وثائق وبيانات

تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: الانتخابات لم تنصفنا .. والتغيير والاصلاح يبقيان غايتنا / 24 ايار 2014

اُعلنت قبل أيام نتائج انتخابات مجلس النواب، بعد انقضاء حوالي ثلاثة اسابيع على اجرائها. وكنّا نحن من دعاة اجرائها في وقتها المحدد، كما دعونا رئاسة الحكومة والقوى السياسية للقاء والعمل على تهدئة الأوضاع وخلق الظروف والأجواء المناسبة لاجرائها. ولكن حال دون ذلك تدهور العلاقات بين القوى السياسية المتنفذة، وتصاعد حدة صراعاتها، والتنافس الانتخابي المحموم وما لازمه من شحن طائفي وخطاب متشنج وتبادل للاتهامات ومن ممارسات مدانة للتسقيط السياسي. وبتأثير هذه العوامل وغيرها، جرت الانتخابات في اجواء سياسية وأمنية معقدة ومأزومة، وصراعات على المناصب والنفوذ والتشبث بكرسي السلطة، وتصاعد للعمليات الارهابية ونشاط ملحوظ للمليشيات المسلحة، واستمرار للعمليات المسلحة ضد التنظيمات الارهابية في محافظة الانبار بعد اربعة اشهر على انطلاقها، ونزوح لعشرات آلاف العوائل ووقوع خسائر كبيرة في الارواح والممتلكات، وغرق لمناطق واسعة من حزام غرب بغداد.
والقت الأوضاع العامة بظلالها على ادارة العملية الانتخابية، وأدت الى انتفاء العديد من الشروط التي تضمن سلامتها، مثل غياب قانون الاحزاب، والاحصاء السكاني المعتمد، اضافة الى اعتماد قانون غير عادل للانتخابات بعد ان عدّل المتنفذون نظام "سانت ليغو" الاصلي ، وحولوه الى نسخة عراقية تضيّق مساحة التمثيل، وتضع عقبات أمام وصول المدنيين والديمقراطيين والمستقلين الى البرلمان.
وإلى جانب الظروف غير الطبيعية التي جرت في ظلها العملية الانتخابية، لم تقم المفوضية العليا للانتخابات بدورها المكلفة به قانونيا، كما انها لم تكن بحكم تركيبتها المحاصصية، قادرة على أن تنأى بنفسها عن الانحياز في التعامل مع القوائم المتنافسة، وعلى الوقوف بوجه الضغوط التي تمارس عليها. وقد تجلى انحيازها صارخاً في استبعادها بعض المرشحين، وفي التمييز عند معاقبة المرشحين المخالفين. وبسبب الانحياز بدت عاجزة ايضاً عن اتخاذ اجراءات رادعة، بحق قوائم ومرشحين خرقوا القوانين والتعليمات على مرأى ومسمع من الجميع.
وقد توفرت لدينا معلومات موثقة لا يرقى الشك اليها، عن عمليات تحايل والتفاف على الدعاية الانتخابية والتبكير بها من قبل قوائم متنفذة، وعن شراء للذمم واستخدام للمال السياسي ولأجهزة الدولة ومؤسساتها، وتصعيد للتجييش الطائفي والنعرات الشوفينية والانتماءات الفرعية بعيدا عن روح المواطنة، واغداق للوعود بالتعيين وتوزيع الاراضي، واستخدام للمؤسسة العسكرية وتوجيهها بعيدا عن مهنيتها وحق منتسبيها في الاختيار الحر. كذلك استمرت الخروقات في عمليات العدد والفرز وادخال البيانات.
وقد عزز الشكوك في مدى استقلالية المفوضية، ما توفر من معلومات عن التعيينات المتحيزة في وظائفها لصالح مؤيدي قوائم معينة وباعداد كبيرة، كما أكدها تصويت موظفي المفوضية في دوائرها المركزية. ويبدو ان التزوير والتجاوزات والخروقات بلغت مديات واسعة، وفق ما كشفت عنه الحقائق والمعطيات الملموسة التي قدمها العديد من القوائم. وقد أقرت المفوضية بذلك ضمنياً وهي تعترف بالعديد من الوقائع، في مسعى لامتصاص السخط. حيث أشار رئيسها الى احالة ما يزيد على ألف من موظفيها الى القضاء، والغاء نتائج 300 محطة انتخابية ، وعن كشف حالات تلاعب عدة.
لقد ثلمت هذه الخروقات والثغرات والنواقص الجدية مصداقية وشفافية الانتخابات، وذلك ما أجمعت عليه تقريباً مختلف الكتل، التي عبرت عن عدم القناعة بنتائجها، باستثناء المستفيدة منها طبعاً. اما النتائج النهائية غير المصدقة التي اعلنتها المفوضية، فانها لا تعبر بحق عن رغبة الناس في التغيير، كما جاءت غير منسجمة مع العدالة. ولأجل إزالة الشكوك بنزاهة المفوضية واستقلاليتها ولتأكيد صدقيتها وشفافية عملها، ينبغي على المفوضية النظر بجدية وحيادية في الشكاوى والطعون المقدمة اليها، وتقديم اجابات ومعالجات حقيقية بشأنها، وحسمها في أسرع وقت واعلان نتائجها الى الرأي العام.
وفيما يخص تحالفنا المدني الديمقراطي الذي شاركنا فيه بشكل رئيسي في الانتخابات، فقد حصد ثلاثة مقاعد، وحصل رديفه في البصرة ، ائتلاف البديل المدني المستقل، على مقعد واحد. ومن بين القوائم المدنية والديمقراطية حصلت قائمة الوركاء الديمقراطية على مقعد واحد. وعموماً فان النتائج هي أقل مما نستحقه ، خصوصاً وان قوتنا التصويتية وصلت الى حوالي 250 ألف صوت في عموم المحافظات التي خضنا الانتخابات فيها، وهذا يؤشر الغبن المستند أساساً الى قانون انتخابي غير منصف ويشتت الاصوات.
وعلى الرغم من عدم حصولنا على عدد المقاعد المنسجم مع اصواتنا، فان حزبنا سيواصل العمل مع حلفائه من المدنيين الديمقراطيين، ومن الوطنيين الآخرين، بثبات وباستخدام مختلف الأساليب البرلمانية وغير البرلمانية، الشرعية والسلمية، من اجل ترسيخ الديمقراطية وحقوق المواطنة وصيانة وتوسيع مساحة الحريات، والعمل على ايجاد ظروف افضل للانتخابات، وبما يضمن للناخب أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، وأن يختار الافضل بملء ارادته وعلى أساس المشاريع والبرامج، بعيداً عن التاثيرات الطائفية والعشائرية والمناطقية، وما سببته من تدنٍ للوعي السياسي.
ولا شك ان مهام جساماً تنتظر مجلس النواب الجديد، وستختبر قدرته الفعلية على ممارسة دوره التشريعي والرقابي، فيما تبقى أمام الحكومة المقبلة ملفات عالقة تنتظر الحل والمعالجة. وقد علمتنا تجارب السنوات الماضية ان العبرة ليست في ما يقال ويعلن، بل في ما يطبّق وينفذ.
واننا ونحن نقدم التهاني الحارة للفائزين من مرشحي قوائمنا، يغمرنا الأمل في أن يحرص نواب التحالف المدني الديمقراطي والقوائم الرديفة، على ضرب المثل في ادائهم البرلماني، وفي الدفاع عن مصالح الشعب والوطن.
اننا في هذا المقطع الزمني، نجدد التأكيد بأن نكون دائماً مع ابناء شعبنا، ومع كادحيه وطموحاتهم الى تحقيق الاصلاح والتغيير في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانهاء نظام المحاصصة الطائفية والأثنية.
وننتهز هذه المناسبة لنتوجه بالشكر والعرفان والتقدير الى كل من دعم حملتنا الانتخابية، وصوّت لمرشحي حزبنا ومرشحي التحالف المدني الديمقراطي والقوائم الرديفة. ونؤكد عزمنا على مواصلة العمل والنضال، استناداً إلى ما تحقق من نجاحات وصلات جماهيرية أوثق وأوسع، لتحقيق مشروع الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية، والسعى بدأب ومثابرة لتوسيع دائرة المساندين لهذا المشروع والمناضلين من اجله.
بغداد 24-5-2014