فضاءات

في مالمو.. نزعة الاحتجاج في الشخصية العراقية للدكتور فارس كامل نظمي

فاضل زيارة
بدعوة من الاتحاد الديمقراطي للجمعيات العراقية في السويد وبالتنسيق مع الجمعية الثقافية العراقية في مالمو, قدم الاستاذ فارس نظمي محاضرته القيمة, حيث قدم له الاستاذ ابراهيم الخميسي, وتميزت المحاضرة بكونها مادة علمية تخص الفكر الاجتماعي, كما ان عنوانها مواكبا للحظة الراهنة التي يعيشها الشعب العراقي, مع كفاءة الاستاذ المقدم لها وطريقة سرده مستندا الى الحقائق التاريخيه, كما هو حضورها المتميز من ابناء الجالية العراقية.
تتضمن المحاضرة عرضا نفسيا لمسالة الاحتجاج في التاريخ السياسي المعاصر للعراق, مع التركيز على الحركة الاحتجاجية الحالية بشقيها المدني والصدري. ينظر الباحث الى ما يحدث في العراق من منظار نفسي اجتماعي وليس من زاوية سياسية او ايديولوجية محظه, وما يهمه هو العمل على تفكيك الظواهر في المجتمع العراقي لكي نفهمها كما حدثت وليس كما نعتقد. كما انه يرى بان الاحتجاجات قادمة لان الوعي السطحي بدا يحل مكانه وعي معارض واصبح الفضاء العمومي في العراق مليئا بمفردات الاستياء والغضب, والاهم ان الناس بدات تفكر بالبديل المغاير, وهي مقتنعة بان الوضع الحالي انتهت مدة صلاحيته, وقديطول لمدة اضافية لكنه غير قابل للاستمرار
اكد الباحث بانه سيتعمق في موضوع الاحتجاج من خلال الاجابة على الاسئلة التالية –
اولا – ماهي النزعات النفسية الاساسية التي انتجت السلوك السياسي للفرد العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية حتى اليوم.
ثانيا – ماهي خصائص الحراك الاحتجاجي الحالي.
ثالثا – ماهي النتائج التي استطاعت تحقيقها.
في الاجابة على السؤال الاول ابتعد الباحث عن راي الدكتور علي الوردي في نزعة البداوة والتحضر, وكذلك النظرات الاخرى بصدد هذا الموضوع,حيث اكد على ان هناك ثلاث نزعات نفسية ( وهي نوع من الاستعداد النفسي الذي يحرك الانسان في اطار معين) وهما النزعة العلمانية التي تنظر للعراقيين بوصفهم عراقيين اكثر من الاوصاف الاخرى, والنزعة الخضوعية ( الماسوشية الاجتماعية ) وهي اسباغ العدالة على الظالم وتبرير الظلم على من يقع عليه , وكذلك النزعة الاحتجاجية ( وهي استعداد داخلي للقيام بفعل معين او عدم القيام به )وقد تاثرت كثيرا بفعل ما حدث في العراق من حروب وظلم وقتل . هذه النزعات تنتج نمد السلوك الاجتماعي السياسي الذي غلب على سلوك الانسان العراقي منذ 1921 حتى الوقت الراهن.
وفي الاجابة على السؤال الثاني, استعرض الباحث ما يدور على الساحة العراقية من تنسيق بين اطراف القوى الفاعلة ونقيضها الذي يحاول اجهاض كل جديد على الساحة, واشار الى ان ابرز الخصائص الدالة على ايجابية الطبيعة البشرية وحيويتها هي نزعة الاحتجاج , اي ميل الانسان للاعتراض على مايراه ظلما او عدم انصاف يفرض عليه, ولولا هذه النزعة لما تقدم الوعي البشري بفكرة الحق خطوة واحدة, ولما امكن انجازالتغيرات الاجتماعية الهائلة بالانتقال من مجتمعات الرق الى دول المواطنة والحقوق المدنية والضمانات الاجتماعية.
وقد اشار الى ان الاحتجاجات اتخذت انماطا متعددة مارسها الناس عبر التاريخ عن وعي او بدون وعي, وهي اما ان تكون احتجاجا سلميا او عنفيا وقد تكون احتجاجا فرديا او جماعيا. وقد اكد على ان الاحتجاجات مرت بعدة موجات وكان اخرها ما بعد 2010 و 2011 حتى الوقت الحاضر حيث ظهر على السطح التعاون الكبير بين الحركة المدنية والتيار الصدري, ويرى ان التيار الصدري بدا يخرج من اطار الاسلام السياسي ويدخل في اطار ( الوطنياتي ) العام , ولا يمكنه الاستمرار بالطريقة السابقة نفسها اي البقاء ضمن التحالف الشيعي السياسي القائم لان وعي قواعد التيار تقدم الى مستوى اخر.واشار هنا الى ما يسمى بالقوة المحركة ( الهيمنة الثقافية ) ودورها في احداث تغيير واشار الى وجود دلائل وهي سيادة النزعة الوطنياتية ( اكثر من الوطنية ) والسخرية من التدين الزائف , وانها حركة سلمية وهي مهمة جدا, كما ان الجماهير ادركت بان الزمن مهما طال فهو فكرة اجتماعية وليس فيزيائية, ولذلك فان التغيير اتي لا محال.واشار الباحث الى ان دخول الصدريين في 28 اب الى المظاهرات, ادى الى حصول تقارب كبير بين الحركة المدنية والتيار الصدري, رغم وجود لغط كبير حوله بين قبول ورفض , واشار كذلك عبر تساؤل- هل التقارب بين المتدينين والمدنيين كان امرا غائبا عبر التاريخ ؟ وهل سال دم بينهما ؟ ان التاريخ يؤكد على وجود تقارب بين الفضاء العلماني والديني في مفاصل مهمة من التاريخ الحديث, حيث كان هناك تعاون كبير بين الحركات السياسية والمتدينين ولايوجد احتراب بينهما وضرب الكثير من الامثلة على ذلك ومنها ما ذكره عن السياسي العراقي جعفر ابو التمن وغيره. واكد على ان الاحتراب بين الحركات السياسية هو الاعم والتاريخ لا يجسد عكس ذلك.
ان ما ابداه المشتركون في هذه التظاهرات من حيوية نفسية وعزم على التغيير وحس كوميدي ونقد جرئ بالغ العمق لفساد السلطة والدولة انما يضع الحروف الاولى لعصر عراقي جديد.
اشار الباحث الى ان اهم ماتميزت به الحركة الاحتجاجية هي مايلي –
1 – ادراك الجماهير ان النظام السياسي مسؤول عما اصابهم ويصيبهم من مظالم.
2 – ان الاوضاع القائمة غير شرعية وتوجد ضرورة واقعية واخلاقية لازالتها.
3 – ان الفوائد الناجمة عن الكلام والتحرك يفوق موقف السكوت والاستكانة.
4 – للجماهير الفاعلية السياسية للنجاح بتحقيق اهدافهم.
5 – ان تغير الاوضاع بات امرا ممكنا وقابلا للتحقيق.
كما اشار الباحث الى بروز ثلاثة عناصر جديدة في النزعة الاحتجاجية وخاصة مابعد 25 - شباط – 2011 وتاثرا بالربيع العربي حيث تواجد جمع كبير لم يكن مسبوقا وهي –
1 – الشعارات والاهازيج والكلام كانت تعبر عن فقدان الثقة بشكل كامل بالسلطة وكانها غريبة عن النسيج الاجتماعي العراقي.
2 – وجود رغبة جامحة للتغيير .
3 – لاول مرة يطرح في الفضاء العام ومن جديد فكرة العراق, وبدا الوطن والهوية والانتماء العراقي يصعد في الفضاء الاجتماعي, اي انبعاث المشاعر الوطنية الجمعية من جديد.
ثم اجاب الباحث فارس نظمي عن السؤال الثالث وهو ما الذي استطاعت هذه الاحتجاجات من تحقيقه.
1 – ابطال الهالة اللاهوتية المزيفة للاحزاب الدينية.
2 – تقدم وتنام ملحوظ في الفاعلية السياسية للفرد العراقي.
3 – بروز سيكولوجية التعرية وبروز يقظة العقل الجمعي.
4 – اتخاذ الحركة الاحتجاجية منحى طبقي.
5 – افتراق المرجعية النجفية عن التاسلم السياسي.
6 – بروز تقارب ميداني بين يسار مدني ويسار ديني.
7 – بروز ملامح الكتلة التاريخية بوصفها احد احتمالات التغيير.
8 – انبعاث حلم الدولة المدنية الرشيدة.
هذا ابرز ماتم تحقيقه على يد الحركة الاحتجاجية ونؤكد انها ما زالت رضيعا وتعاني من الروح العدمية لكن رغم كل ذلك فان هذه البداية تتوجه نحو المستقبل, وبكل اختصار اكد على اننا في وطن مريض علينا ان نعمل على تعافيه بشتى الطرق وبما نملكه من امكانيات ونبني على الايجابيات ونبتعد عن السلبيات في مراجعاتنا النقدية جميعا.
ثم فتحت باب الاسئلة والمداخلات من قبل الحضور, وقد استطاع الاستاذ فارس نظمي من الاجابة على كافة الاسئلة التي طرحت , كما توجه بالشكر للحضور وللجمعية الثقافية العراقيه على حسن الاعداد والتنظيم والضيافة .