من الحزب

نظام المحاصصة منتج للأزمات / رائد فهمي (*)

يمرُ العراق منذ عدة شهور بأزمة سياسية عميقة تجلت مظاهرها في تردّي العلاقات بين القوى السياسية المتنفذة، بما في ذلك المتشاركة في الحكومة، وانحسار الثقة كلياً بين أطرافها. كما شهدت العلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان توتراً وتعددت النقاط الخلافية ما بينهما، وانعكست في عدة قضايا عقدية. أبرزها ما يتعلق بما يطلق عليه «المناطق المتنازع عليها»، والخلافات حول كركوك. كما وجدت تعبيراً لها في المجال النفطي وإعتماد الإقليم سياسة نفطية مختلفة عن سياسة الحكومة الاتحادية، وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بالعقود النفطية الموقعة مع شركات النفط المحلية.
وكما كان متوقعاً، إمتدت آثار وتداعيات الأزمة السياسية على الوضع الأمني. ما نشهده في الفترة الأخيرة من تدهور أمني لافت خلال الأشهر الأخيرة، حيث بلغ عدد ضحايا العمليات الإرهابية، والتفجيرات، والإغتيالات خلال الشهر المنصرم أعلى مستوى لها منذ عام 2008، فقد زاد عدد الشهداء عن ألف، والجرحى عن ألفين.
ومع استمرار الأزمة ولجوء الأطراف المختلفة إلى التجييش الطائفي، والشحن الإعلامي وتبادل الإتهامات، والتوجه نحو إعادة تشكيل الميليشيات ، وإزدياد التدخلات الخارجية المباشرة، وإرتباطاً مع تفاقم النزاع الداخلي في سوريا وإكتسابه طابعاً مذهبياً تزداد شدّته.
كل ذلك وضع العراق أمام إحتمالات بالغة الخطورة وردت على لسان كبار المسؤولين في الدولة، كـ»تفجير حرب أهلية»، و»تفكك النسيج الوطني العراقي»، و»تقسيم الكيان العراقي».
وقد سلطوا شبح هذه المخاطر، وإزدياد الإستياء الشعبي من نهج القوى المتنفذة، وضغط قوى إقليمية ودولية على القوى السياسية الحاكمة. سلط كل ذلك ضغطاً على القوى والفعاليات السياسية للإستجابة الى مطلبات التهدئة، فإلتقوا في لقاء رمزي، انعقد مؤخراً، تحت رعاية السيد عمار الحكيم، تم خلاله إجراء المصالحة بين المالكي والنجيفي، رئيس مجلس النواب. متبعاً بزيارة من رئيسي وزراء الإقليم الى بغداد والتوقيع على اتفاق حول سبع نقاط، مع الحكومة الإتحادية يتعلق بمعالجة القضايا الخلافية.
أن هذه التطورات الإيجابية بإتجاه التهدئة، مُرحب بها، ولكنها لن تأتي بنتيجة ما لم تستبعها لقاءات وحوارات بين الأطراف المختلفة حول القضايا العقدية وإعادة الوضع الى طبيعته لنشاط الحكومة والبرلمان، اللذين تعرضا الى شبه الشلل، وإزالة مظاهر الإحتقان السياسي الطائفي.
ان للأزمة السياسية جذوراً تمتد الى طبيعة نظام حكم المحاصصة الطائفية والإثنية الذي أثبتت التجربة فشله في بناء الدولة، وفي تأمين الأمن والإستقرار، وفي تحقيق الإعمار والتنمية، وفي محاربة الفساد.
فالنظام منتج للأزمات ولا بد للعراق من أن يتخلص منه ليحقق الإستقرار والأمن والبناء الاقتصادي. وفي تقديرنا أن القوى المتنفذة، في الحكم، غير قادرة على إنهاء هذا النظام بسبب مصالحها وتقاسمها للمغانم والنفوذ.
ويتطلب ذلك تغيير موازين القوى السياسية في المجتمع لصالح القوى الحاملة للمشروع الوطني الديمقراطي. ولتحقيق لهذا الهدف عمل الحزب الشيوعي العراقي بدأب ومثابرة، وبروحية منفتحة، مستفيداً من جميع التجارب الماضية، لتوحيد جهود وعمل القوى الديمقراطية التي تعاني من التشتت. وفي سياق هذا المسعى، شارك كطرف رئيسي وأساسي في تشكيل اليسار الديمقراطي منذ أكثر من سنتين، والذي ضم أحزاباً وشخصيات ديمقراطية مشهوداً لها.
وقد خاض حزبنا انتخابات مجالس المحافظات التي افتتحت الشهر المنصرم في إطار قوائم إئتلافية ضمت التيار الديمقراطي وقوى وشخصيات مدنية أخرى. وجاءت نتائج الإنتخابات مشجعة لصحة هذا التوجه، حيث حصلت القوائم المدنية الديمقراطية التي شارك فيها الحزب على عشرة مقاعد، وإرتفعت أصواتها بنسبة تزيد على 80%، مقارنة مع القوائم المدنية السابقة التي شارك فيها الحزب.
إن التحدي القادم أمام القوى المدنية الديمقراطية هو إيصال ممثلين عنها الى مجلس النواب في الانتخابات القادمة بداية العام المقبل. وسيعتمد ذلك الى حدٍّ كبير على نجاحها في ترسيخ تحالفاتها القائمة وتوسيعها لتستقبل قوى وشخصيات أخرى، ومن أجل أن تنسج أمتن الصلات مع الجماهير، وتبني مصالحها والدفاع عن حقوقها وعن الحريات الديمقراطية.
اضف الى هذا الضغط من أجل تبني الدولة لسياسات وإجراءات تنحو بإتجاه العدالة الاجتماعية. وفي إطار هذه التحالفات الواسعة، عليه أن ينشط قوى اليسار، وأن يلعب دوراً رئيسياً في تماسك هذه التحالفات وضمان سلامة وجهتها الديمقراطية في جانبيها السياسي والاجتماعي. وفي كل الأحوال فإن التطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة والبلدان العربية تشير الى الحاجة لقوى اليسار أن ترتقي بمستوى علاقاتها وقياداتها وتنسيق جهودها لتلعب دوراً أكثر تأثيراً على مسار التطورات والأحداث. ويأتي اللقاء الرابع لقوى اليسار الذي إنعقد في بيروت ليبحث هذه القضايا وليعمل على بلورة رؤى ومواقف إزاء تطورات أوضاع المنطقة.
(*) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
ـــــــــــــــــــــــ
جريدة «النداء» اللبنانية
الصادرة عن الحزب الشيوعي اللبناني