وثائق وبيانات

مداخلة الحزب الشيوعي العراقي في المؤتمر العالمي الذي نظمه حزب الشغيلة التقدمي (أكيل) في قبرص

بشأن "تهديدات الفاشية والقوى الرجعية في عصر الامبريالية والحروب"
الرفاق الأعزاء
اسمحوا لي بداية ان انقل اليكم أحر تحيات الشيوعيين العراقيين وتمنياتهم بنجاح المؤتمر الـ22 لحزب (أكيل) الشقيق، ونعبر عن ثقتنا بأن هذا المؤتمر سيسهم في تعزيز الدور البارز لـ(اكيل) في الدفاع عن الحقوق الأساسية لشغيلة قبرص وفي النضال الوطني العادل للشعب القبرصي من اجل إعادة توحيد بلاده.
كما نعبر عن تقديرنا العالي لرفاقنا في (أكيل) لتنظيم هذا المؤتمر العالمي حول "تهديدات الفاشية والقوى الرجعية في عصر الامبرالية والحروب". ان هذه القضية تكتسب اهمية استثنائية لحركتنا وكل القوى التقدمية، ارتباطاً مع تنامي القوى الفاشية والرجعية المتطرفة، مثل التنظيم الارهابي المعروف بـ"داعش"، بتواطؤ ودعم، مباشر وغير مباشر، من الامبريالية وحلفائها الرجعيين من اجل تحقيق اهدافها الاستراتيجية وتبرير المزيد من التدخلات العسكرية وأشكال اخرى من التدخل. ويتجلى هذا بشكل صارخ في الوضع الحالي في منطقتنا، الشرق الاوسط، وفي بلدنا العراق.
الرفاق الأعزاء
لقد احتفلت شعوب العالم في ايار هذا العام بالذكرى الـ70 للانتصار على الفاشية النازية، الشكل الأكثر عنفاً للهيمنة الطبقية التي تولّدها الرأسمالية والسبب المباشر للحرب وموت عشرات الملايين من البشر. وفي هذه المناسبة، نستذكر بطولة شعب وجيش الاتحاد السوفيتي، وملايين الشيوعيين والمناضلين ضد الفاشية من كل ارجاء العالم الذين كرسوا حياتهم لتحقيق ذلك النصر. كما ان من المهم جداً بالنسبة الى الشيوعيين ان يتذكروا دروس التاريخ والمعركة ضد الفاشية، وأن لا ينسوا مأساة الحرب العالمية الثانية، اضافة الى الحروب العدوانية التي أشعلتها الامبريالية والقوى الرجعية. فهي حافز لتشديد النضال ضد دعاة الحروب والاشكال الجديدة للفاشية، من اجل السلم العالمي والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
الرفاق الأعزاء
في هذه المداخلة القصيرة، وأخذا بالاعتبار عامل الوقت، سنركز على النضال المديد والمستمر لشعبنا العراقي ضد الحرب ومن اجل السلام والديمقراطية.
في 20 آذار 2015 حلّت الذكرى الـ12 للحرب وغزو العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وفي 9 نيسان 2003، بعد ثلاثة اسابيع، انهار نظام صدام الذي كان دكتاتورية فاشية هي الأكثر شراسة في تاريخ العراق الحديث.
الآن، وبعد 12 عاماً، لا يزال العراق يواجه ويعاني التركة الثقيلة لثلاثة عقود من الدكتاتورية وثلاثة حروب: الحرب العراقية - الايرانية (التي استمرت 8 سنوات: 1980 - 1988)، وحرب الخليج الأولى (في اعقاب غزو صدام للكويت في آب 1990)، واخيراً حرب الخليج الثانية (2003). ولكن الشعب العراقي عانى ايضاً "حروباً داخلية" فظيعة، بالاضافة الى 13 سنة من العقوبات الاقتصادية، التي كانت أقسى نظام عقوبات تفرضه الأمم المتحدة. وشن نظام صدام حرب إبادة ضد الشعب الكردي، وتوّج ذلك باستخدام بربري للأسلحة الكيماوية. وأدت الحرب العراقية -الايرانية، التي ابتدأها صدام بالتواطؤ مع الامبريالية الامريكية، الى موت وخراب هائل في كلا البلدين الجارين.
لكن من المهم ان نشير هنا الى انه قبل ان تبدأ تلك الحرب، كان نظام صدام قد شنّ هجوماً دموياً على الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية، بدأ باعدام 31 من الرفاق في ايار1978 الذين وجّهت اليهم تهم زائفة بالعمل داخل القوات المسلحة. واستمرت الحملة المعادية للشيوعية، بالتصفيات الجسدية والاعدامات الجماعية، دون توقف حتى السقوط المخزي للدكتاتورية في نيسان 2003.
الرفاق الأعزاء
منذ عام تقريباً، في 10 حزيران 2014، شنّ تنظيم "داعش" الارهابي وحلفاؤه، من بقايا دكتاتورية صدام الفاشية، هجوماً على مدينة الموصل، واحتل ثاني أكبر مدينة في العراق، واطلق موجة من الجرائم البربرية ضد عشرات الألوف من المدنيين الابرياء. وفي الاسابيع والأشهر التي اعقبت ذلك، شاهد العالم جرائم ضد الانسانية ترتكب بحق المدنيين العراقيين الابرياء. وقد استهدفت اقليات دينية واثنية، خصوصاً المسيحيين والايزيديين والتركمان والشبك، بهدف اقتلاع أقوام اصيلة كانت تعيش بسلام ومتعايشة في وئام على مدى اكثر من ألفي سنة. ان الحملة الارهابية التي أعقبت ذلك، ولا تزال مستمرة منذ ذلك الحين، قد تسببت بكارثة انسانية. فهناك الآن 3 ملايين مواطن اضطروا الى النزوح من ديارهم جراء العنف في العراق.
ان هذه التطورات الخطرة لا يمكن ان تُعزل عن ما مرّ به العراق في السنوات الأخيرة. فالبلد يعيش أزمة عميقة وشاملة ناجمة عن تركة سنين طويلة من الاستبداد والدكتاتورية، ونتائج الاحتلال الامريكي وتدخل القوى الاقليمية. وتكمن جذور هذه الأزمة في نظام المحاصصة الطائفية - الاثنية القائم منذ 2003. كما فضحت الأزمة أجندة القوى السياسية الحاكمة وصراعها للحفاظ على مواقعها في السلطة السياسية وامتيازاتها، بينما تتفاقم معاناة الشعب ويتزايد سخطه جراء البطالة المتفشية والفساد وسوء الخدمات العامة والصحة والتعليم، وتعمق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي على حساب الأنشطة الانتاجية، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني.
ان الحل الجذري لمشاكل البلاد وأزمتها المستعصية يكمن في الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، والالتزام بقيم الديمقراطية الحقيقية، بأبعادها السياسية والاجتماعية ومؤسساتها، وبناء دولة مدنية ديمقراطية.
لقد أسهم الشيوعيون العراقيون ومنظماتهم الحزبية في ارجاء العراق بنشاط في الجهد الوطني لمكافحة ودحر الارهابيين وغلاة الرجعيين وتقديم الدعم الانساني للسكان النازحين. كما انهم، الى جانب بقية القوى الديمقراطية، يلعبون دوراً حيوياً في مكافحة الطائفية والشوفينية والتعصب القومي، ويناضلون لصيانة الوحدة الوطنية والدفاع عن حقوق الانسان والحقوق الديمقراطية.
كما ان حزبنا يعارض بقوة المخططات التي تهدف الى تقسيم العراق على أسس طائفية. ان للعراقيين وحدهم الحق في تقرير مصيرهم، ديمقراطياً ووفق ارادتهم المستقلة، من دون تدخل أي قوى خارجية، مع رفض المساعي لفرض مخططات تخدم أجندة الامبريالية للهيمنة والاستغلال.
التضامن العالمي
وفي هذا النضال العادل لا يمكن الاستغناء عن التضامن العالمي. وان كل اشكال الدعم الدولي التي تقدم للعراق في معركته ضد الارهاب ينبغي ان تستند على الشرعية الدولية وفي اطار الأمم المتحدة. وبهذا الشأن، تكتسب أهمية قصوى مواصلة تقديم الدعم الانساني الى مئات الألوف من النازحين. كما تبرز ضرورة اتخاذ اجراءات فاعلة لقطع التمويل من القوى الرجعية الاقليمية والعربية، بالاضافة الى قطع كل الموارد البشرية والدعم المادي، الذي يتدفق الى تنظيم "داعش" الارهابي وحلفائه.
ان الجرائم الارهابية التي اُرتكبت ضد الشعب العراقي ومنفذيها يجب ان تلقى إدانة قاطعة وشاملة.
ونناشد الاحزاب الشقيقة، وكل القوى التقدمية والمحبة للسلام في العالم، ان تعبّر عن دعمها وتضامنها مع الشعب العراقي وقواه الديمقراطية في معركتها ضد القوى الارهابية والرجعية المتطرفة وضد الطائفية السياسية، ومن اجل دولة مدنية ديمقراطية في عراق ديمقرطي فيدرالي موحد.