فضاءات

العراقيون في كوبنهاكن يودعون زميلهم الفنان الراحل ياسين عطية

بجو من الأسى وروح لائبة وقطرات ساخنة وهمسات وعبرات محتبسة، وآذان تنتظر ماذا سيقول وبماذا سيبدأ وكيف سيودع الفنان خليل ياسين وينعي زميله الفنان الرائع ياسين عطية، الذي قضى بتفجير ارهابي ببلده العراق في الثلاثين من أيار.
لكن صوت خليل كان يتهدج في الحفل الذي نظمه اصدقاء ياسين وتيار الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك، كاد صوته يختفي مع وشاح الحزن الشفيف، حتى تلقف سطور النعي صوت زميله الشاعر سليمان جوني، الذي اكمل مرثية ياسين بمنثورة طيبة وكلمات شعرية رائعة...!.

كلمات... هي كل ما تبقى للعراقيين الطيبيين وهم يودعون احبتهم، لكنها كانت هذه المرة تفيض بعناد، بأن دماء ابناءهم اغلى وأعز حتى من تراب الوطن الذي قصده ياسين بعد سنين طويلة من رحلة اغترابه ومحطات غربته التي تناقلته لتحطه في شارع ببغداد وهو يتأمل بدهشة ما فعله الأوباش ببلده الحبيب. وكأن صوته الذي كان يسمع عن بعد يقول «لم تكن لي وطنا ياعراق في يوم من الأيام لكني سأبقى احبك، فأنت وجه أمي وأهلي...».

كوفاني، شاب في العشرينيات، كمن كان يقتفي آثرا لمشروع شهادة او موت محتم لياسين، تابع اجزاء من حياته وفنه بفلم قصير، تداعى فيه ياسين مع فنه والحياة والأحبة والأصدقاء، ظهر فيه راكبا دراجة هوائية ومترجلا ثم متأملا جمال الطبيعة وسحرها، فكان وجهه صفحة السلام الأثيرة التي غطت هدوء البحيرة التي اختارها ليسمعها عشقه وغرامه، بل همومه وانكساراته وولعه بفرشاه، التي تناقلت الكاميرا ما انجزته وختمته بتوقيعه بلوحات كثيرة. كان وجهه الترابي الأصيل يملأ الشاشة بصمت أثير اعتاده كذلك في حياته، وابتسامة غامضة كأنها تقول «لا تقلقوا احبتي، فكل شريف في هذه البلاد هو مشروع شهادة ومنذور لمصير لا يعرفه الا المحبون».

قراءات وحكايات وقلوب ملتاعة تلك التي اعتلت رقعة المسرح الذي توسطته صورة «وداعا ياسين». اسماء كثيرة من المبدعين رثت ياسين بقراءات شعرية ونثرية، وحكايا، ودعوات لجمع واحياء ارث ياسين الفني، رحمن النجار، سامي وطبان، طارق هاشم، هادي الصكر، كريم الهلالي، جعفر طاعون، ناهدة جاسم، سلام ابراهيم، ابو الياس واخرهم سهيل سامي نادر الذي وصف حالة المبدع العراقي بنسيج من الشذى المتهدل يجلل عطاءه خاصرة بلده الجريح.

كان الجمع الكبير يأبى مغادرة المكان فتجمع من جديد في باحة مبنى الثقافات العالمية في كوبنهاكن، متاهمسين تتملكهم الذكريات والحماسات والعصيان، وكأنهم يكملون مشروعاً كبيرا سيبدأ ولابد ان يبدأ لانقاذ وطنهم العراق وأهله.

كلهم قالوا «وداعا ياسين»، لكنهم قالوا سنلقاك مع فنك وما كتب وما سيكتب عنك.
"وداعا ياسين”.