وثائق وبيانات

كلمة الحزب الشيوعي في احتفال الذكرى82 *

ويبقى حزب الشيوعيين يواصل المسيرة في قلب الجماهير الناهضة
اثنتان وثمانون سنة تنقضي اليوم على بزوغ ذلك النجم البارق والواعد في سماء الحركة الوطنية العراقية، غامرا بضيائه سوح النضال في سبيل الحرية والاستقلال والتقدم. النجم الذي اطلقته ثلة من رواد الكفاح الوطني الطليعيين المتنورين، الطامحين الى إعتاق شعبهم وبلدهم من ربقة التبعية والبؤس والتخلف، والعازمين على محاربة اسباب التبعية والبؤس التخلف، مجسدين ذلك في التسمية المعبرة التي اطلقوها عليه: "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار".
آنذاك، في اواسط ثلاثينات القرن العشرين، كان المجتمع العراقي يستيقظ من سبات القرون الطويلة تحت هيمنة الدولة العثمانية الخانقة والمدمرة، ويخوض صراعا متناميا لكسر القيود الثقيلة التي تكبله، ومن اجل انطلاق البلاد حرة مستقلة ذات سيادة، في دروب التطور والتقدم والعيش الكريم. وجاء تأسيس التشكيل السياسي الوطني الجديد، ليعزز كفة قوى الحرية والتقدم في ذلك الصراع، ويثريها بافكار العلم والحداثة والتمدن، وبمبادئ النضال الثابت وقيمه.
وانغمرت لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار فور انبثاقها، في الكفاح من اجل التحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودفاعا عن مصالح الكادحين والمحرومين، وحققت خلال الفترة الاولى من مسيرتها تطورا لافتا. وخلال ذلك غيرت اسمها الى "الحزب الشيوعي العراقي"، واصدرت جريدتها الاولى "كفاح الشعب"، وبدأت تحتل موقعها في الحركة الوطنية الناشئة والصاعدة.
وكان هاجس الحزب الرئيسي منذ ذلك الحين، الى جانب تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية، تأمين الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب ولأحزابها الوطنية، وانقاذ الفلاحين من تسلط الاقطاع وتوزيع الأراضي عليهم، وضمان حقوق العمال وحرياتهم النقابية، ونصرة الشعوب العربية المكافحة وخاصة الشعب الفلسطيني، وكل شعوب الأرض في نضالها من اجل التحرر والديمقراطية، وللخلاص من الهيمنة الامبريالية. وفي الوقت ذاته ناضل بثبات، ضد السياسات الشوفينية والتمييزية للحكومات الرجعية والديكتاتورية المتعاقبة، ومن اجل تمتع الشعب الكردي وسائر القوميات الأخرى في البلاد، بحقوقهم المشروعة في إطار عراق ديمقراطي اتحادي موحد.
واتخذ الحزب، وهو يواصل ويطور مسيرته الصعبة والمضحية عبر السنين، موقفاً متميزاً من المرأة وحقوقها، مشددا على مساواتها بأخيها الرجل. كما أولى اهتماماً كبيراً للثقافة والمثقفين، وعمل على تهيئة الأجواء المواتية لاحتضانهم ورعاية مواهبهم وإبداعهم. وفي موازاة ذلك وفي انسجام معه، ناضل دون كلل لتحرير الفقراء وذوي الدخل المحدود، من براثن الواقع الاجتماعي المتخلف، ومن علاقات الإنتاج الاستغلالية.
ولاجل ذلك وغيره، توجه دوما الى جماهير الشعب، ساعيا إلى تكوين أوسع حركة اجتماعية ديمقراطية. وتصدر النضالات الجماهيرية السياسية والاقتصادية، وقاد بجدارة الانتفاضات والهبات الشعبية التي اندلعت ضد الطغيان والعسف، وضد مصادرة حق الشعب في التعبير عن رأيه، وفي التمتع بحرياته أسْوة بشعوب العالم المتقدم.
وبسبب هذا كله، وغيره من قضايا الشعب والبلاد، التي كرس الحزب لها طاقاته في مجرى مسيرته النضالية المديدة والحافلة، تعاملت معه السلطات الرجعية المتعاقبة على حكم العراق، منذ العهد الملكي، بمنتهى الجور والهمجية، اللتين صارتا عنواناً ثابتاً لكل انظمة العسف والديكتاتورية، التي تسلطت على العراق لاحقا، لا سيما في فترتي حكم البعث سنة 1963، وبعد سنة 1968. تلك الانظمة التي كنسها الشعب في آخر المطاف لتنتهي بين قمامة التاريخ، وليبقي الحزب الشيوعي يواصل مسيرته مع قوى العراق الحية الاخرى، وفي قلب جماهيره الناهضة، دؤوبا متفانيا سخي العطاء.
الحضور المحترمون
يلتئم احتفالنا هذا والوطن العزيز يمر في ظروف عصيبة، ويعيش اوضاعا شديدة التعقيد، انتجها نظام المحاصصة الطائفية والاثنية المقيت.
هذا النظام الذي ارسى اسس تشويه الديمقراطية، ورعاية الفساد، وإضعاف وحدة الوطن وسيادته واستقلاله، وانتهاك حقوق الانسان. ووصل الحال في ظله حد اغتصاب مجرمي داعش جزءا عزيزا من ارض الوطن، وسفكهم الدماء الغالية واستباحتهم الارواح والحرمات، كذلك انتشار الفساد على اوسع نطاق، ومعه سوء الادارة، وانتكاس الكثير من اوجه الديمقراطية، وقضم حريات العراقيين، حتى لم يعد الامر يحتمل، ولا عاد بقاء طريقة ادارة الحكم ذاتها مقبولا او ممكنا.
وبهذا اضحى الاصلاح والتغيير حاجة ماسة، بل وضرورة، لتخليص شعبنا من محنته ومعاناته، اللتين فاقمهما تدهور الاحوال الاقتصادية والمعيشية، وانخفاض العائدات النفطية للدولة. وغدت مباشرة الاصلاح العاجل غير القابل للتأجيل، والشامل والبعيد عن المعالجات السطحية والترقيعية، ضرورة ملحة حقا وفعلا.
ومن الجليّ ان هذا لن يتحقق الا بارادة قوية، والا بفعل جماهيري واسع ومنظم، وبوحد كل القوى الحاضنة للاصلاح.
وعلى هذا الطريق تنامت حيوية الحراك الجماهيري، واتسعت صفوفه، ما افضى الى اهتزاز حقيقي في الاوضاع القائمة، والى تصاعد مسار الحراك في اتجاه تحويل الاصلاح والتغيير الى واقع ماثل، يجسد ضرورة بناء عراق جديد حقا وحقيقة، باقتصاده وببناه السياسية والادارية، وبنمط تفكير وسلوك قياداته، ونزاهة وجدارة من يتولون المسؤولية فيه. خصوصا وان البلاد تقطع طريقا غير ميسر، مليئا بالمعرقلات التي يضعها اعداء الاصلاح والمتضررون منه، من الفاسدين ومن المتربصين بالعملية السياسية الديمقراطية، والساعين الى الارتداد نحو عهود الدكتاتورية والاستبداد.
اننا لعلى يقين من ان ارادة شعبنا قادرة على اجتراح المآثر، ووضع العراق على سكة التطور والتقدم، واقامة الدولة المدنية الديمقراطية التعددية الاتحادية، المستقلة ذات السيادة، والمؤسَّسة على قاعدة العدالة الاجتماعية.
ولا يراودنا ادنى شك في ان تماسك قوى الحراك الجماهيري، وانتظام صفوفها، ووضوح برامجها، كفيل بتجاوز كل العقبات التي تعترض طريقها، ودحر كل المخططات والتدخلات الاقليمية والدولية، بما يضمن لشعبنا حقه المطلق في تقرير مصائره وبناء مستقبله.
ضيوفنا، احبتنا
نحتفي اليوم بعيد حزبنا، ونحن نتوجه لتكليل عملنا في السنوات الاخيرة، بعقد مؤتمره الوطني العاشر، ساعين الى تأمين مستلزمات التئامه في الوقت المحدد وفقا لنظامه الداخلي، والى ان نجعل من ذلك منطلقا نحو مزيد من الانجاز على شتى الصعد، لكي يكون المؤتمر بمجراه وبنتائجه، جديرا بثقة شعبنا، وجديرا بحمل راية من ضحوا بارواحهم، من شهداء الحزب والشعب.
تحية للعيد الثاني والثمانين!
وليعش حزبنا الشيوعي العراقي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قدمها الرفيق مفيد الجزائري