وثائق وبيانات

بلاغ صادرعن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 16 أيار 2014

لنواصل النهوض بـالحركة الجماهيرية من اجل تحقيق التغيير المنشود


عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يوم الجمعة 16 أيار 2014 في بغداد، اجتماعها الاعتيادي الكامل.
استهل الاجتماع أعماله بالوقوف دقيقة صمت في ذكرى الراحلين من الرفاق والأصدقاء خلال الاشهر الماضية، ومن استشهدوا في الحملة الانتخابية، ومن عامة شهداء الشعب، ضحايا الارهاب وجرائمه.
واقر الاجتماع، بعد دراسة معمقة ومسؤولة، ورقة تقويم لاداء الحزب في حملة انتخابات مجلس النواب التي جرت يوم 30 نيسان الماضي، واشاد بهمة ونشاط منظمات الحزب ورفاقه وأصدقائه، الى جانب حلفائه في التحالف المدني الديمقراطي والقوائم الرديفة الاخرى. وعبر الاجتماع في هذا السياق، عن الشكر والتقدير لجميع من دعموا حملتنا الانتخابية وساندوها، سياسيا ومعنويا وماديا، وبالتصويت لمرشحي الحزب والقوائم المؤتلف فيها.
ودرس الاجتماع ايضا وصادق على تقرير عن مالية الحزب للفترة الماضية، ووسائل تنمية موارده.
كذلك بحث الاجتماع التطورات السياسية في البلاد، وبشكل خاص حملة الانتخابات البرلمانية، والاجواء والظروف والتحديات التي رافقتها، واللوحة السياسية التي سترسم ملامحها، واحتمالات تشكيل الحكومة القادمة، وطبيعتها، والاسس التي يتوجب ان تقوم عليها والنهج السياسي الذي ينبغي ان تنطلق منه، كي تأـي ملبية لتطلعات الشعب إلى التغيير.
وتوصل الاجتماع الى الآتي:
تعيش بلادنا مخاض تشكيل الحكومة القادمة، بعد ان اجريت انتخابات مجلس النواب في موعدها المحدد انسجاما مع الاستحقاق الدستوري. ويعد هذا بحد ذاته تعزيزا لمسار العملية الديمقراطية، حيث كان الحزب من الداعين مع آخرين، بضمنهم الامم المتحدة واطراف دولية مختلفة، إلى الالتزام بالمواعيد الدستورية، فيما اتخذت قوى وعناصر معادية للعملية السياسية مواقف، واصدرت فتاوى، تمنع اقامتها وتحرم المشاركة فيها، في مسعى لافشالها، ودعت قوى اخرى مشاركة في العملية السياسية إلى تأجيلها؛ بعضها اعلن ذلك صراحة بينما سعى البعض الآخر اليه سراً دون افصاح.
وخلافا للكثير من التوقعات، توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع باعداد غفيرة، وزادت نسبة من صوّتوا على ستين بالمائة حسب اعلان المفوضية العليا للانتخابات، وهي نسبة مشاركة مرتفعة نسبيا، على الرغم من الظروف غير الطبيعية التي تمت في ظلها العملية الانتخابية. وجسدت هذه المشاركة بشكل عام تمسكا بالديمقراطية، وجاءت منسجمة مع الدعوات التي اطلقها معظم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، واوساط وشخصيات دينية واجتماعية وثقافية واسعة وجهات ومنظمات دولية. وتشكل سعة هذه المشاركة وما تحمل من دلالات، رصيدا مهما لترسيخ الديمقراطية التي لا تزال بلادنا تشهد صراعا حاميا حول مآلاتها.
كما انها اشرت، بهذه الدرجة من الوضوح او تلك، رغبة واسعة في التغييروالاصلاح، وتشبثا من جانب الشعب وقواه الواعية بالتداول السلمي للسلطة، بديلا عن العنف والاساليب اللاديمقراطية، وعن الاستقواء بالمليشيات وبالقوى الخارجية، الاقليمية والدولية. لكن الاندفاع نحو المشاركة في الانتخابات لم يكن يخلو، من جانب آخر، من تأثير دوافع طائفية، لا سيما اعمال الترغيب والضغط والتجييش الطائفي، التي لجأت اليها قوى متنفذة سعيا وراء تحقيق مصالحها الضيقة.

فشل نظام المحاصصة الطائفية- الاثنية
سبق لحزبنا ان قدم، في وثائقه ومواقفه، توصيفا وتحليلا شاملين ودقيقين لأوضاع البلاد، وما تتسم به من تعقيد وتشابك وتدهور على مختلف الصعد. كما تناول بعمق مظاهر فشل نظام المحاصصة الطائفية والأثنية السائد، وملامح وابعاد الأزمة البنيوية التي تعصف بالبلاد، وتبقيها في دوّامة مسلسل المشاكل والاستعصاءات الناجمة عن هذه الأزمة، الامر الذي يعرض البلاد الى مخاطر جدية مفتوحة على كل الاحتمالات.
وتلقي الأزمات المتتالية بظلالها الثقيلة على أحوال الناس المعيشية، وتهدد حقوقهم الأساسية في العيش الآمن والكريم، وتحمّلهم كمّا متزايدا من التضحيات والمعاناة والأسى، وتسلبهم آمالهم واحلامهم في العيش الأفضل والمستقبل الواعد.
ويرتبط ذلك بتعمق الطابع الريعي للاقتصاد الوطني والاعتماد المتزايد على واردات النفط الخام المصدر، واستمرار التقلص والانحسار في دور ووزن القطاعات الانتاجية: الصناعية والزراعية، والخدمية، ورواج النشاطات الطفيلية، وبقاء المستويات المرتفعة للبطالة والاسعار والتضخم والفقر، وتدني الاداء الاقتصادي في ظل غياب رؤية موحدة للدولة والحكومة وعدم تنفيذ الخطط والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية التي تم اقرارها ، وتواصل الانفاق العام لموارد الدولة الضخمة بدون مردود على الارض، وهو ما تبينه الارقام الرسمية التي تتحدث عن عجز مؤسسات الدولة عن تنفيذ مشاريعها الاستثمارية. فقد اعلن وزير المالية وكالة انه لم ينفذ سوى 200 من اصل 8000 مشروع خصصت لها اموال في موازنة عام 2013، فضلا عما رافق ذلك من فساد واهدار للمال العام. وزاد في الطين بلة عدم اقرار موازنة 2014 جراء تحولها الى ورقة في سوق المساومات السياسية، فلم يتم التوافق عليها.
والى جانب ذلك يبقي تردي الخدمات على حاله، مما يضاعف من معاناة الناس ويزيد حياتهم صعوبة وينغصها، في وقت تخلّ فيه الدولة بالتزاماتها تجاه المواطنين ، لا سيما في مجالات توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتعليم والسكن والنقل العام، وفي رعاية المعوزين والارامل وذوي الدخل المحدود، بجانب العجز عن اصدار قوانين للضمان الاجتماعي الشامل.
ويتفشى وباء الفساد في جسم الدولة وفي المجتمع، متخذا شكلا مؤسساتيا يلبي رغبات بعض القوى السياسية وثيقة الصلة باصحاب المال والتجارة، الذين تتشابك مصالحهم مع النشاطات ذات الطابع الطفيلي، او مع رغبات بعض الشركات الاجنبية الكبيرة في الابقاء على العراق مستهلكا لصادراتهم من السلع والخدمات. ويغدو الفساد آفة تنهش في كل المؤسسات وتقوضها وتعيق اداءها لمهامها وتقديم خدماتها للمواطنين، بل ويصبح اداة لتعطيل الحياة اليومية للناس.
ولقد اكدنا وما زلنا، مستندين إلى تشخيص موضوعي لما تمتلكه بلادنا من ثروات طبيعية وقدرات بشرية واسعة، والى عمق خبرة وتجربة حركة شعبنا وقواه السياسية الوطنية، ان ما تعيشه بلادنا من أزمات ليس قدرا محتوما، وإنما هو في الأساس نتاجٌ لنظام المحاصصة الطائفية والأثنية، الذي يشكل العقبة الكأداء أمام استعادة العراق عافيته وامنه واستقراره، وامام انطلاقه في عملية البناء والاعمار.
وتكتسب انتخابات نيسان 2014 اهمية استثنائية على خلفية اشتداد الأزمات والاحتقانات السياسية والمجتمعية، وانعكاسها في استمرار تدهور الحالة الأمنية، وتفاقم الصراع بين المشاركين في الحكم وشموله جميع مؤسسات الدولة، خصوصا في المؤسستين التشريعية والتنفيذية. واسفر ذلك عن شبه شلل في عمل هذه المؤسسات، وكرّس الاتجاه نحو تركز وتمركز السلطات والنزوع الى التفرد، الامر الذي يثير القلق على مصائر العملية الديمقراطية وعملية بناء الدولة.
وتجلى الشلل المؤسسي في فشل مجلس النواب في اقرار مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2014، وهو الذي يعتبر اهم قانون يتوجب على مجلس النواب تشريعه. فمعروف ما لتعطيل تشريعه من اثار وخيمة على تنفيذ المشاريع الاستثمارية، وعلى عمل العديد من مفاصل الدولة، وعلى مجمل حياة البلاد الاقتصادية. وتتقاسم المسؤولية في هذا الفشل المؤسسي، الحكومة ومجلس النواب بجميع كتله. وكان واضحا في سلوك وتعامل جميع الأطراف، ان المصلحة العليا للبلاد والشعب اخلت مكانها للمصالح والتنازعات السياسية والفئوية الضيقة واللامسؤولة.
لذا كان يعول على الانتخابات الاخيرة في تحقيق تمايز واعادة اصطفاف للقوى السياسية، وفي ان تكون (الانتخابات) نقطة انطلاق للكتل والاحزاب السياسية، للقيام بمراجعة تقويمية ونقدية للمسار المأزوم للعملية السياسية، ولاستخلاص الدروس التي تساعد في رسم نهج تصحيحها وتقويمها، واعادتها إلى السكة السليمة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والأثنية، ولكي يمكن الاتيان ببرلمان جديد يمكنه النهوض بواجبه التشريعي والرقابي على نحو افضل واكثر كفاءة مما في دورة البرلمان المنتهية.
وقد رافق الحملة الانتخابية اشتداد للصراع بين الكتل والاحزاب السياسية، وعدم تورع اي من الأطراف المتنفذة، وإن بدرجات متفاوتة، عن استخدام اية وسيلة للنيل من الأخرى وتسقيطها، وعن اللجوء الى اي خطاب او موقف يسهم في تجييش الشارع والجمهور على اسس مذهبية واثنية وعشائرية ومناطقية.
وصاحب الحملة ايضا بدء العمليات العسكرية في الانبار ضد التنظيمات الارهابية، والتي وظفت بدورها لأغراض الشحن الطائفي والتنافس الانتخابي. وهو ما قد يفسر سبب استمرارها أكثر من خمسة اشهر، بكل ما نجم عنها من ضحايا ومن معاناة انسانية لعشرات آلاف العوائل التي اضطرت للنزوح، بينما عانت التي بقيت منها الأمرّين،من تسلط وعبث واجرام جماعات داعش الارهابية واعوانها، من جهة، ومن عمليات القصف الجوي والمدفعي ومن تعطل الحياة العامة. ونحن اذ نجدد هنا دعمنا للقوات المسلحة في محاربة الإرهاب، نؤكد ضرورة حفظ أرواح المدنيين، وتجنيبهم آثار العمليات العسكرية، وعدم إلحاق الأذى بهم.
وقد شمل التوتر والاحتقان والعنف ونشاط قوى الارهاب محافظات صلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى وشمال بابل ومناطق حزام بغداد، ما خلق ظروفا غير مؤاتية لمشاركة سكان هذه المناطق في الانتخابات.
وعلى رغم الانفاق الهائل على التسليح واعداد القوات الامنية والعسكرية، فان الفترة الماضية شهدت اختراقات كبيرة في الملف الامني، واقدمت المجاميع الارهابية خلالها على عمليات واسعة نسبيا، وفي اكثر من منطقة ومدينة. علما ان ما يحصل في بلدنا ليس ببعيد عن مواقف بعض دول الاقليم والتطورات في بلدان مجاورة، لا سيما في سوريا، وانعكاساتها على اوضاع بلدنا، خصوصا لجهة التأجيج الطائفي الذي اعتُمد كثيرا في الحملة الانتخابية.
ان استمرار العمليات العسكرية أكثر من خمسة أشهر، وما تسببت به من محن لآلاف العوائل، يعزز ما سبق لحزبنا ان اعلنه مراراً، من أن الحلول العسكرية والأمنية على أهميتها لا تأتي وحدها بالنتائج المرجوة، ولن تحمل أمنا واستقراراً ما لم تترافق مع حزمة متكاملة من الأجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والخطاب الاعلامي الهاديء الذي يؤكد المشتركات وينأى عن الشحن والتأجيج الطائفيين.
وقد ترافق ذلك مع انطلاق ما سمي بحرب المياه، التي تمثل انتهاكا قلّ نظيره للسلوك الانساني ولابسط مباديء حقوق الانسان، ما ادى إلى غرق مناطق واسعة غرب بغداد، وفي المناطق المحيطة بابي غريب تحديداً. وهذا بدوره حال دون مشاركة اعداد كبيرة اخرى من المواطنين في الانتخابات.
لهذا لم يكف حزبنا عن دعوة القوى السياسية النافذة ومطالبتها بالالتقاء والتحاور والتشاور، لتهدئة الاوضاع وخلق اجواء مناسبة لمشاركة المواطنين في الانتخابات. وقد ضمّن هذا المطلب مع مقترحات عملية اخرى، في المذكرة التي وجهها إلى الرئاسات وقادة الكتل وبعض الشخصيات السياسية. ولكن بدا واضحا ان قوى نافذة لم تكن راغبة في مثل هذه التهدئة، لاعتبارات وأسباب ليست بعيدة عن الحسابات الانتخابية الضيقة على حساب مصلحة الشعب والوطن العليا.
سمات الحملة الانتخابية
وتميزت الحملة الانتخابية وطريقة خوضها، وطبيعة القوى والشخصيات التي رشحت نفسها، والتوجهات والشعارات التي طغت على مفردات الخطاب الانتخابي للمرشحين، بعدد من السمات الأساسية التي كان من ابرزها:
أ‌- انقسام جميع الكتل السياسية، وتشظي قوائمها الرئيسية الموحدة التي خاضت في اطارها الانتخابات السابقة. ويعود ذلك بالأساس إلى التمايزات والخلافات والصراعات التي دبّت بين القوى المؤتلفة في هذه القوائم، وإلى التغير في اصطفاف بعضها بسبب اغراءات المكاسب والامتيازات ونتيجة عملية الفرز الطائفي، فيما شُكلت قوائم اخرى بصورة مفتعلة، كمتفرعات من القوائم الأكبر في اطار استراتيجية انتخابية، وللاستفادة من آليات نظام سانت ليغو المعدل. وكان من نتائج هذه الانقسامات ان توزعت خيارات الانتخاب المذهبي والاثني على قوائم عدة، بعد ان كانت مركّزة في قوائم محدودة جدا في الانتخابات السابقة. كما لم تخل الانتخابات هذه السنة من القوائم المستندة إلى الانتماء العشائري، وكان التوجه نحو العشيرة حاضرا في عملية التعبئة والتحشيد وكسب الاصوات من قبل القوى المتنفذة.
ب‌- الحضور الكثيف والاستخدام الواسع للمال السياسي، وتوظيف موارد السلطة ومواقعها وامكانياتها بشكل فاق اية انتخابات سابقة. وقد تجلى ذلك في المبالغ الهائلة التي خصصتها القوى المتنفذة لمرشحي قوائمها الرئيسيين، الذين استأثروا بالنسبة الأكبر من المساحات الاعلانية والدعائية، وتسخير العديد من المحطات والقنوات والاذاعات للترويج لهم.
ت‌- اشتراك رجال الأعمال وكبار التجار والمقاولين بصورة مباشرة في الانتخابات كمرشحين وكممولين للعديد من القوائم، بصورة علنية وصريحة وبشكل غير مسبوق.
ث‌- ما تعكسه هذه الظاهرة من تشابك متنامٍ بين السلطة والمال، وما تدل عليه من ترابط في المصالح بين اقطاب السلطة ودهاقنة المال، وما يؤشره ذلك باعتباره أحد مظاهر استشراء الفساد واسبابه.
ج‌- رفع معظم القوائم شعارات ووعود التغيير، بما فيها قوائم القوى الماسكة بالسلطة، وذلك انحناء للمطالب الشعبية في مسعى لاحتواء الشعار واختزال وتقزيم مضامينه، ولتزييف وعي الناخبين وخلط الاوراق مع برامج القوى الجادة في السعي الى التغيير والاصلاح، ومنها قائمة التحالف المدني الديمقراطي.
ح‌- تبني القوائم خطابا ومفردات تعلن التأييد للدولة المدنية والسعي لبنائها، بمن فيها قوائم تعلن أن هويتها دينية ومذهبية. فيما لوحظ تصاعد النبرة "الانتقادية" من جانب رجال الدين والمرجعية، واصدار الأخيرة فتاوى وتصريحات تشدد على التغيير، وعلى عدم التصويت لمن ثبت فشله وضلوعه بالفساد. وقد حاولت هذه القوائم تغيير صورتها باشراك شخصيات مدنية في قوائمها وابراز نساء سافرات في دعايتها. علما ان اسماء جميع الائتلافات التي صادقت عليها المفوضية المستقلة للانتخابات، خلت من اية اشارة دينية او مذهبية.
خ‌- يعتبر خوض الاحزاب والقوى والشخصيات المدنية الانتخابات في قائمة موحدة، لأول مرة في اطار قائمة التحالف المدني الديمقراطي، حدثا متميزا ونوعيا في المشهد الانتخابي، كان له وقع سياسي مؤثر في اوساط واسعة من الناخبين، تتعدى دوائراعضاء وانصار الاحزاب والقوى المؤتلفة.
د‌- استمرار تضخم اعداد المرشحين، حتى بلغ معدل عدد المتنافسين على المقعد الواحد 45 مرشحا في بغداد و27 مرشحا في عموم العراق، ما يؤدي إلى تشتيت الأصوات وارباك الناخبين، فضلا عن كونه وسيلة لحشد الاصوات للمرشحين الاساسيين في قوائم القوى المتنفذة ولكسب الولاءات.
ذ‌- اشراك القوات الامنية، خلافا لروح الدستور والقوانين النافذة بخصوص الترويج الانتخابي، في تثبيت المواد الاعلانية او توزيعها في الاماكن العامة لصالح قائمة معينة، او استخدام الاوامر العسكرية في توجيه المنتسبين لصالح مرشحين محددين.
ر‌- انتشار مجموعات مسلحة ومليشيات تحمل مسميات وعناوين مختلفة، في عدد من مناطق بغداد والمحافظات، بحرية لافتة ودون تدخل من القوى الأمنية، وهي تحث الناس على التصويت لقوائم معينة ذات هويات طائفية.
ز‌- الدور المحسوس الذي لعبته الدول والقوى الاقليمية في دعم بعض القوائم الانتخابية.
تدلل الظواهر المؤشرة في ما تقدم، اضافة إلى ارتفاع نسب المشاركة الانتخابية، على ان شعبنا ضاق ذرعاً بالاوضاع القائمة، وبما تحمل من ازمات وسوء اداء وفوضى، وصراعات متواصلة على السلطة والنفوذ والمغانم، وانعدام للامن واستشراء للفساد، وازدياد لظواهر وممارسات التضييق على الحريات المدنية، مثلما سئم من الفشل المتكرر لمن ظل يمنحهم ثقته، حتى بات يتطلع إلى التغيير. وكانت الرسالة من الوضوح والقوة بحيث فرضت نفسها على جميع القوائم، فاطلق الجميع وعوداَ بالتغيير ولكن مع التباين في مضامينه وآليات تحقيقه.
التغيير المنشود
فبعض الكتل والقوائم لخصت التغيير باقامة حكومة الأغلبية السياسية تحت قيادتها، ما يعني عمليا ازاحة من يختلف معها، والاتيان بمن يرتضي قيادتها من مختلف "المكونات" والقوى، ويعطيها حرية واسعة في السيطرة على مفاصل الحكم. وترى هذه الكتل ان حكومة الأغلبية تمثل سبيلا لتجاوز المحاصصة، لكنها من وجهة نظرنا لا تقود الى ذلك.
في مواجهة ذلك تطرح قوى سياسية اخرى فكرة حكومة "شراكة الأقوياء"، ويقترح غيرها اقامة "حكومة وطنية تضم الشركاء الأقوياء" او حكومة " شراكة حقيقية"، وهذه جميعا هي في الجوهر صيغ معدلة وتنويعات مختلفة لحكومة المحاصصة الطائفية والاثنية، لا تمس جوهرها.
اما نحن فندعو الى التغيير الشامل، الذي يتضمن انهاء نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية،، وتغيير نمط التفكير ومنهج العمل وأسلوبه، الى جانب تغيير التعامل مع القوى السياسية الأخرى ومع القضايا والمشاكل والأزمات. وهذا كله يستتبع منطقيا اجراء تغيير في الأشخاص، ليأتي من هم أكثر آهلية وقدرة على تحقيق التغيير وتجسيده في الواقع والممارسة الملموسين.
ويتبيّن من ذلك ان الصراع الانتخابي، على الرغم من فقر مضامينه البرنامجية لدى أغلب القوائم والمرشحين، إنما ينطوي على صراع فكري - سياسي علينا الانتباه اليه، والتركيز على توضيح فهمنا للقضايا والشعارات والمفاهيم، التي يدور حولها الصراع ويتباين الاجتهاد والتأويل وفقا للمصالح الضيقة، والتثقيف بمواقفنا ازاءها.
دور المفوضية العليا للانتخابات
كان للمفوضية دور واضح الانحياز، تجلى في مواقفها واجراءاتها بحق المرشحين والمصادقة عليهم، واتخاذها قرارات غير منصفة باستبعاد بعضهم. وعكس هذا التعامل انتقائية وتسرعا استهدفا مرشحين من قوائم مختلفة، معروفين بمواقفهم الناقدة للحكومة وممن يتمتعون بمساحة اعلامية واسعة. وفي المقابل تم قبول مرشحين يواجهون تهم فساد، بل ومساندة للارهاب. كما لم تكن المفوضية عادلة في محاسبتها لمرتكبي المخالفات ومعاقبتهم، حيث غضّت النظر عن الانتهاكات الصارخة لضوابط الحملة الانتخابية والدعائية، من قبل بعض القوائم الكبيرة ومرشحيها الاساسيين. كذلك لم تتخذ اي اجراء بشأن الانفاق الباذخ غير الاعتيادي على الحملة الانتخابية، من جانب القوائم الرئيسية للقوى المتنفذة. وقد اثيرت ايضا اعتراضات بخصوص تأمين مشاركة النازحين والمهجرين من محافظة الأنبار وغيرها في العملية الانتخابية.
وجاءت هذه المواقف لتؤكد محاذير التشكيل المحاصصي للمفوضية المستقلة لللانتخابات، والذي ينتقص عمليا وفعليا من استقلاليتها عن القوى المتنفذة. ومع أننا نرحب باعتماد البطاقة الذكية وتوزيعها على الناخبين، لكن العجالة التي تم بها تنفيذ المشروع، واعتماد البطاقة قبل استكمال قواعد البيانات الضرورية لضمان التعرف على الناخب ولقطع دابر اي محاولة للتزوير، اوجد ثغرات نأمل ان تحرص المفوضية على عدم السماح باستغلالها. كما ان آلياتها، خصوصا تعريف ورقة الانتخاب، تثير تساؤلات وقلقا بشأن مدى سرية الانتخاب، اضافة إلى التأخير والارباك الذي تسبب به عطل الاجهزة في الكثير من المراكز الانتخابية.
ولعبت هيئة المساءلة والعدالة دورا تمييزيا في بث الشكوك والاشاعات، التي اساءت الى عدد من مرشحي التحالف المدني الديمقراطي باسم تشابه الاسماء، وحرمت بعضهم من المساهمة بسبب ممارساتها اللامهنية.
وفي اقتراع الخارج، تكررت مشكلة الاوراق الثبوتية المطلوبة من ابناء الجاليات العراقية، والتي ادت عمليا إلى اقصاء اعداد كبيرة جدا، خاصة من ابناء الجيل الثاني، إلى جانب سوء اختيار مراكز وأيام الاقتراع، ما ادى إلى تقلص نسبة المشاركة إلى أقل من عشرين بالمائة.
واثير العديد من الملاحظات الجادة بصدد الحملة الانتخابية وما رافقها من تجاوزات وثغرات، كذلك شكاوى التجاوز والتزوير خلال عمليات العد والفرز ونقل صناديق الاقتراع وادخال البيانات. فالمفوضية، وهي المسؤولة عن تأمين سلامة العملية الانتخابية وشفافيتها وعدالتها، لم ترتق في اجراءاتها الى مستوى مواجهة ما رافقها من انتهاكات.
الحملة الانتخابية لحزبنا وللتحالف المدني الديمقراطي
حدد الحزب مبكرا استراتيجيته لخوض الانتخابات النيابية، في ضوء تحليله لواقع أزمة البلاد وما تتطلبه معالجتها من تغيير في موازين القوى، لاجل اعادة بناء العملية السياسية بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفية والأثنية، وتأمين شروط بناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية. كذلك اعتمد الدروس المستخلصة من النجاحات التي تحققت في انتخابات مجالس المحافظات، ومقتضيات نظام انتخابات سانت ليغو المعدل.
وفي ضوء هذه الاعتبارات جميعا سعى الحزب بدأب إلى توسيع التحالفات القائمة في اطار التيار الديمقراطي، لتضم قوى مدنية ديمقراطية جديدة ومؤثرة. واسفرت سلسلة من اللقاءات والحوارات مع طيف واسع من القوى والأحزاب والشخصيات السياسية والعلمية والثقافية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني، عن تشكيل ائتلاف واسع هو التحالف المدني الديمقراطي في بغداد وثماني محافظات اخرى، وائتلافين رديفين فرضت الخصوصيات المحلية تشكيلهما، وهما ائتلاف البديل المدني المستقل في محافظة البصرة، والتحالف الديمقراطي في محافظة النجف. وضمت هذه الائتلافات قوى وشخصيات لها حضور انتخابي مؤثر.
والجدير بالتنويه ان هذه القوى جميعا اتفقت على برنامج انتخابي وضعت مفرداته الرئيسية قوى التيار الديمقراطي وبضمنها حزبنا. كما ان قوى التيار الديمقراطي ظلت تلعب دور المحرك الرئيس للتحالف الموسع، والمروج الاساسي له.
واستطاع هذا التحالف، بفضل النشاط المكثف لرفاقنا واصدقائنا وللقوى والشخصيات الديمقراطية في التيار الديمقراطي، ان يكسب تعاطفا متناميا مع طروحات برنامجه الداعي للتغيير، وتقديمه البديل لنهج القوى المتشاركة في نظام حكم المحاصصة الطائفية والأثنية. وكان التاثير المتنامي للتحالف واضحا في مختلف الاوساط، حيث لم يقتصر على اوساط المتنورين والشرائح المدنية والشباب والنساء وفي الجامعات والمعاهد، بل امتد إلى مناطق واحياء شعبية.
وليس مبالغا القول ان الحزب وتنظيماته في عموم العراق قام بتنظيم افضل حملة انتخابية حتى الآن، حيث انخرط في مبادرات ونشاطات جماهيرية متنوعة، تميزت بالحماس والجرأة والاندفاع نحو التواصل الواسع مع الناس، عن طريق الندوات والحملات المتنوعة، والمسيرات الراجلة التي ضمت العشرات من الشيوعيين، جلهم من الشباب، وشارك فيها مرشحو الحزب في القائمة، وطافت في احياء بمناطق شعبية كانت تعتبر حتى عهد قريب جداً مغلقة بوجه الشيوعيين. إلى جانب حملات طرق الأبواب التي شملت آلاف البيوت والاسر، والفعاليات الثقافية والاحتفالات المتنوعة. وما يستحق التنويه والاشادة هنا هو الدور المتميز والنشيط الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للقائمة وبرنامجها ومرشحيها. كما كان لمرشحي الحزب في القائمة نشاط مكثف في التواصل مع الناس في مختلف المناطق والاحياء.
وتظهر النتائج المعلنة ان القائمة سيكون لها تمثيل وحضور في مجلس النواب القادم، وهذا انجاز مهم ما كان ليتحقق لولا صحة الوجهة في بناء التحالفات المدنية الواسعة، وكثافة وسعة التحرك في اطار الحملة الانتخابية واتساع نشاطها الجماهيري، وسلامة ووضوح خطابها وبرنامجها، وصدقية رموزها ومرشحيها في تمثيل المشروع المدني الديمقراطي البديل. ويمكن اعتبار هذا التمثيل، بغض النظر عن حجمه، اختراقا لساحة كانت تحتكرها القوى المتنفذة لصالح تكريس نهج المحاصصة الطائفية والأثنية.
ونحن نعتبر المرشح الفائز من القائمة ممثلا لجميع القوى والشخصيات المؤتلفة فيها، والتي لولا ائتلافها وتعاونها ونشاطها المشترك ما كان ليتمكن اي طرف منها بمفرده، مهما علا رصيده، من تحقيق هذه النجاحات.
وما يجدر ملاحظته هنا والتوقف عنده، ان افضل النتائج التي تحققت للقائمة جاءت في المحافظات التي نجحت في تشكيل اوسع تحالف للقوى المدنية. وبنحو اعم نؤشر حقيقة ان القوى المدنية الديمقراطية اتجهت نحو التوحد مقابل الميل للانقسام والتشظي في قوائم الكتل الكبرى المذهبية والاثنية.
تطورات الاوضاع السياسية في إقليم كردستان
وجد تفاقم ازمة البلد العامة خلال الاشهر الاخيرة، وحمى التنافس الانتخابي وضراوته، انعكاساتهما وتاثيراتهما الثقيلة على ملامح الوضع في اقليم كردستان العراق، لا سيما بتضافر مفعول تلك التأثيرات مع التغيرات التي طرأت على موازين القوى الحزبية في الاقليم، والناجمة عن حصيلة انتخابات برلمان كردستان، وما ارتبط بها من تغيير في المواقع وفي فرص صنع القرار والتحكم بالسلطة والثروة والنفوذ. ولم يكن ذلك كله، من جانب آخر، بمعزل عن الاحداث الجارية في المنطقة، وتأثيراتها على الاوضاع في الاقليم وفي العراق، لا سيما ما تشهده سوريا من ازمة لا تلوح ثمة ملامح حل قريب لها، اضافة الى تدخلات الدول الاقليمية في شؤوننا الداخلية.
لقد تركت تلك التطورات والاحداث بصماتها على الوضع الداخلي في الاقليم، الذي شهد مزيدا من التوتر والجفاء بين الاطراف السياسية، وصعوبات اقتصادية اضافية وضعفا في وتيرة الاستثمار، وفي استقرار الاقليم.
وكان من معالم ومقومات هذا التوتر، فشل التسوية بين الحكومة الاتحادية والاقليم حتى اللحظة، في كل الملفات ذات العلاقة. وتجسد ذلك بنحو مباشر في الاخفاق باقرار موازنة 2014، وعدم الاتفاق على سياسات النفط والغاز، وعدم حسم قضية قوات البشمركة، ومسألة التنسيق الامني – السياسي وغيرها الكثير، وفي المقدمة الموقف من المادة 140 وقضية المناطق المتنازع عليها.
وقد تدهورت العلاقة بين الطرفين، وضاقت مساحة التفاهم والتنسيق والتشاور الى حد الاقدام على فرض عقوبات جماعية ضد الاقليم، وتعطيل تشريع قوانين اساسية كالموازنة الاتحادية، وتمادي الأطراف في التفسير المنفرد للدستور، والاقدام على خطوات واجراءات تعمّق شقة الخلاف بين الحكومة الاتحادية والأقليم، وتتعارض مع نص وروح الدستور. وترافق ذلك مع تصعيد مستهجن للخطاب المتطرف والتعصب القومي الشوفيني، الذي يلحق الضرر بالاخوة العربية- الكردية، وبوحدة العراق الوطنية.
وقد انعكس الفشل في التوافق على قانون النفط والغاز وتمريره، وغياب الأجواء المشجعة على التحاور والتشاور والتنسيق في مجال السياسة النفطية، بين السلطات المسؤولة عن القطاع النفطي في الحكومة الاتحادية وحكومة الأقليم، في انتهاج الأقليم سياسة نفطية مختلفة عن السياسة النفطية للحكومة الاتحادية، وهذه حالة تلحق الضرر بالعراق عموماً، بما فيه الاقليم. وقد دعونا من جانبنا إلى تفعيل آليات الحوار لحل المشاكل القائمة، والعمل جديا من جميع الأطراف، على تفكيك العقد التي تحول دون التوافق على قانون النفط والغاز وبقية القوانين ذات الصلة بالقطاع النفطي.
ولا بد من الاشارة الى ان الصراع على المواقع الحكومية، الذي تفاقم اخيرا بين القوى المتنفذة في الاقليم، خصوصا بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وما ادى اليه من تأخير في تشكيل حكومة الاقليم، رغم انقضاء اكثر من ستة اشهر على انتهاء انتخابات برلمان الاقليم، سيغري كثيرين من المتربصين الخارجيين والداخليين بالاقليم واستقراره، على ان يوظفوا لخدمة مشاريعهم وخططهم ذلك الصراع غير المنضبط، وما يعكس من تضارب في المصالح بين الاطراف السياسية في الاقليم، الى جانب هشاشة نمط التنمية والاستثمار السائد فيه، والذي يهمل تطوير القطاعات الانتاجية، الصناعية والزراعية والخدمية، ويركز على الخدمات الاستهلاكية، الى جانب استمرار مظاهر الفساد وسوء الادارة. ولا شك ان هذه المظاهر غير السليمة، تشوه معالم بناء تجربة سليمة في الاقليم، يمكن لنموذجها ان يساعد في بناء العراق المدني الديمقراطي الفيدرالي، الموحد والمستقل.
ان هذا كله يستدعي من القوى السياسية الكردستانية التي تشعر بمسؤولياتها القومية والوطنية الديمقراطية، تدارك الموقف بتفعيل الحوار الداخلي، وتحقيق انعطافة سليمة في مسار الاحداث لصالح تعزيز التحالف في ما بينها على اساس برنامج مشترك، يعبر بالاساس عن مصالح وطموحات الشعب العادلة والمشروعة، ويرسخ المؤسسات والقيم الديمقراطية، ويمنع تطاول وتدخل القوى الخارجية، ويؤسس لمساهمة فعالة في تقويم وتصحيح مسار العملية السياسية في العراق عموما.
تشكيل الحكومة القادمة
انطلقت التصريحات والتحركات من قبل الكتل الرئيسية وقادتها في شأن اسس وطبيعة الحكومة المقبلة ومواصفات من يتولى قيادتها، ولمّا تعلن المفوضية بعد النتائج النهائية للانتخابات. واقترن ذلك ببيانات متقابلة تنطوي على مبالغات في شأن ما ستحصل عليه كل قائمة.
وفي هذا السياق ظهرت مصطلحات " حكومة الاغلبية " و" الشراكة الحقيقية " و "شراكة الاقوياء"، وتلازم ذلك مع تمسك دولة القانون بتجديد الولاية للمالكي مرة ثالثة.
ان حزبنا ينطلق في تحديد موقفه تجاه ذلك من المصالح العليا للبلاد، ومن الطابع الانتقالي للمرحلة والظروف الاستثنائية التي لا تزال بلادنا تعيشها، وما يمليه هذا من مهمات واولويات تتعلق بترسيخ البناء الديمقراطي الاتحادي للدولة، ومراجعة اسس هذا البناء والادارة بعيداً عن المحاصصة الطائفية الأثنية، وضرورة ان تتسم الحكومة القادمة بسعة التمثيل وبالانسجام وأن تضم عناصر كفوءة، وبشرط أن يؤمّن وحدتها وسلامة وجهتها برنامج سياسي يكرس ذلك كله، ويتشارك الجميع في صياغته واقراره والالتزام بتنفيذه. وهذا ما تلخصه دعوة الحزب الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم على برنامج سياسي متفق عليه. وهي بهذا المعنى حكومة اغلبية سياسية طبيعية، من شأنها ان توفر قاعدة قوية ومستقرة للحكومة.
ويقدم اعتماد الاسس المذكورة في تشكيل الحكومة، صيغة اكثر نضجا وتوافقا مع المباديء التي نص عليها الدستور، من صيغة حكومة الشراكة التي اعتمدت في الدورات السابقة.
فمفهوم حكومة الشراكة ترجم عمليا إلى شراكة "مكونات" طائفية واثنية، ينال ممثلوها "حصة" في الحكومة وفي الدولة. وكشفت التجربة ان "المكون" اختزل إلى بعض الأحزاب والاشخاص الذين احتكروا حق تمثيله، فتحولت الحصص إلى امتيازات تمنح للمكون ظاهرا، ولكنها تذهب واقعا الى الجهات "الممثلة" له.
كذلك تعرض مفهوما "التوافق" و"التوازن" الواردان في الدستور، إلى التحوير والالتفاف على المعنى الحقيقي الذي قصده الدستور. فالتوافق المقصود هو ذلك الذي يتجسد في البرنامج السياسي والحكومي المتفق عليه من قبل الاطراف المشتركة في الحكومة، والتي من المحبذ والمطلوب ان يتمثل فيها التنوع القومي والديني والمذهبي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع العراقي. الا ان التوافق اختزل الى حد كبير في حكومة المحاصصة، إلى آلية الاجماع في اتخاذ القرار، وما جرّه ذلك من تعطيل في اتخاذ القرار الحكومي، لا سيما مع تفاقم الخلافات بين المتشاركين في السلطة. فمبدأ الاجماع مطلوب في القضايا الاستراتيجية والاساسية، وينبغي ان يتحقق عبر عملية المشاركة في صنع القرار وليس في مجرد اتخاذه.
اما مفهوم "التوازن" فيجري التعكز عليه لتكريس التحاصص، ولجعل تمثيل "المكونات" شاملا جميع مؤسسات الدولة والمناصب الادارية القيادية فيها، الامر الذي يؤدي إلى تشطير اجهزة الدولة، والتجاوز على معايير الكفاءة والنزاهة والمواطنة في الوظيفة العامة. وهذا التفسير والتأويل للمفهوم يمثل بدوره التفافا على المعنى الذي قصده الدستور، وهو التوازن بمعنى رفض التمييز والاقصاء في التعامل مع أي فئة او مكون اجتماعي، واعتماد التعامل على اساس التساوي في حقوق المواطنة. كذلك بمعنى تعارض مبدأ التوازن مع تحويله إلى امتيازات تمنح لممثلي المكونات، وفقاً لنهج المحاصصة الطائفية والاثنية الجاري العمل به، وعلى حساب قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب، ومعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة.
ويشغل موضوع الولاية الثالثة موقعا محوريا في عملية تشكيل الحكومة القادمة. وهو يعتمد على عدد من العوامل، اهمها الطريقة التي ستعتمد في تحديد الجهة التي ستكلف بتشكيلها.
فحسب تفسير المحكمة الاتحادية الذي اعتمد في الدورة السابقة، تكلف بتشكيل الحكومة الكتلة النيابية الأكبر عددا وليس القائمة الفائزة. وفي هذا السياق يبرز التساؤل عما اذا سيتم الالتزام بالتقليد المتبع حتى الآن، وهو ان يبدأ تشكيل الحكومة من التحالف الوطني. ذلك ان اكثر من طرف داخل التحالف بات يطرح افكارا تلمح الى ضرورة نوع من المراجعة لهذا المبدأ. فإذا ما تم تجاوز او تعديل هذا التقليد، بما يسمح لمكونات التحالف التحرك لتشكيل ائتلافات مع قوائم وقوى من خارجه، فستكون لوحة التوازنات مختلفة.
وفي المطاف الأخير سيكون للنتائج دور مقرر وحاسم، وارتباطا بذلك لا يجوز ان نستبعد احتمال تحريك الاطراف مواقفها في اتجاه ما تمليه النتائج، وربما الضغوط الخارجية ايضا.
اننا لا ننظر إلى مسالة الولاية الثالثة بمعزل عن نظرتنا الشاملة الى الاوضاع وتوازناتها الداخلية والخارجية، وعن مشروعنا الرامي إلى احداث التغيير المطلوب في المنهج، وفي اسلوب وطريقة التفكير والتعامل السياسي مع الحلفاء والشركاء ومع القضايا والمشاكل القائمة، بما يعزز اسلوب الحوار والتوجه نحو تحقيق المشاركة في صنع القرار ونبذ التفرد، والبحث عن حلول للمشاكل العالقة وتجنب التخندقات وكل ما يساهم في انتاج وتأجيج الازمات. ويعرب حزبنا عن استعداده للتعاون مع من يسعى لتخليص البلاد من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، ومن أجل اعتماد نهج جديد في التعامل بين القوى السياسية وفي ادارة شؤون البلاد، بما يجعله اقرب الى من لم يتورطوا او يشاركوا في خلق الأزمات، وفي التسبب بمساويء الفترة الماضية.

ويظل تشكيل الحكومة مفتوحا على اكثر من احتمال، لا سيما وان تطور الأوضاع في العالم والمنطقة يؤثر بالضرورة على مواقف القوى الأقليمية، التي لا يمكن اغفال تأثيرها على الأطراف والكتل السياسية العراقية المختلفة. وان التطورات في العلاقة بين ايران وكل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، والميل فيها إلى خفض التوتر وتضييق شقة الخلاف بشأن الملف النووي الايراني، اضافة الى بوادر الانفتاح السعودي على ايران ودعوة وزير الخارجية الايراني لزيارة السعودية، والتوافقات التي سمحت بتشكيل الحكومة اللبنانية والتئام مجلس النواب فيها، واخيرا تخفيف التشدد في الموقف الامريكي من نظام الاسد، والتقارب مع روسيا في تأكيد الحاجة الى حل سياسي، اضافة إلى الرغبة الأمريكية في استمرار المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، ان هذا كله يرجح الميل نحو تشجيع التهدئة في العراق.
وبغض النظر عما ستكشفه الأيام القادمة، فإن موقفنا من اي تشكيلة حكومية سيتقرر في ضوء البرنامج الذي سيتم اعتماده لها، ومدى قربه او بعده عن برنامج قائمة التحالف المدني الديمقراطي، ومدى رغبة وجدية واستعداد اصحابه لاتخاذ خطوات واجراءات ملموسة وعملية، للخروج من نظام حكم المحاصصة الطائفية والأثنية، واصلاح عملية بناء الدولة ومؤسساتها، واستكمال التشريعات الضرورية لتوطيد بنائها الديمقراطي، واعتماد منظومة اجراءات عسكرية وامنية وسياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية متكاملة لمحاربة الارهاب وتجفيف منابعه، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقة ترمم النسيج الوطني وتوفر السلم الأهلي، وتبنّي سياسة تنموية واضحة المعالم، الى جانب التصدي للفساد - توأم الارهاب.
وفي حال عدم توفر الشروط اعلاه، ومجيء الحكومة الجديدة نسخة من حكومات المحاصصة المقيتة، فاننا سنكون ضمن المعارضة المسؤولة التي تقف في وجه الأخطاء والسياسات غير السليمة، وتساند الخطوات والتشريعات الايجابية المنسجمة مع برنامجنا ومع الاصلاحات المنشودة لمصلحة الشعب والوطن.
مهامنا القادمة
كانت الحملة الانتخابية لقائمة التحالف المدني الديمقراطي والقوائم الرديفة لها موفقة، وكان لمنظماتنا ورفاقنا واصدقائنا في ذلك دور ونشاط متميزان يستحقان التثمين العالي، حيث نجحوا في الاتصال بعشرات الالوف من المواطنين والمواطنات في عموم العراق، واعادوا تفعيل الصلات مع الكثير من الشيوعين والمناضلين السابقين الذين انقطعت الصلة بهم. وفي سياق الحملة تم كسر العديد من الحواجز النفسية والعملية والسياسية، التي كانت تعيق وتحد من تواجدنا ونشاطنا في العديد من المناطق والأحياء الشعبية، ما يفتح آفاقا وفضاءات جديدة لعملنا ونشاطنا مستقبلاً.
ومما يستوجب الاهتمام بشكل خاص، ادامة الصلة وتمتينها مع الجمهرة الواسعة من الاصدقاء والمتعاطفين مع برنامج التحالف المدني الديمقراطي ومع حزبنا، لا سيما الشباب والنساء منهم، الذين شاركوا بحماس في الحملة الانتخابية. وهذا يتطلب همة ومتابعة و مبادرة وابداعا في ابتكار الاشكال والاساليب المناسبة للعمل معهم.
من جانب آخر اثبتت تجربة الانتخابات صحة التوجه نحو اقامة التحالفات، وتحديدا تشكيل التحالف المدني الديمقراطي، الذي فرض نفسه على الساحة السياسية قطبا تجتمع حوله القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية في المجتمع، وبات يمثل من دون ريب الحامل الرئيس للمشروع المدني الديمقراطي. وينبغي الا يغيب عن الاذهان ان هذا التحالف ما كان لينجح، لولا وجود نواته الصلبة المتمثلة بقوى التيار الديمقراطي، بضمنها حزبنا الشيوعي.
ان هذه المستويات المختلفة من التحالفات، والتي يعزز احدها الآخر، تتطلب رعاية متواصلة وترسيخا عبر ادامة وتوثيق العلاقة مع القوى الحليفة، وتعزيز العمل المشترك معها، والحرص على الارتقاء سوية نحو تحقيق تعهداتنا البرنامجية. كما ان علينا الاستفادة من الدينامية التي خلقتها حملتنا الانتخابية، ومن مظاهر التغير الايجابي في مواقف اوساط جماهيرية واسعة، إزاء التحالف المدني الديمقراطي ومشروعه ومفردات خطابه ومفاهيمه.
كذلك اشرت مجريات الحملة الانتخابية التقبل الواسع لحزبنا وسياسته ورموزه خارج دوائر ومساحات نشاط منظماتنا الحالية، ما يحفز على مضاعفة المبادرة، وعلى العمل والنشاط المبرمجين للتحرك واشغال هذه المساحات.
ولا بد من التأكيد ان الانتخابات ونتائجها لا تمثل إلا محطة في عملنا ومسعانا إلى احداث التغيير، الذي يتطلب تحقيقه تعديلا في موازين القوى السياسية على صعيد المجتمع. ومن الواجب ان يتواصل العمل يدا بيد الحلفاء الحاليين، ومع آخرين محتملين من القوى المدنية والديمقراطية ومن الوطنيين الآخرين، داخل مجلس النواب وفي مجالس المحافظات، لتمرير التشريعات الضرورية،والارتقاء بمستوى اداء اجهزة الدولة،وتحقيق الاصلاحات المطلوبة، وتأمين الخدمات للمواطنين، وتعزيز الحريات المدنية، واستكمال وتوطيد المؤسسات الديمقراطية.
وبموازاة العمل على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، يتوجب تعزيز وتطوير النشاط الجماهيري المطلبي والتنويري، بالتعاون والتنسيق مع شبكات منظمات المجتمع المدني والاتحادات النقابية والمهنية والمنظمات الثقافية.
ولعل العمل في صفوف النساء من اجل القضايا المتصلة بحقوقهن واحوالهن ومشاركتهن في الحياة العامة وفي الدولة، يمثل محورا اساسيا في برنامج التحالف المدني الديمقراطي وفي برنامج حزبنا، ويعتبر ميدانا رئيسيا للصراع من اجل اشاعة القيم والممارسات المدنية، وتكريس مباديء حقوق الانسان، وازالة الحيف الذي يلحق بالمرأة.
اخيرا، ليس في المؤشرات المتوفرة ما ينبيء بحدوث تغيير جوهري في الأوضاع، رغم عدم استبعاد وقوع تغيرات جزئية. لكن التغيير الذي ننشده يبقى مطلبا وضرورة وتحديا امام سائر قوى شعبنا الخيرة، خصوصا منها المدنية الديمقراطية وفي قلبها قوى التيار الديمقراطي، التي يتوجب ان تشحذ الهمم وترتقي بمستوى علاقاتها وعملها المشترك، وتستند إلى ما تحقق من نجاحات في تعزيز مكانتها وحضورها السياسيين، وفي تحولها إلى قطب اساسي مؤثر في حياة البلاد السياسية.
ان النجاح في النهوض بهذه المهمات يتوقف الى حد كبير على حزبنا، متمثلا بقيادته وهيئاته ورفاقه واصدقائه وجماهيره، وعلى نشاطهم ومبادراتهم وانفتاحهم.
وان حزبنا، مع غيره من الديمقراطيين والوطنيين، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، سيواصل العمل من اجل تحقيق الامن والاستقرار ودحر الارهاب والفساد، وتخليص بلدنا من نهج نظام المحاصصة الطائفية- الاثنية، ومن اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والمؤسسات والقانون واحترام حقوق الانسان.
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
أواسط آيار 2014