وثائق وبيانات

"مساهمة الحزب الشيوعي العراقي في السيمنار النقابي لليسار في البلدان العربية"

*قدمها في السيمنار د. حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب في اليوم الثاني للسيمنار/الجمعة 25 تشرين الأول / 2013

إتجاهات التطور الاقتصادي-الاجتماعي في بلادنا:

تعيش بلداننا ظروفا تكاد تكون متشابهة في ما يخص مستويات التطور الاقتصادي – الاجتماعي و التوجهات التنموية و السياسات الحكومية المعتمدة في الميدان الاقتصاي، فضلا عن تشابه ظروفها السياسية العامة في جوانب عديدة، وتداخل هذه الظروف وتفاعلها المتبادل.
ويشكل التوجه الراسمالي للتطور السمة الابرز في سياسات عموم بلداننا ، ويبدو ان هذا التوجه سيمتد الى آماد مستقبلية ليست بالقصيرة ويتحكم بآليات وقوانين التطور اللاحق في بلداننا على الصعد التنموية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و غيرها.

فقد تبدلت جوهرياً الشروط التي تحكم نهج التطور في بلداننا. فالتوازنات السياسية الداخلية والدولية الناشئة في اعقاب انهيار مشروع التنمية الاقتصادية – الاجتماعية الذي يتسع فيه دور قطاع الدولة، فضلاً عن الوضع الدولي الجديد الذي افرزه انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، بما في ذلك الآثار المتزايدة للعولمة، هذه العوامل جميعا تجعل التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية الجديدة النهج المرجح في بلداننا على المدى المنظور.

ولئن كان خيارنا الاشتراكي هو الذي يضع البلاد على طريق التنمية الشاملة، أي التقدم المطرد من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإن إنضاج شروط تحقيق هذا الخيار يبقى سيرورة نضالية طويلة الأمد.

في ظل هذه الظروف يشكل خوض نضال جماهيري متواصل من اجل حماية الشغيلة و عموم الفقراء و الكادحين من ذوي الدخل المحدود و العاملين باجور من العواقب الاقتصادية و الاجتماعية السلبية للسير في طريق التطور الراسمالي، واحدة من اولى مهام قوى التقدم والاشتراكية.
ويتطلب مثل هذا النضال من الاحزاب الاشتراكية و عموم قوى اليسار والديمقراطية، التي ترفع راية العدالة الاجتماعية وحماية مصالح الشغيلة، صياغة البرامج الديمقراطية الضرورية و تحديد آليات ووسائل العمل و النضال اللازمة في هذا السبيل.
وفي ما يتعلق بالظرف الراهن الذي تعيشه بلادنا، فان حزبنا يقف ضد التوجهات النيوليبرالية الرامية إلى تصفية قطاع الدولة والخصخصة الشاملة واطلاق العنان لقوى السوق، ويدعو لتأهيل واصلاح الشركات المملوكة للدولة ، واصلاح نظام الادارة الاقتصادية في القطاع الحكومي.
وبالتوازي والتلازم مع ذلك ، ندعو ونعمل من اجل اصدار وتفعيل التشريعات التي تنظم آليات عمل السوق، بما يحفظ حقوق و مصالح "المستهلك"، ويضمن الشفافية والجودة وحماية المنتج الوطني .

العمل النقابي ؛ نشاط مهني مطلبي يومي و نضالات سياسية وطنية:

والى جانب الاحزاب الثورية و حلفائها من القوى الديمقراطية الحقيقية، تشكل النقابات والاتحادات المهنية عموما، و النقابات العمالية على وجه الخصوص، حليفا قويا ورصيدا اساسيا في مسار حماية مصالح عموم فئات الشعب . كما تشكل المنظمات المهنية للنساء والشباب و الطلاب وحركاتها الجماهيرية، وكذلك منظمات المجتمع المدني الرصينة، ظهيرا نضاليا لا غنى عنه على هذا السبيل. و هذا ما اكدته انتفاضات "الربيع العربي" خلال العامين ونصف العام المنصرمة.

وارتباطا بطبيعة العمل النقابي، باعتباره عملا اجتماعيا مهنيا مطلبيا بالاساس، الى جانب ملامحه السياسية الوطنية، سعى اليساريون على الدوام من اجل الحفاظ على استقلاليته وابعاد التدخلات و الهيمنة الحكومية والحزبية الضيقة عنه. غير ان هذه الاستقلالية لا تعني باي حال من الاحوال عدم انخراط حزبيين ناشطين فيه من جانب، أو ابتعاد النقابات عن العمل السياسي في الاطار الوطني الديمقراطي العام من جانب آخر. فطبيعة العمل النقابي الجماهيرية، الاجتماعية و المطلبية، وآليات نشاطه التي تتمثل بالمطالبة و التفاوض و الاحتجاج و التظاهر و الاعتصام و الاضراب و مواجهة التعنتات الحكومية و غيرها، تعكس البعد السياسي الواضح له و الحاجة الى ناشطين بارزين و مؤثرين للنهوض بالمهام المذكورة.
لذا يجب على الماركسيين العمل في كل الأوقات على ابراز الوجه السياسي الوطني للحركة العمالية والنقابات عموما.
وضمن هذا الاطار السياسي التعبوي العام، ننظر من جانبنا الى الحركة العمالية و النقابات و الاتحادات المهنية للعمال و لعموم الشغيلة الاخرين باعتبارها فصيلا متقدما و هاما في التنظيمات الاجتماعية المدنية، الى جانب الحركات النسوية و الشبابية و الطلابية، والمنظمات غير الحكومية الرصينة التي اتسع نشاطها في بلداننا خلال العقدين الاخيرين. و نعول على قيام عموم هذه النقابات و المنظمات بدور فعال في النضال من اجل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية، والاسهام النشيط في الائتلافات والتحالفات والمنتديات المدنية الاجتماعية الديمقراطية.

ان عمل النقابات والجمعيات والاتحادات وضرورة استيعابها لكافة الشرائح في قواعدها ، يساعد كثيرا على الاتصال بالجماهير الشعبية، والتعرف على تطلعاتها ومشاكلها، والمساهمة في حلها. كما انه يعد مجالا خصبا للقوى الديمقراطية لنسج اوسع العلاقات معها، وذلك عبر الافادة من الإمكانات المتاحة لهذه النقابات والاتحادات في المجتمع، واتقان طريقة عرض الأهداف والبرامج المطروحة، والالتزام بالاهداف المعلنة.

الموقف الماركسي من النقابات العمالية:
واذا شئنا الحديث بنحو خاص عن النقابات العمالية، فان الفكر الماركسي و تجربة الحركة الثورية تعلماننا ان النقابات منظمات نضالية للطبقة العاملة، تدافع بهاعن مصالحها ومطالبها المادية والمعنوية، و هي في الوقت ذاته مدارس تتعلم فيها كيفية تصعيد نضالها من مجرد الإصلاحات المعيشية و الاقتصادية إلى النضال من اجل التغيير، من أجل إلغاء الاستغلال بكل اشكله.
علينا اذن ان نربط في نشاطنا النقابي بين الإصلاح و التغييرات الجذرية في الوقت نفسه، من أجل انتزاع المكاسب في ظل الرأسمالية ومن أجل الخلاص من الراسمالية في نهاية المطاف. فوعي الطبقة العاملة بمصالحها ينمو خلال النضالات المطلبية اليومية في ظل النظام الرأسمالي، وفي غمارهذه النضالات تتربى عناصر نقابية لتكون مؤهلة و مستعدة لخوض النضالات السياسية الطبقية الى جانب النضالات المطلبية.
يجب على الحزب الثوري أن يتذكر دائما أن النضال من أجل الاشتراكية لا يمكن فصله عن المعارك اليومية في أماكن العمل ضد الإدارة الفاسدة والبيروقراطية.

العمل النقابي في العراق:

يشكل انحسار العمل النقابي ودوره في الحياة العامة في الظروف الراهنة ، و محدودية نشاط النقابات و الاتحادات المهنية عموما ، والعزوف الجماهيري العام من جانب العمال و منتسبي النقابات و الاتحادات المهنية الاخرى، بضمنهم نسبة من الشيوعيين و اليساريين و الديمقراطيين الاخرين عن الانتساب إلى النقابات، يشكل ذلك السمة الابرز في هذا الميدان. ومن مؤشرات هذا الواقع ان نسبة قليلة هي بحدود الـ 15 - 20 بالمئة من منتسبي النقابات يشاركون في مؤتمراتها و فعالياتها المركزية، فيما تنظر الجمهرة الواسعة الى العمل النقابي، مع شديد الاسف، باعتباره جهدا ضائعا لا طائل جديا منه، ولاسباب عدة اهمها:

اولا - التجربة السلبية السابقة للعمل النقابي:
حيث جرى في ظل النظام الدكتاتوري البعثي السابق و على مدى ثلاثة عقود، ترويض النقابيين وتطويعهم و تحويل النقابات الى هياكل خاوية و واجهات شكلية للحاكم و حزبه و لاجهزته الامنية.
ثانيا - المتغيرات الاجتماعية والسياسية في المجتمع:
اثرت التغييرات العميقة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي شهدتها بلداننا خلال العقود الاخيرة سلبا على وعي و ادراك المواطنين و استعدادهم للانخراط في النشاطات السياسية و المهنية و الاجتماعية و الثقافية الجماهيرية، و صار البحث عن حلول شخصية او فردية للمشاكل هو السمة الغالبة لدى نسبة كبيرة من المواطنين.

ثالثا- التدخلات الحكومية بعد عام 2003:
تواصلت بعد التغيير الذي شهده العراق عام 2003 التدخلات الحكومية الفظة في عمل النقابات ، وتجسد ذلك في اصدار القرارات و الاوامر الرئاسية لتقييد و تجميد عملها بحجج واهية، تمهيدا للهيمنة عليها من قبل اطراف و جهات سياسية متنفذة في الحكم. واتخذت الحكومة اجراءات تخالف وتخرق التشريعات الوطنية السارية، والمتمثلة في المادة ( 22 ) من الدستور العراقي وقانون التنظيم النقابي للعمال رقم ( 52 ) لسنة 1987 والنظام الداخلي الموحد للتنظيمات النقابية العمالية في العراق ، فضلا عن معايير العمل الدولية والعربية الصادرة عن منظمتي العمل العربية والدولية، والمصادق عليها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة.

ومن هذه الاجراءات الحكومية:

+ الابقاء على قوانين النظام السابق المكبلة للعمل النقابي و التي تمنع تشكيل النقابات العمالية في مؤسسات القطاع العام(القرار رقم 150 لعام 1987). وتبرر الحكومة موقفها هذا بالادعاء ان النشاط النقابي يجب أن يقتصر على مؤسسات القطاع الخاص، باعتبار أن القانون 52 لعام 1987 الذي اصدره النظام السابق قد حول جميع عمال الدولة إلى موظفين.

+ قرار مجلس الحكم رقم 3 لسنة 2004 الذي يقضي بحل مجالس إدارة الاتحادات والنقابات والمنظمات المهنية، كذلك الجمعيات عدا الخيرية منها, و تشكيل مجالس إدارة مؤقتة تتولى التهيئة لانتخابات عامة لمجالس دائمية لها وفق القانون و الأنظمة النافذة، وتشكيل لجنة وزارية خاصة لتنفيذ هذا القرار وللاشراف على انتخابات النقابات. وهي لجنة ذاع صيتها في التدخل الفظ و المنحاز في العمل النقابي.
وكانت الحصيلة تشكيل لجان تحضيرية غير مهنية وغير مستوفية الشروط وضالعة في عمليات التزوير والتزييف التي رافقت العمليات الانتخابية. و بدلا من ان ينتهي عمل هذه اللجنة المشكلة بموجب القرار المشار اليه خلال سنتين او ثلاث، كما اراد له اصحابه، ها نحن نراه متواصلا رغم مرور عشر سنوات على صدوره.

+ الامر الديواني الرقم 8750 لعام 2005 القاضي بحجز الاموال المنقولة و غير المنقولة للنقابات و الاتحادات المهنية. وواضح ان تجميد اموال الاتحادات و النقابات لا يعني سوى التوجه لتجميد عملها و شله الى ابعد الحدود ، وهذا ما حصل بالفعل في الفترة التي اعقبت صدور هذا الامر من راس السلطة التنفيذية آنذاك, و نعني به رئيس الوزراء.

وجهتنا في العمل النقابي:

تتجسد وجهتنا العامة في العمل النقابي في:
1- السعي الى بناء نقابات مهنية ديمقراطية مستقلة تضم اكبر عدد من منتسبي الفئة الوظيفية أو الاجتماعية المعنية، بغض النظر عن انحداراتهم و انتماءاتهم الثقافية -الاجتماعية و السياسية، تدافع عن مصالحهم و تسهم في تربية كوادر و نقابيين ناشطين، وفي ترسيخ قيم الوطنية و الحرية و الديمقراطية في المجتمع. وضمن هذا الفهم للعمل النقابي تصاغ وجهتنا الاساسية في التحرك، وهي السعي الدائم للوصول الى تشكيل هيئات إدارية نقابية ائتلافية منتخبة، تضم أوسع تمثيل للطيف الاجتماعي و الثقافي و السياسي، مع السعي الدائم لإبعاد التأثيرات و العصبيات الحزبية الضيقة عن العمل النقابي، و الوقوف بوجه التدخلات الحكومية المنافية للدستور و القانون.

2- في سياق المتابعة يتضح يوما بعد آخر ازدياد التحرك من جانب بعض قوى الاسلام السياسي، بهدف الاستحواذ و الهيمنة على العمل في الاتحادات والنقابات المختلفة وتهميش دور الآخرين. الأمر الذي يؤدي الى زيادة التعقيدات والمصاعب في هذا الميدان، ويلزمنا بالمتابعة والتصدي لهذا النهج المخرب للعمل النقابي المستقل، وفق الإمكانات والوسائل المتاحة. كذلك الاستعداد لمواجهة الاجراءات السلطوية المجحفة و التصدي لها. علما إن القوى المذكورة غير منسجمة مع بعضها، بل إن التنافس و التناحر بينها في هذا الميدان هو السائد.
3- العمل على تشجيع التنسيق بين النقابات والاتحادات المهنية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الرصينة، وخلق اشكال مناسبة من ( التشبيك) في ما بينها، كي يكون لها دور مؤثر في الحياة السياسية العامة و لتتمكن من مواجهة تدخلات السلطة و الكتل السياسية المتنفذة في شؤون النقابات والاتحادات ، من خلال تعطيل أنظمتها الداخلية وانتخاباتها وتجميد أموالها، ومحاولة فرض قيادات عليها بالضد من إرادة منتسبيها، ومن ما تنص عليه أنظمتها الداخلية .
4- الاستفادة من كافة الوسائل و الاليات السياسية و السلمية و الدستورية و القضائية، لمواجهة الخروقات و التجاوزات التي تمارسها بعض الاطراف الحزبية و الحكومية بحق العمل النقابي، و توظيف العلاقات الايجابية مع الجهات التشريعية و الرقابية و القضائية في بغداد و المحافظات، لحماية العمل النقابي من هذه التجاوزات.
5- يتصدر اولوياتنا خلال الفترة الحالية اصدار قانون عمل يضمن حق التنظيم النقابي لجميع العمال في القطاعين العام والخاص.
6- عدم التساهل تجاه مظاهر الفساد التي بدات تتسرب الى ميدان العمل النقابي، و التصدي لمحاولات التلاعب باموال النقابات و توظيفها لمنافع شخصية و جهوية غير مشروعة.
7- الدعوة العامة للمشاركة الواسعة في الانتخابات النقابية والتوجه لصناديق الاقتراع لاختيار العناصر الكفؤة والمخلصة والوطنية والشجاعة، لتعزيز دور النقابات في عملية التطور الديمقراطي و التنموي في البلاد.
8- رغم ان الدستور العراقي يسمح بالتعددية في العمل النقابي و المهني، الا ان الحرص على صيانة وحدة النقابات وعدم تفتيتها ينبغي ان يبقى هدفا هاما وراسخا. و من جانبنا نواصل دعم كل الجهود لتعزيز وحدة العمل النقابي على اسس ديمقراطية حقيقية بعيدا عن اية تدخلات حكومية او حزبية ضيقة.
9- من خلال تجربة العمل النقابي في العراق خلال السنوات العشر المنصرمة، تاكدت للعديد من النقابات الوطنية المحلية ضرورة التنسيق مع المنظمات العربية و الاقليمية والدولية ، و اهمية المواقف التضامنية لهذه المنظمات في دعم حركتنا النقابية ونضالها لتحقيق مطالبها المشروعة، و مواجهة التدخلات و الخروقات الحكومية في العمل النقابي.

ختاما نامل ان يكون هذا السيمنار فرصة مناسبة للتباحث حول السبل و الآليات، التي تساعد على زيادة التنسيق و التعاون بين الديمقراطيين و اليساريين في بلداننا، الى جانب تبادل الخبرات و التجارب في ميدان العمل النقابي.

شكرا لاصغائكم و السلام عليكم.