فضاءات

عبد الكريم العبيدي يبرر كرهه للقرن العشرين

غالي العطواني
احتفت "دار قناديل للطباعة والنشر والتوزيع" في بغداد، أول أمس الثلاثاء، بالروائي عبد الكريم العبيدي، بمناسبة صدور روايته الثالثة "كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي"، الصادرة عن الدار ذاتها.
جلسة الاحتفاء التي التأمت على قاعة منتدى " "Peace Baghdadفي مبنى مجلس السلم والتضامن وسط العاصمة، حضرها جمع كبير من النقاد والأدباء والمثقفين والإعلاميين. فيما أدارها الروائي محمد علوان جبر، واستهلها قائلا "نحن اليوم أمام كراهية مبررة بعد ان غزتنا حروب اشعلها (القائد الضرورة) ودفعنا ولا زلنا ندفع ثمنها الباهظ – هذا ما قالته (معلقة بلوشي). هذا ما قالته الحكاية على لسان أحد (شماريخ) المعلقة المحاط بمخاوفه الكبيرة".
وأضاف قائلا ان العبيدي "قرر خلال كتابة روايته التي استغرقت أكثر من خمسة أعوام، أن يقيم حفلا لوحده في مقبرة، ويقرأ شهادته. وهذا ما فعله حقا، بل انه وزع خمس نسخ من روايته على قبور بعض الشهداء. ويبدو ان فعله هذا يستحق ان يكون سيناريو فيلم أو ثيمة لقصة قصيرة. انها فكرة مدهشة مليئة بالفنتازيا العميقة والصادقة".
ثم قرأ "جبر" سطورا من السيرتين الذاتية والإبداعية للمحتفى به، قبل أن يدعوه للإجابة عن أسباب كرهه للقرن العشرين.
ابتدأ العبيدي شهادته بالقول ان "الهربُ هو اللونُ الآخَرُ للحرب. ليس للهربِ فرقٌ بين ما هو فوق وما هو تحت. كلاهما هرب، واذا وجِد هناكَ دخيلٌ فهو خائن، لأنَّ الهربَ حلٌ غاصب. صورةٌ مشوهةٌ من صورِ الهلاك. هو أعوصُ الحلولِ لأنه موتٌ يتذرع بالعيش في عالمٍ سُفلي، لا يُحققُ للهارب سوى الذيوعِ في ثرثرةِ الشوارعِ ودخانِ المقاهي ومتاهاتِ الرعب. لكنَّ "شمروخاً" مثلي قد لا يستوعبُ ذلك، لأنه لم يُدركْ في هربه ضياعَ الزمنِ من حولِه، ولم يملكْ حلّاً له سوى أن يضيعَ ويتماهى معه. ربما لأنني أخفقتُ في إدراجِ الحربِ على سجلِّ المعقولات، وربما لأنني ابتُلِيْتُ بمتلازمةِ طابورِ الضياع، وربما لأنَّ المدنَ لفظتني، فبتُّ بندولاً، حيثما تأرجحَ بدا هارباً وإنْ في السِلم. سأظلُ هكذا سائرا الى الخلف، عكسِ المخلوقات، في فوضى ذلك الخرابِ المريح!".
وأضاف قائلا ان "كلُّ حُروبِنا يا أحبتي باسمِ العدالة، ونيابةً عن التاريخ. وكلُّ طرفٍ فيها هو الحق، وعدوُه باطل. وحدَنا لا نعرف من أمرِنا شيئا. نحنُ جنودُ حرب، وقودٌ للحق وللباطل، ولربَّة النارِ التي لا تؤمِنُ بالحقِّ، ولا تأبَهُ بالباطلِ، دائما ألسنتُها تسخرُ من حقِّهم، ومن سوادِ باطِلهم، لكنَّها تحتفظُ بحقِّها، حقَّ الاشتعالِ بأجسادِنا، أليسَ ذلك باطلا أيضا؟ قد ينطوي هذا الاعتقادُ على يأسٍ، ولكنْ ما العيبُ في الأمر؟ انَّ من ينتمي الى بلدٍ عمرُه أكثرَ من سبعةِ آلافِ عامٍ من الدموع، سبعةِ آلافِ نواحٍ قبل الميلاد، سيؤمنُ تماما بغَلَبَةِ اليأسِ على خِدعة التفاؤل، وسيدركُ، شاءَ أم أبى، أنَّ لا حاسة أكثرَ ديمومةً وصدقا من حاسة اليأس، ولا راحةَ بالٍ ألذَّ من نعمةِ مصاحبتِها".
وشهدت الجلسة قراءة أوراق نقدية لعديد من النقاد، أولها كانت للناقد مقداد مسعود بعثها إلى الجلسة من مدينته البصرة، بعنوان "الوعي الفعلي/ الوعي الممكن في (معلقة بلوشي)"، قرأها بالنيابة الكاتب شمخي جبر، مما جاء فيها:
"يشعر القارئ النوعي لـ (معلقة بلوشي) ان المؤلف العبيدي هو من أمهر اللاعبين بالانساق الزمنية الثلاثة: النسق الصاعد، النسق المعترض، والنسق الهابط. ولا تقف مهارته عند هذا الحد، فهي تجيد استعمال الوثائقي والسياسي والجغرافي، وتوظيف هذا الاستعمال في الموضع الحيوي. أما توظيف الذات الانشطارية، فقد بلغت لديه شأوا مرموقا".
وكانت الورقة النقدية الثانية، للناقد إسماعيل إبراهيم عبد، وجاء فيها:
"ان هشائم الازمان المتداخلة في رواية العبيدي، تجسدت في لعبة تهشيم ونشر الأزمان بطريقة ضبط الفوضى الزمنية، وببرمجة فكرية تسمح بحرية الروي، مع عدم التضحية بالمنطقة الجمالي للغة ودلالات التعبير".
ورقة الناقد سلمان داود الشويلي، قرأها بالنيابة عنه الكاتب العلي، ومما جاء فيها:
"الوصف في رواية العبيدي (كم اكره القرن العشرين) كان أكثر روحيا على الرغم من انه يبدو للمتلقي ماديا، حسيا، لأن استخدام ما هو مادي وحسي جاء ليدعم الروحي في دواخل الشخوص، انه محاكاة لما هو مرئي حسيا، مما جعله خادما للسرد في هذا النص".
وكان آخر النقاد المتحدثين في الجلسة، محمد يونس، الذي وصف العبيدي بأنه "تجاوز أن يكون كاتبا جسدا، بل انموذج متمرد للوعي المضاد. وهنا يكون داخل متن الرواية ليس جسدا، بل معنى رمزي واضح".
بعد ذلك قدم عدد من الحاضرين مداخلات وتعقيبات عما ورد في رواية العبيدي، بينهم الكاتب علي الحسيني.
وفي الختام وقع الروائي عبد الكريم العبيدي، نسخا من روايته للحضور.