برس"، "أشعر بالراحة رغم كل الدمار الذي أراه. مجرد تنشق الهواء يعني اننا سلمنا وأن الامور تعود الى طبيعتها في الموصل".
وتتحدث الطالبة سناء عن الفترة الطويلة التي قضتها في البيت بعد احتلال داعش الموصل، وتوضح قائلة "في هذه الفترة كنا نلازم البيت، وفي البدء كانت الكهرباء موجودة، وكان بإمكاني أن أستعين بالانترنت لتحميل الكتب وقراءتها، لكن بعد أشهر عدة قطع عنا الإنترنت والإعلام، وأمست فترة ظلام، يمكن للإنسان أن يستعين خلالها فقط بفكره ومخيلته حتى يتأمل ويحس بما يجري في العالم".
"الحياة تستمر"
خلال سيطرتهم على المدينة، وضع عناصر "داعش" يدهم على الجامعة التي تضم 124 مبنى، وابقوا على بعض الكليات قيد الخدمة فيما أقفلوا بعضها الآخر.
وبحسب موظف إداري رفض الإفصاح عن اسمه واستمر في مزاولة عمله خلال سيطرة الإرهابيين، فإن "معظم الطلبة الذين ارتادوا الجامعة خلال سيطرة الدواعش كانوا من أقاربهم وأفراد عائلاتهم".
وتبدو ملامح الدمار والتخريب واضحة على أبنية عدة، لا سيما المكتبة المركزية التي أحرقها التنظيم قبل انسحابه.
ويقول زيد محي الدين أحد موظفي الجامعة ان داعش قضى على مئات الآلاف من الكتب والموسوعات القيمة والمخطوطات النادرة، مضيفا ان "أول مرة رأيت فيها المكتبة بهذه الحالة، صرت أبكي من دون أن اشعر".
ويؤكد المشرف السابق على المكتبة المركزية لجامعة الموصل محمود أبو مهند، انه "كان هناك ما يقارب مليون ونصف المليون كتاب داخل مكتبة الجامعة، منها كتب التداول المحدود، التي يمنع إخراجها لقيمتها النادرة كالمخطوطات والدواوين".
ورغم الصعوبات اللوجستية والمادية التي تعيق عودة الجامعة الى سابق عهدها، يبدي الطلبة تفاؤلهم. إذ يقول أحمد شهاب احمد ان "وجودنا مع أصدقائنا هنا اليوم دليل على اصرارنا وعلى مقاومتنا للظروف القاهرة"، مضيفا قوله "نأمل أن نحقق طموحاتنا رغم كل العراقيل الموجودة في طريقنا".
"آلاف أطنان الأنقاض"
تخطط إدارة الجامعة لاستئناف الدروس بشكل طبيعي مطلع تشرين الأول المقبل، على أن يتم في الفترة الفاصلة عن هذا الموعد إنهاء الامتحانات وإكمال العام الدراسي من حيث توقف في العام 2014.
ويقول مدير قسم الإعمار والمشاريع في الجامعة أسامة حمدون لوكالة "فرانس برس" إن "أعمال التنظيف أنجزت في كل الكليات تقريبا بجهود تطوعية من شباب المدينة، سواء أكانوا طلابا في الجامعة ام في مدارس المدينة"، موضحا أنهم "خلال أربعة أشهر رفعوا آلاف الأطنان من الأنقاض ومخلفات الحرب".
ولحق الدمار الكامل بـ12 مبنى بينها مقر رئاسة الجامعة فيما تتراوح نسبة الدمار بين خمسة و20 في المائة، وفق حمدون.
ورغم هذا الواقع، يكرر حمدون مع طلبة الجامعة وأساتذتها وموظفيها، القول ان "إعادة فتح الجامعة هي رسالة للعالم كله"، ويضيف ان "الموصل مدينة حضارية. لا داعش أو سواه سيكون قادرا على أن يكسر إرادة أبنائها في الحياة".