من الحزب

نقرة السلمان ... سجن المناضلين ومدرسة الوطنية *

تلجأ الأنظمة البوليسية والديكتاتورية، عادة إلى أساليب مختلفة في محاربة وقمع خصومها السياسيين وأعدائها الطبقيين، من أجل تأبيد سلطتها والقضاء على كل ما يهدد وجودها حاضراً و مستقبلاً، وتزداد شراسة أجهزتها القمعية طردياً مع قوة تأثير وسعة انتشار الفكر الذي تحاربه، والطليعة السياسية التي تحمله وتناضل من اجله، فكلما كان هذا الفكر جذرياً، والحزب الذي يتبناه حزباً ثورياً، دارت عجلة القمع والإرهاب بسرعة قياسية، وتفنن القائمون عليها في ابتكار الأساليب والوسائل الكفيلة من جهة نظرهم بأنهاء وجوده سياسياً وتنظيمياً، أو على الأقل إضعافه جماهيرياً.
وهذا ما قامت به ودأبت عليه سلطات الحكم الملكي الرجعية، والسلطات التي تعاقبت على حكم العراق في محاربتها للحزب الشيوعي العراقي، لأنها كانت ترى في مناضليه حملة أوفياء لأفكار التنوير والحداثة في المجتمع، ومدافعين أشداء عن حرية الشعب وحقه في العيش الرغيد، وقادة مخلصين للكادحين العراقيين، ومستعدين لبذل الغالي والنفيس في سبيل تطبيق شعارهم العتيد في الوطن الحر والشعب السعيد.
وقد استفادت هذه السلطات المعادية للشعب والوطن من كل الطرق والوسائل الجهنمية التي تزخر بها ترسانة القمع والاضطهاد في دول العالم اللاديمقراطية، وأضافت لها ابتكاراتها المحلية التي اتسمت بقسوتها اللامتناهية، وخصوصاً في حقبتي البعث الدكتاتوريتين الدمويتين.
ولم يكتف هؤلاء المجرمون بمحاربة الشيوعيين وسائر مناضلي شعبنا، بمراقبة نشاطاتهم، والسعي لتشويه سمعتهم، أو نقلهم ونفيهم إلى أماكن نائية، وإنما لجأوا مبكراً، ومنذ انطلاقة حزبنا وتأسيسه، إلى فتح أبواب السجون لهم، وتعذيبهم نفسياً وجسدياً، بأبشع الأساليب وأكثرها انحطاطاً ولا إنسانية، وأصدروا إحكام الإعدام بحقهم من قبل محاكم صورية ومجالس عرفية تديرها حثالة من أعوانهم وخدمهم. واستشهد الكثير من مناضلي حزبنا الإبطال في أقبية الأمن والمخابرات العراقية، أو جرى اغتيالهم في الشوارع والساحات العامة، أملاً من هؤلاء المرضى، بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي، وإخراجه من الساحة السياسية. وقد أعلن الحكام الخونة مرات عديدة نهاية الحزب، وبشروا أسيادهم وصنعائهم، لكن الحياة أجهضت أضغاث أحلامهم المريضة، ليعاود حزب الشيوعيين نضاله ببسالة منقطعة النظير وليثبت من جديد أن (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق). وكان الحكام المستبدون قد افردوا حيزاً كبيراً للسجون في ترسانة حربهم ضد الحزب فبنوا الكثير منها، بهدف عزل المناضلين عن جماهيرهم، وعن كل مايجري في العالم لإضعاف معنوياتهم و إبعادهم عن توعية أبناء شعبهم، وبالتالي منعهم من مواصلة النضال ضد كل الأنظمة الرجعية الاستبدادية. لكن الشيوعيين خيبوا ظنهم واجترحوا مأثرة كبرى خلدها التاريخ في سفرهم النضالي المجيد، عندما حولوا هذه السجون إلى قلاع للصمود ومدارس للتربية الوطنية والثقافة الإنسانية، والارتقاء بوعي المناضلين وبمستوى التزاماتهم الحزبية، فكان سجن «نقرة السلمان» نموذجاً لهذه الممارسة الحزبية والوطنية الفريدة. وبالرغم من قساوة الظروف الطبيعية والبيئة الصحراوية استطاع الشيوعيون تحويله كما في غيره من السجون إلى مدرسة من طراز خاص، تدرس فيها أنواع العلوم والمعارف، كالفلسفة والاقتصاد السياسي، واللغات المختلفة، وعلم الاجتماع، وتعلم فيه العديد من المناضلين الأميين القراءة والكتابة وعاش الجميع حياة جماعية في المأكل والملبس والخدمة العامة، أثارت إعجاب حتى القائمين على السجن. وحولوا ساحات السجن وباحاته إلى ساحات رياضية مارسوا فيها كرة القدم والطائرة وغيرها، وبرزوا فيهم رياضيون بارعون، كما جعلوا من الاماسي السجنية مناسبات للفرح والامتلاء الروحي، وبرز فنانون وأدباء وشعراء ظلوا لفترات طويلة نجوماً ساطعة في سماء الثقافة العراقية. وكانت المنظمة الحزبية في السجن بارعة إلى حد كبير في التواصل مع الحزب والعالم الخارجي وفي تنظيم حياة هؤلاء الإبطال وإدارة شؤونهم الجمعية، وكذلك في العلاقات الطيبة التي نسجتها مع إدارة السجن. أنها حقاً تجربة متميزة في أصالتها وفرادتها، وبالأرادة الشيوعية الصلبة، ولذالك نجحوا في تحدي كل الصعوبات الاستثنائية التي واجهتهم وانتصروا على المستحيل.
أنهم إبطالنا ومناضلونا الأفذاذ، الذين نباهي الزمن بهم، ونسقي بنضالهم وتضحياتهم الغالية شجرة الحزب الوارفة، ونستلهم من صمودهم في نقرة السلمان والسجون الكثيرة المنتشرة في طول البلاد وعرضها، العزم والتصميم على مواصلة السير في ذات الطريق المشرف الذي اختطه الشيوعيون العراقيون، والمتجسد في راهن النضال من اجل الدولة المدنية الديمقراطية، التي لاضامن غيرها لحقوق العراقيين ومصالحهم الجذرية، وخاصة الكادحين منهم، فهي البديل لكل ما يعانيه شعبنا من ويلات ومصائب، وما يقاسيه كادحوه من بطالة وشظف في العيش، ومن فساد مالي وأداري وإرهاب منفلت، ومصادرة للحريات وقضم للديمقراطية، وهي القادرة فعلاً على الخلاص من أس البلاء المتمثل بالمحاصصة الطائفية- الاثنية وبناء العراقي الديمقراطي الاتحادي المزدهر. وفي الأيام القليلة القادمة ، يحل موعد انتخابات مجلس النواب وشعبنا يتطلع لأن تكون محطة كبرى نحو الاصلاح والتغيير لتصويب مسار العملية السياسية واعادة بنائها بعيدا عن نظام المحاصصة الطائفية والأثنية ووضع البلاد على طريق التعافي والخروج من أزماتها نحو الاستقرار والازدهار، وخير من يحمل هذا الأمل قلئمة التحالف المدني الديمقراطي ومرشحوها. ونحن نستذكر صفحات مجيدة لمناضلين من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب والتقدم ندعو ونعمل ونتطلع إلى ان يطوي العراق وإلى الأبد ممارسات الاستبداد ومصادرة الحريات وتشييد القلاع والسجون والمعتقلات لحملة الفكر والرأي واصحاب الموقف الوطني المناصر لقضايا الشعب وكادحيه، ويصبح سجن نقرة السلمان وسواه من شواهد تاريخ انقضى إلى غير رجعة، وان لا تتكرس الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور في قوانين وتشريعات وتعليمات وممارسات وحسب، وإنما ان تتحول إلى ثقافة عامة في المجتمع تحترمها وتلتزم بها مؤسسات الدولة كافة، ولا سيما الاجهزة الأمنية والعسكرية والحكومية الأخرى المسؤولة عن تنفيذ القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلمة الحزب في احتفال نكرة السلمان القاها الرفيق حسان عاكف